"لم تعد صنعاء كما اعتدناها". هكذا يبدأ إبراهيم عوض، الذي يعمل في السعودية، حديثه. شعر بذلك بمجرد خروجه من مطار صنعاء إلى الشارع، بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات. تغيرت العاصمة كثيراً عما كانت عليه عندما غادرها. كان يعتقد أن هذه السنوات ستساهم في تطوير مدينته، لكنه تفاجأ لأنها فشلت في الحفاظ على مظاهر الحياة الايجابية البسيطة التي ميزتها خلال العقدين الماضيين. في المقابل، انتشرت مظاهر وممارسات "غير حضارية" على حد قوله، ما جعله يعود سريعاً إلى السعودية.
تعاني بعض المدن اليمنية، بما فيها العاصمة، من فوضى يسهل ملاحظتها بمجرد الخروج إلى الشارع. تسير سيارات كثيرة من دون أرقام أو لوحات معدنية. لم تعد الشارات المرورية تعمل، وازدادت المخالفات، بالإضافة إلى تفشي ظاهرة حمل السلاح في كل مكان، عدا عن التواجد الكثيف لنقاط التفتيش التابعة لأنصار الله (الحوثيين) في مقابل غياب تام للدولة. كذلك، يتم قطع العديد من الشوارع بواسطة كتل خرسانية بحجة حماية منازل شخصيات حوثية أو قبلية أو حزبية من تفجيرات محتملة، ما يخلق ازدحاماً شديداً في الشوارع الرئيسية والبديلة.
مخالفات بالجملة
يؤكد شرطي مرور رفض الكشف عن اسمه، أن "المخالفات المرورية تزداد يوماً بعد يوم، لأن كثير من السيارات أصبحت من دون أرقام، ويقودها مسلحون. لهذا، يرتكبون المخالفات بشكل مستمر من دون أن نستطيع منعهم أو محاسبتهم". ولا يستثني السيارات التابعة لمواطنين عاديين، الذين لا يلتزمون بدورهم بقواعد المرور. يقول إنه "حتى السيارات القانونية اعتادت تجاهل شرطة المرور، وارتكاب المخالفات كالقيادة عكس السير وعدم الامتثال لشارات المرور، وعدم حمل رخص القيادة". يضيف لـ "العربي الجديد": "الأمر ليس بيدنا، ونحن بحاجة لإعادة الاعتبار لهيبة الدولة أولاً، كي تعود هيبة شرطة المرور فنتمكن من تنظيم حركة السير".
في المقابل، يؤكد سائق سيارة أجرة علي البعداني أن "شرطي المرور لا يطبّق القانون على السيارات التي لا تحمل أرقاماً، وتكون غالباً تابعة لشخصيات نافذة أومليشيات مسلحة"، مشيراً إلى أنه يضطر إلى ارتكاب المخالفات لأن شرطة المرور ليست عادلة. يضيف: "ما فيش (لا توجد) دولة، وتطالبني باحترام إشارة المرور؟". يلفت إلى أن الكثير من السيارات التي دخلت اليمن أخيراً "تعمل كسيارات أجرة وتحمل أرقاماً، إلا أنها لا تلتزم بالشروط التي وضعتها إدارة المرور كصبغ السيارة باللون الأبيض والأصفر".
وكانت اللجنة الأمنية العليا قد منعت تجول الدراجات النارية في شوارع العاصمة في الماضي، عقب عمليات اغتيال واسعة طالت عشرات الشخصيات الأمنية والسياسية، وتمت بواسطة دراجات نارية. لكن عادت إلى الشوارع عقب سيطرة أنصار الله (الحوثيين) في سبتمبر/أيلول الماضي، ما زاد من الفوضى.
تعطيل القضاء
بات كثير من الأهالي يلجؤون إلى المراكز الخاصة بأنصار الله (الحوثيين) في أحياء وشوارع المدن التي يسيطرون عليها من أجل الفصل في نزاعاتهم، بدلاً من المؤسسات الأمنية والقضاء، ما أدى إلى إضعافها. في السياق، يقول يقول عبد الجليل البعداني إنه لم يلق تجاوباً من الشرطة عندما قصدهم بسبب اعتداء أحد جيرانه على ابنه، مشيراً إلى أن هذا "التخاذل" دفعه للذهاب إلى "اللجان الشعبية" التابعة للحوثيين.
[إقرأ أيضا: التدخل الخارجي: حرف مسار ثورة اليمن]
في المقابل، يلجأ كثيرون إلى حل مشاكلهم بطريقة سلمية، أو من خلال استخدام السلاح، ما يؤدي إلى حدوث جرائم مختلفة كان آخرها مقتل رئيس محكمة بني الحارث القاضي أحمد حسن العنسي ونجله في يناير/كانون الثاني الماضي، من قبل مسلحين بالقرب من المحكمة.
ينطبق كل ما سبق على مدينة صنعاء القديمة، فلا يملك من عرفها سابقاً إلا أن يصاب بإحباط، بحسب المواطن الوضاح الهتاري. يقول: "كان الكثير من السياح الأجانب يأتون إلى صنعاء". يؤكد أن الخلافات السياسية قد انعكست سلباً على الناس، مشيراً إلى أن "صنعاء القديمة التي اعتبرت إحدى أهم المدن التاريخية، باتت تنتشر على جدرانها شعارات حزبية ودينية، ما أدى إلى تشويهها".
ويشكو كثير من أهالي صنعاء انقطاع المياه، ما يضطرهم إلى جلبها من خارج المدينة القديمة، ما يكلف أموالاً لا تستطيع بعض الأسر توفيرها.
في السياق، يعزو الأستاذ الجامعي عبدالله إسماعيل، زيادة حالة الفوضى في بعض المدن اليمنية إلى "وجود ازدواجية معايير في تقديم الخدمات للناس"، مشيرا إلى أن "سيطرة جماعة أنصار الله على القرار السياسي والإداري في العاصمة ساهم في تداخل الاختصاصات في كل مؤسسات الدولة".
[إقرأ أيضا: هل انتهى حلم التغيير السلمي في اليمن؟]