قبل سنوات، حقَّق المغني الفلسطيني، محمد عساف، نجاحاً مقبولاً، بعد تخرجه من برنامج المواهب "آراب أيدول" في نسخته الثالثة. عساف استطاع التحليق عاليًا، على الرغم من كون إنتاجه الفني الخاص من الأغاني لم يحظ بنفس الشهرة التي حصدها اسمه أو حضوره. والسبب بالطبع، هو سوء الاختيار الذي تبنَّته شركة "بلاتينيوم ريكوردز" السعودية. وبالتالي استغلال العلاقات مع بعض الشعراء والملحنين المحسوبين عليها، من أجل رسم خطة طريق تضمن لمحمد عساف الفرادة ومنافسة مجموعة من مغنّي جيله. لكن ذلك لم يحصل، فتجاوز عساف مجموعة من شباب جيله، مثل زميله السوري ناصيف زيتون، وزميلته المغربية دنيا باطما وغيرهم.
عساف سيقف في العشرين من شهر تموز/ يوليو الجاري في "مهرجانات بعلبك"، إذْ اختير لإحياء ليلة تكريم للفنان الراحل عبد الحليم حافظ (يُحتفل هذه السنة بذكرى ميلاد حليم التسعين). هذه ليست المرة الأولى التي يستعين فيها المنظمون بمغن شاب لتكريم فنان راحل له تاريخه. محمد عساف تأثر في بداياته بمسيرة حليم، وأول أغنية قدمها كاختبار لدخول برنامج "آراب أيدول" كانت "صافيني مرة" من كلمات سمير محجوب وألحان محمد الموجي، غناها عبد الحليم سنة 1955 في فيلم "أيام وليالي". ويعتبر عساف الأغنية "فأل خير" على مسيرته الفنية، وسيغنيها بالطبع في المهرجان. إضافة إلى ذلك، يتضمن برنامج عساف أغاني من أفلام عبد الحليم حافظ ومشاهد منها، ستعرض عبر تقنية حديثة أمام الجمهور، وهي المرة الثانية التي تُعْتمَد فيها هذه التقنية، بعد أن أحيت المغنية السورية رويدا عطية سنة 2011، ثلاث ليال ضمن مهرجانات بيت الدين الدولية، وكانت تكريماً للفنانة الراحلة صباح التي حضرت حفل الافتتاح يومها، وأثنت على موهبة عطية. وكان تفاعل صباح إيجابياً مع الفعاليات التي رافقت تلك الأمسية المسرحية.
دون شك، تتأثر بعض الأصوات من جيل المغنين الشباب بجيل "الزمن الجميل"، أو ما يعرف بـ "جيل العمالقة". لكن، أحياناً يحصر الفنانون من الجيل الجديد أنفسهم داخل "شرنقة" الفنان الراحل، ويتحولون إلى "أسرى فنييّن". فمنهم من ارتدى عباءة الفنان الراحل وديع الصافي، ولم يستطع خلعها، رغم مرور الزمن على تجربته. وكذلك تجربة بعض الأصوات السورية التي تأثّرت بمدرسة الفنان صباح فخري، إذْ لا يزال بعضهم حتى اليوم مقيداً بغناء الموشحات والقدود الحلبية. نذكر كمثال أيضاً، المغني المغربي عبدو شريف الذي حصر شخصيته الفنية في حدود تأثره بالفنان الراحل عبد الحليم حافظ، وكان لوقت لطويل الاسم الملازم لأي فعالية أو مهرجان يتعلق بتكريم عبد الحليم.
هكذا يتحول الصراع على النجومية وإثبات الفرادة الفنية، إلى هاجس عند بعض الفنانين الشباب. إذْ يقودهم هذا الصراع إلى التحوّل إلى ظلّ للفنان الراحل، بشكل يمنعهم من تشكيل هويّتهم الخاصة وطريقهم الشخصي.