سمعة سيّئة تلازم المدينة التي لا تتعدى مساحتها 24 كيلومترا مربعا، رغم مرور عقود طويلة على المواجهات التي حدثت بين بعض الجماعات فيها وقوّات الأمن المصرية في التسعينات، وعلى مدار الأربع سنوات الماضية، لم تتوقّف عمليات الاعتقال والإخفاء القسري داخل مدينة الفيوم، ومع تطوّر الأمر في منتصف عام 2015 لتصفية المتّهمين جسديًا، نالت الجزء الأكبر منها.
المدينة كانت حاضرة بقوّة على خارطة التصفية الجسدية في حق المتّهمين منذ العام الماضي، لتتصدّر المشهد عدّة مرّات كان آخرها 23 يوليو/ تموز 2017، بإعلان وزارة الداخلية تصفية ثمانية متّهمين بالفيوم، وأسباب التصفية التي تعلنها الأجهزة الأمنية غالبًا ما تكون "تبادل إطلاق نيران"، أو انتماءهم لحركات مسلّحة كحركة "حسم"، أو لكونهم ضالعين في تنظيمات إرهابية، ودائمًا ما تتشابه بيانات الداخلية إلا أن أعداد القتلى وأسماءهم هي من تتغيّر فقط.
تاريخ من التصفية
بمركز سنورس كان الحادث الأوّل للتصفية في الفيوم بأغسطس/ آب 2015، حيث شهد مقتل خمسة مواطنين مصريين في منطقة زراعية بعد تبادل إطلاق النيران مع الشرطة، وفقًا لبيان الداخلية، بتهمة ارتكاب عمليات استهداف ضباط من مديرية الأمن.
في الشهر نفسه تعرّض كل من محمد عبد الله خميس، وسالم السيد بصير، للتصفية الجسدية بمركز طامية الفيوم، بمزرعة دواجن يمتلكها الأوّل، وتكرّر ما جاء في البيان من إطلاق النيران من قبلهم على قوّات الشرطة أثناء مداهمتها للمكان المتواجدين به.
بحلول يناير/ كانون الثاني 2016، اتهمت أسرة من الفيوم السلطات بتصفية نجلها الطبيب محمد محمود عوض بالرصاص الحي عند خروجه من أحد المساجد، إلا أن السلطات لم تعلن رسميًا عن الحادث. وبحسب توثيق منظمة "هيومن رايتس مونيتور" فإنه قُتل أمام عيادته الخاصة بالفيوم بإطلاق الرصاص عليه، ووضع في المدرّعة ونقل للمستشفي العام، ومنعت أسرته من استلام جثمانه لعدّة أيّام.
الجهات الأمنية صرحت فيما بعد بأنه كان مطلوبًا بتهمة التحريض على التظاهر في ذكرى 25 يناير/كانون الثاني، وأثناء القبض عليه قاوم أحد الضباط فأطلق النار عليه. وشهد الشهر نفسه حالة تصفية أخرى لشخص من قرية جبل سعد بالفيوم، بحجة انتمائه لأحد عناصر حركة مسلّحة وفقًا لتعبير البيان، داخل منزله. تكرّرت الحادثة في مايو/ أيّار 2017 بمقتل مواطنيْن من أبناء قرية العدوة بالفيوم، أعلنت الداخلية عقبها أنه كان تبادلًا لإطلاق النيران، وفي 8 يونيو/ حزيران تعرّض إثنان آخران للتصفية أيضًا.
الأمن بحاجة إلى رواية
شهد يوليو/ تموز الجاري أكبر عدد من القتلى في عمليات تصفية، بإعلان مقتل طالب يدعي ماجد زايد، وعقب يومين أُعلن عن تصفية أحد كوادر حركة "حسم" دون تحديد هويته حتى الآن، وفي 8 يوليو/ تموز الجاري أعلنت الداخلية عن تصفية 16 شخصًا بمنطقتي 6 أكتوبر والإسماعيلية، إلا أنه من بينهم ماجد زايد عبدربه ومحمد شعبان طه من الفيوم.
شهد الأسبوع الجاري تصفية محمد سعيد عبد الباسط، وأحمد إيهاب عبد العزيز من مركز طامية الفيوم في 21 يوليو/ تموز، وثمانية أشخاص آخرين في يوم 23 من الشهر نفسه، على الرغم من عدم انتماء بعضهم لمحافظة الفيوم إلا أن عملية التصفية تمت بها، بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية.
المحامي الحقوقي، عزت غنيم، فسّر الإعلان عن التصفية في الفيوم لوقوع حادثة إطلاق نيران على سيارة شرطة قبل 48 ساعة، مما دفع قوّات الأمن لنقل عدد من المختفين قسريًا من محافظات أخرى والإعلان عن التصفية هناك.
يوضح غنيم لـ"جيل" أن ذلك الأمر يتكرّر دائمًا، فعقب حادثة إطلاق النيران على سيارة شرطة بالبدرشين، أعلنت قوات الأمن تصفية شخصين من المشتبه بهم في محيط الواقعة، إلا أنهم كانوا ضمن المختفين قسريًا من محافظة الفيوم وليس البدرشين. "الأمن يحتاج دائمًا لرواية بأن من تمّت تصفيتهم جسديًا كانوا ضمن وكر إرهابي" يقول المتحدّث.
لم يقتصر العنف على عمليات التصفية الجسدية ففي عام 2016 وثّقت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريّات" 75 حالة اختفاء قسري في الفيوم، بينما وثّق "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" 85 حالة خلال عام 2016، و7 حالات عنف من قبل الدولة و8 حالات تعذيب.
الحصار البوليسي
لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي تتعرّض فيها الفيوم لهذا النوع من الحصار، ففي تقرير مشترك لمنظمتي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وحريّة الفكر والتعبير في عام 2009 بعنوان "خلف أسوار الخوف..الحصار البوليسي على الفيوم"، فإن الانتهاكات من قوّات الأمن لم يكن لها رادع أو رقابة ما بين اعتقالات عشوائية والتحقيق مع الطلاب وفصلهم من الجامعة والاعتداء عليهم وكذلك المحامين.
عمليات العنف بالفيوم أعادت إلى الأذهان ما حدث في مطلع التسعينات بقرية كحك أبشواي، حين قتل شوقي الشيخ أحد قيادات الحركة الإسلامية آنذاك، فاندلعت عمليات عنف ضدّ الأمن على مدار أربع سنوات حتى عام 1994.
دخل تنظيم "الشوقيين" في مواجهات مسلّحة مع الأمن، لكنه دخل في صراعات مع الجماعات الإسلامية الأخرى التي تختلف معه فكريًا أيضًا، إلى أن قبض عليهم ووضعوا داخل السجون منتصف التسعينات. هنا، يري غنيم، أن أغلب المحافظات تتعرض لحملة أمنية، لكن الفيوم تتعرّض لحملة تصفية واعتقالات وإخفاء، معللًا بأن خصوصيتها الجغرافية وقربها من حدود مصر الغربية تعدّ سببًا في ذلك.
واعتبر المتحدّث أن التصعيد الأمني ضدّ أهل الفيوم، هو نتيجة لخوف السلطة من ارتباطهم بأيّ من مجموعات ليبيا المسلّحة، مؤكّدًا أن ذلك لا يبرّر حملة الاعتقالات والتصفية الجسدية التي أصبحت تتمّ بشكل ممنهج فيها. ويعتقد غنيم أن الأمر مرتبط بما حدث في التسعينات وخوف الدولة من مدينة الفيوم لكونها جزءًا من المحافظات التي خرجت منها الجماعات المسلّحة في تلك الفترة.