الفنان الممثّل المهرّج توفيق عكاشة.. "مِعلِّم على القهوة"

31 أكتوبر 2014
توفيق عكاشة (أحمد محمود/AFP/Getty)
+ الخط -
ربّما أكثر ما يفقتر إليه المشهد المصري اليوم هو الإعلامي الساخر باسم يوسف، الذي كان يلعب دورا أساسياً في شرح "المسألة المصرية" بجرعات كبيرة من الكوميديا. وكان يمسك بملايين المصريين كي يعرفوا ماذا يجري وكي يساعدهم على اتّخاذ قراراتهم في اللحظات المصيرية. 

في هذه الأثناء يملأ بعض نجوم الشاشة الصغيرة فراغ باسم يوسف. فينضح كلّ إناء بما فيه. أبرزهم في الأيّام الأخيرة توفيق عكاشة، الذي انتشر فيديو له وهو يخاطب المصريين كما لو أنّه والد في الأرياف يخاطب أولاده الذين لا ينفكّون يرتكبون أخطاءً لا تُغتَفَر.
مئات الآلاف وربما الملايين، شاهدوا الفيديو، حيث توفيق عكاشة يبرّر للقوات العسكرية المصرية قصف "إحدى الدول العربية"، بعد معركة سيناء التي استشهد خلالها عشرات الجنود المصريين.

في الفيديو يقول عكاشة: "واحد يطلع يقول: نحن لا نريد أن يقال في التاريخ إنّ مصر وجّهت ضربات إلى إحدى الدول العربية... دول أمّك، دولّ أمّك، إحنا منضرب دول عربية يا متخلّف؟ إحنا منضرَب الإرهابيين الي فوق الأرض العربية، والشعب على راسنا من فوق".
هكذا ينحدر عكاشة بالخطاب السياسي الموجّه إلى الناس العاديين، ويتصرّف كفنان، كممثّل، كشخصية عادية في فيلم مصريّ، أو في مسلسل كوميدي يروي حكايات يومية عن ناس بسيطين.

بعد هذه الجملة راح توفيق عكاشة يخاطب المشاهدين كما لو أنّه "مِعَلِّم" على قهوة شعبية في مصر، قائلا: "أسيب المكان أو الدنيا وامشي؟ واضرب نفسي بالرصاص وارتاح منكم؟ بسّ كدا أبقى ميّت كافر. أو أدعي ربّنا ياخدني عشان أموت على دين الإسلام".

بهذه الخفّة يمكن أن ينقل توفيق عكاشة التحليل السياسي والاجتماعي والمنطقي إلى مستوى رجل يخاطب "عِيال مرعوبة" ويهدّدهم بقتل نفسه، فيما هو في الحقيقة يهدّدهم بالعنف ضدّهم. فالأب مثلا حين يقول جملا كهذه لأطفاله ينتهي المشهد بأن يضربهم وليس أبدا بأن يضرب نفسه.

ويضيف خاتماً: "واللهِ، ربّنا يريّحني منكم، ومن مراتي، ومن الدنيا كلّها"، ثم يسأل: "خلاص؟"، ويُكمِل: "أدعي ربّنا...". وهنا يصمت قليلا كمن يعتبر أنّ صمته سيخيف "العِيَال المرعوبة أكثر"، ثم يتابع: "خدني يا ربّ عشان ارتاح من الأغبيا، عشان ما شوفش يوم مصر مكسورة فيه، وارمي مراتي معاهم بالمرّة".

إدخال زوجته في هذه المعمعة يزيد من "درامية" المشهد. فهذا "المِعَلِّم"، مثل أيّ شخصية تقليدية في الدراما المصرية، تتعبه زوجته ويحلم بالتخلّص منها. ويدعو ربّه أن يأخذها لأنّه لا قدرة له على قتلها أو تطليقها.

نحن أمام محاولة نقل النقاش من طاولة الإعلام الساخر إلى مسرح الدراما الخيالي. والسياسة هنا ليست في الدرجة صفر فقط، بل هي خارج سلّم الأرقام. يمكن مثلا أن نعتبره ممثّلا ممتازاً. وربّما يجب إسناد أدوار تمثيلية له.

هذا "المِعَلِّم" الذي يبدو جالسا "على القهوة"، وليس أبدا صحافياً أو محللا سياسياً جالساً في استديو تلفزيوني، هذا "المِعَلِّم" أحسبه "فتوّة" لكن "كِدا وكِدا"، باللهجة المصرية. أي إنّه يستغلّ غياب "الفتوّة" الأصلي، الذي عادة ما يكون في السجن أو مشغولا بأمور أخرى. وفي غيابه يتنطّح بعض الوصوليين إلى صدارة المشهد، مستغلّين عدم وجود "محاسبة" على وزن باسم يوسف.

وكلّما شاهدتُ الفيديو لا أتوقّف عن تخيّل ما يمكن أن "يفعله" باسم يوسف بهذه الفيديوات حين يعود، أو ما الذي يمكن أن يقوله لو كان برنامجه "شغّالاً" هذه الأيّام. وهل كان سيجرؤ مالك قناة "الفراعين" أن يتفرعن لو كان هناك من يردّه. أم أنّ الفرعنة سببها أن لا أحد يردّه فقط؟

هو هكذا توفيق عكاشة، يجلس "على القهوة" ويدخّن النرجيلة كطاووس، في غياب "المِعَلِّم" الحقيقي. غياب نرجو ألا يطول كي يأخذ كلّ ذي حجم حجمَه، وكي يعود "العيال" إلى بيوتهم ليلعبوا تحت عيون أمّهاتهم، وليتركوا "القهوة" لـ"المِعَلِّمين".
المساهمون