القابلية للاستبداد

02 مارس 2015
+ الخط -
من الأمور المهمة التي طرحها مالك بن نبي مفهوم القابلية للاستعمار. وهو يوضح أن الأخطر من الاستعمار هو القابلية النفسية والمجتمعية لدى الشعوب لهذا الاستعمار، فهذه القابلية تشكّل حاجزاً أمام التحرر والاستقلال، بل وتدفع المجتمع المصاب بهذا الداء لعلاج نفسه عن طريق جلب الاستعمار، كي يحل مشكلاته. وهذه المشكلة ناتجة طبعاً عن بذرة زرعتها دول الاستعمار داخل الدول المستهدفة، سواء عن طريق الهيمنة الثقافية، أو غيرها من الأدوات والأساليب، ويعززها ضعف الثقة بالنفس وعدم الثقة بقدرات الشعب وإمكاناته للوصول إلى مرحلة المجتمع الحر المنتج.
لم يبق الربيع العربي ربيعاً في جُلّ دول الربيع العربي، فسرعان ما سُحب البساط من تحت أقدام الثوار، وباغت الخريف هذا الربيع. لكن محللين متفائلين يقولون: الثورة لم يُجهز عليها بعد، ويقصدون الإيجابية المتبقية من الثورات، والمتمثلة بأن الشعوب لم تعد ترضى بالاستبداد، بعد أن استنشقت نسائم الحرية. عدم قبول الاستبداد هو بذاته التخلص من القابلية للاستعمار، لا سيما أن الأنظمة المستبدة كانت في نظر الشعوب أداة للاستعمار. ويعتبر المحللون هذا الشعور، بحدّ ذاته، أمراً مهماً جداً، فحتى لو فقدت الشعوب جولة فإن لها جولات، لكن المهم أنها تخلصت من القابلية للاستعمار والاستبداد.
وفي مقابل ذلك كله، كان أصحاب الثورة المضادة يستعدون، جيداً، للخطوة التالية، وبدأوا الحرب الإعلامية على الثوار، وتشويه الثورة وأصحابها ورموزها والطعن بأهدافها، وكانوا يعلمون أن من الضروري ضرب الوضع النفسي الذي وصلت إليه الشعوب، باستعدادها للتضحية في سبيل الوصول إلى الحرية، إلى أن ظهرت داعش بقوة، وأصبحت الشغل الشاغل في بلادنا العربية.

وعندما كانت القابلية للاستعمار لدى ابن نبي أخطر من الاستعمار نفسه، فإن ضرب المرجعية التاريخية والفكرية للعرب بنموذج "تنظيم الدولة الإسلامية" يضاهي خطر الذبح والحرق الذي يمارسه التنظيم، لأن مستغلي ظاهرة داعش يحاولون أن يكسروا الروح المعنوية لدى الشعوب العربية، ووضع قناعاتهم التحررية على المحك، بنفخ ظاهرة داعش لتصبح فوبيا للشعوب، ولتصبح الغول الذي يهدد أي شعب يحاول زعزعة أمن مستبديه، والانطلاق نحو الثورة والتحرر من الاستبداد. ومن الجانب الآخر، أصبح هناك تفكير جدي لدى الشعوب العربية بجدوى الثورة.

كان من الملفت للنظر أن دول الربيع العربي، في بدايات الثورات، قد اتجهت نحو الحركات الإسلامية التي تتبنّى المنهج الوسطي. ومن عوامل نجاح هذه الحركات أن الشعوب العربية تتوق لنهضة عربية وإسلامية أصيلة، وعدم لباس ثوب الشعوب الأخرى وحضاراتهم. وقد وجدوا في الحركات الإسلامية ضالتهم، غير أن ظهور "تنظيم الدولة الإسلامية"، بصورته وإيحاءاته، يجعل الشعوب تظن أن الحضارة العربية والإسلامية بتاريخها عاجزة عن إنتاج مجتمع متحرر من الاستبداد. ونجاح المستبدين في ربط داعش بالثورات وبالامتداد التاريخي لهذه الشعوب سيزيد في بلادنا المهووسين بقيم الدول الاستعمارية أكثر.

لذلك كله، لا بد من التمسك بالقناعات الثورية بقوة، وتفويت الفرصة على كل مستبد في أن ينزع قناعة التحرر من أصحابها. ولا يكفي رفض ممارسات داعش فحسب، بل يجب رفض ربطها بأية مرجعية تاريخية، أو فكرية، لهذه الشعوب، والإيمان المطلق بأن الشعوب العربية، بثقافتها وتاريخها، قادرة على الوصول إلى شاطئ الحرية، من غير الحاجة إلى مستبد ولا مستغل.

avata
avata
محمد القدومي (فلسطين)
محمد القدومي (فلسطين)