لم تكن الإلغاءات التي تكرّرت لحفلات فريق كايروكي مفاجئة، الجمهور الذي اعتاد ذلك لأكثر من ثلاث مرات بات يعرف أن الإتاحة هي المفاجأة في الوقت الحالي. حاول الفريق كثيراً أن يعرف السر وراء هذا الموقف، واختار ألا يصعد، وخرج نجمه أمير عيد ليعلن رفضه لقاء الصحف الأجنبية التي تسأله عن الأمر، لكن الدولة في شكلها الجديد لم يعد يعنيها ذلك.
المنع والمماطلة كانا يحصلان قبل هذا الشهر بقرارات غير معلنة، يمكن تجاوزها بكثير من الوساطات، أو تدخل شركة كبرى لتتولّى رعاية الحفلات وتنفق المبالغ التي تتيح إتمام الأمر، لكن شكلاً جديداً من التعامل في طريقه للبدء هذا الشهر.
بشكل مفاجئ، أعلنت رئاسة الوزراء قبل أيام تشكيل ما سمته اللجنة العليا لتنظيم المهرجانات والاحتفالات، وبحسب ما نشر الخميس في الجريدة الرسمية؛ فإن المادة الأولى تجعل جميع الفعاليات الثقافية والفنية محلية أو دولية، التي تنظمها الجهات الحكومية أو غير الحكومية تحت سلطة اللجنة.
أما المادة الثانية، فتكشف طبيعة اللجنة التي ترأسها وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم (عازفة الفلوت!)، وتضم في عضويتها ممثلاً لكل وزارة من وزارات الداخلية والتنمية المحلية والخارجية والشباب والرياضة والطيران المدني والآثار والسياحة والمالية، ولا يجوز بحسب القرار تنظيم أو إقامة مهرجان أو احتفال إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من وزارة الثقافة.
الحصول على التراخيص هو كلمة السر في تشكيل اللجنة التي تقول تبريرات تشكيلها إنها بغرض تنمية الإبداع والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، وتهدف إلى تعزيز التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة وتفعيل التبادل الثقافي بين مصر ودول العالم، وهي عبارات معلبة لم تفلح في التغطية على ما جاء من اشتراطات فضفاضة وكارثية.
من بين اختصاصات اللجنة وضع أجندة سنوية للفاعليات وأماكنها على مدار العام، والسماح لأي من أعضائها بدخول مقرات إدارة المهرجان أو الاحتفال والاطلاع على سجلاته وحساباته أثناء أو عقب إقامته، فيما لم يغب بالطبع التبرير الأكثر مطاطية وركاكة "التدخل لمنع ما يحمل إساءة لمصر ومكانتها".
أكثر ما يكشف الغرض من هذه اللجنة ويؤكد أن تقنين المنع هدفها هو مقارنة تشكيلها الذي يضم ممثل وزارة الداخلية ويعطي أفرادها سلطات أقرب إلى الضبطية القضائية، مع تشكيل لجنة أخرى لوزارة الثقافة أعلنت في عام 2016 بقرار رقم 662 لرسم سياسات الوجود الفني المصري في المهرجانات.
ضمّت اللجنة الكثير من المخرجين والفنانين والنقاد والموسيقيين ورؤساء القطاعات الفنية والثقافية والأكاديميين في فروع الفنون والثقافة. وكان الهدف المعلن منها وضع أجندة سنوية للمهرجانات الفنية المحلية والدولية ومراقبة أدائها والتنسيق بينها وإبداء الرأي في ما يعرض عليها من موضوعات من وزير الثقافة.
لكن ما الذي تغير ليدفع الدولة إلى تشكيل لجنة وإعطائها هذه الصلاحيات، في وقت يتم فيه القمع والمنع والتأجيل بشكل غير معلن؟ الإجابات متعددة، أولاها أن الشكل الأجمل دائماً يتمثل في أن يقوم بالقمع والمنع أفراد من داخل المنظومة المستهدفة، مثلما يفعل المجلس الأعلى للإعلام، ونقابة المهن الموسيقية.
أضف إلى ذلك أن تصدر وزيرة الثقافة التي احتفى كثيرون بوصولها إلى منصبها، وقادت قبل ذلك اعتصام المثقفين ضد وزير الثقافة في عصر مرسي، يجعل من الاعتراض عليها موقفاً صعباً على معارضي الإخوان.
كما أن الإلغاء بقرار أمني أكثر ضجة من قرار لجنة بها عضو واحد من وزارة الداخلية وترأسها وزيرة فنانة، رغم أن الجميع يعرف أن صوت ممثل الأمن في اللجنة لن يتساوى بالطبع مع غيره من الوافدين من وزارات أخرى.
يُشار إلى أنه بعد الثورة، كانت تقام فعالية "الفن ميدان" دائماً. إلا أنه، وبعد حجة "حمايته من الإرهاب" بهدف تأجيله عدة مرات، استطاع الأمن المصري، في عام 2014، أن يبتكر حجّة جديدة ليُلغى مهرجان "الفن ميدان" نهائياً، مفادها أنّ منظميه "يتلقّون تمويلاً أجنبياً".