الفلسطينيون يترقبون الانتفاضة الثالثة

13 نوفمبر 2014
يرى البعض أن الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة(مأمون وزوز/الأناضول)
+ الخط -

يُراقب السياسيون الفلسطينيون عن كثب التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، مع الزيادة الملحوظة في وتيرة عمليات المقاومة الفلسطينية، من دون أن يملكوا توصيفاً واضحاً لما يجري، أو إلى أين ستتجه الأمور.

وتؤكد أوساط فلسطينية أن ما يجري من تزايد في حدة المقاومة، سواء على شكل عمليات دهس لجنود ومستوطني الاحتلال والتي بدأت في القدس المحتلة، أو عبر عمليات الطعن، ما هو إلا موجة من موجات المقاومة سرعان ما تتبدد وتبهت. ويدافع هؤلاء عن رأيهم مشيرين إلى أنّ قوة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال من جهة، وغياب قيادة سياسية أو ميدانية للعمل المقاوم من جهةٍ ثانية، سرعان ما ستبدد كل جهود المقاومة التي ظهرت على شكل هبّات أو موجات مقاومة شديدة في الآونة الأخيرة.

لكن أوساطاً أخرى ترى أن الانفجار أو الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة، وأنّ ما يقوم به مقاومون بشكل غير منظم، من دهس وطعن وإطلاق نار على قوات الاحتلال، هو عملية تراكمية سرعان ما ستتبلور نحو هبّة شعبية كبيرة، لتفضي إلى انتفاضة ثالثة، قادرة على إفراز قياداتها السياسية والميدانية مع الوقت.

ويبدو الأمر المقلق وغير المتوقع لدى الاحتلال هو امتداد موجات المقاومة، أو الحالات الفردية المقاومة من القدس المحتلة، حيث تبلورت بشدة بعد مقتل الفتى محمد أبوخضير حرقاً على يد المستوطنين في الأول من يوليو/تموز الماضي، لتنتقل إلى الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، ليشكّل هذا القلق كابوساً لحكومة بنيامين نتنياهو. وقد عبّر نتنياهو عن ذلك قبل أيام، باجتماع عاجل لحكومته أقرّت فيه مجموعة من العقوبات المشددة بحق الفلسطينيين. إلا أنها عقوبات لا تعتبر جديدة أو مبتكرة، من دفع غرامات أو هدم منازل المقاومين، لأن الفلسطينيين قد عاشوها وحفظوا تفاصيلها عن ظهر قلب صامد، طيلة عقود الاحتلال الماضية. بل لعل بعضها يثير السخرية، على غرار أن يجتمع قادة الاحتلال، ويقرروا منع استيراد أنواع محددة من الألعاب النارية وتشديد العقوبة على المقدسيين الذين يستخدمونها لتصل إلى السجن المشدد.

وتعتبر نقاط قوة موجات المقاومة الحالية، هي ذاتها نقاط ضعفها، وأولها حتى الآن غياب القيادة السياسية والميدانية، وثانيها غياب العمل التنظيمي لهذه العمليات.

ويرى الخبير الأمني، عبد الإله الأتيري، أنه "لو كانت هذه العمليات منظمة لتمّ اكتشافها والقضاء على التنظيم وقائده بسرعة، مثلما اعتاد الاحتلال أن يفعل". ويشير الأتيري في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن "العمليات الفردية هي دليل على حالة غليان شعبي كبير جداً، سيتبلور إلى انفجار قادم".

وتمتاز العمليات الأخيرة بغياب العمل المنظم، مثل محاولة الشهيد معتز حجازي اغتيال الحاخام المتطرف ايهودا غليك، أو قيام الشهيد إبراهيم العكاري بدهس المستوطنين في القدس، قبل أن تنتقل العمليات إلى الخليل قبل أيام، حين نفذ الأسير المحرر ماهر الهشلمون عملية طعن في مستوطنة جنوب بيت لحم. كما بادر الشاب نور الدين أبوحاشية من مخيم عسكر للاجئين قرب نابلس، إلى طعن جندي وقتله في تل أبيب، لتبدو خارطة المقاومة أكثر عشوائية وتعقيداً من قدرة أي تنسيق أمني أو جهاز استخبارات إسرائيلي على تتبعها.

وهو ما يطرح السؤال الصعب الذي لن يجد له الاحتلال إجابة: كيف يمكن أن نوقف فلسطينياً قرر أن يستشهد بعد أن يقتل إسرائيلياً؟ هذا السؤال سيبقى مفتوحاً من دون إجابة؛ لأن الفلسطيني ببساطة حطم قوة الردع الإسرائيلية التي تقوم على معاقبته بالقتل أو الاعتقال أو هدم البيت، حين بادر للشهادة بعد أن يقتل عدوه.

على سبيل المثال، لم يكن يدور في بال أحد قبل أسابيع، ما يعدّ له نور الدين أبوحاشية (18 عاما) حين كان يشارك في مسيرات نصرة الأقصى بشعر مرتب ومصفف جيداً، وابتسامة عريضة، وسط مدينة نابلس، وهو يحمل يافطة ترجمها في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي بشكل فعلي، إذ كتب على اليافطة "نحن قوم نعشق الموت كما يعشق أعداؤنا الحياة".

لا تعرف عائلة أبوحاشية كيف وصل ابنها المواظب على المشاركة في مسيرات نصرة الأقصى والأسرى، إلى تل أبيب وقام بطعن جندي. كان الشاب أكثر هدوءاً ومرحاً من أن يفكر أحد في مخيم عسكر أنه سيستحوذ على نشرات الأخبار في ذلك المساء.

وتقول والدته لـ"العربي الجديد" "لم يكن ابني منتمياً لأي فصيل فلسطيني، وكان يواظب على المشاركة في كل المسيرات المناصرة للأقصى في نابلس، كان يشعر بالحرقة على ما يجري في الأقصى". وتضيف "لم أعرف أنه ذهب إلى تل أبيب، فهو أصلاً لم يحصل على تصريح للذهاب إلى هناك، وشاهدت ما فعله على الفضائيات مثل بقية الفلسطينيين".

وفور سماع الخبر، سارعت العائلة إلى إفراغ محتويات المنزل المتواضع، والذي يشي كل ما فيه بالفقر، إلى بيوت الأقارب والجيران في المخيم، وجلس الأب الذي يعمل في طلاء المنازل وأبناؤه الثلاثة ينتظرون حكماً مؤكداً باعتقالهم، وهذا ما حصل. كما انتظروا حكماً آخر بهدم المنزل، وهذا ما تم إبلاغ العائلة به فجر 11 نوفمبر/تشرين الثاني.

السيناريو نفسه تكرر مع عائلة ماهر الهشلمون أي ألا شيء غير متوقع؛ فالكل يعيش قصة مقاومة معلنة التكاليف من اعتقال وهدم بيوت واستشهاد.

يبقى أنّ هناك سؤالاً آخر يقلق السلطة الفلسطينية والاحتلال، ويتمحور حول ما إذا كانت الأوضاع ستتدهور أكثر لتولد انتفاضة ثالثة؟ ويجتهد البعض في القول إن الظروف الموضوعية لن تسمح بانتفاضة شعبية على منوال الانتفاضة الأولى 1987، فضلاً عن أن أية انتفاضة مسلحة لن تكون ممكنة في ظل التنسيق الأمني العالي بين أجهزة الأمن الفلسطينية والاحتلال، حيث تحاكم السلطة كل من يملك سلاحاً بسنوات حبس تبدأ من سبع سنوات. ويضاف إلى ذلك الوعود المتكررة للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة في عهده، ما يجعل السؤال التالي ملحاً وهو أي شكل جديد ستحمله الانتفاضة الثالثة إذا اندلعت؟

يرى المحلل السياسي، عبد المجيد سويلم، أنّ "كل مرحلة لها سماتها الخاصة بها، والاستنساخ في هذا الأمر غير ممكن". ويقول في حديث لـ"العربي الجديد": "نشهد حالياً حراكاً فلسطينياً يمتاز بأنواع وأشكال جديدة، وهو في تزايد مستمر يوماً بعد يوم، ومن الممكن أن يتحول إلى حراك عارم، فهو يمهد لحراك جماهيري واسع في المستقبل القريب".

وفي الوقت الذي يحذر فيه الرئيس الفلسطيني من حرب دينية وشيكة بسبب الممارسات الإسرائيلية، فإن التنسيق الأمني في الضفة الغربية لم يطرأ عليه أي تغيير. في المقابل، هناك شراسة في الاعتداءات الإسرائيلية؛ سواء من جيش الاحتلال أو من المستوطنين. لكن القيادة الفلسطينية لم تقم تجاهها بأي فعل لحماية الفلسطينيين العُزل والمرابطين في القدس، الذين يصدون اقتحامات المستوطنين للأقصى بصدورهم العارية، وأحذيتهم كسلاح أول وأخير بين أيديهم.

وسجلت الضفة الغربية في الشهور الثلاثة الأخيرة 12 حادث دهس قام بها مستوطنون ضد فلسطينيين أسفرت عن شهيدين، هما الطفلة إيناس دار خليل وهي عائدة من الروضة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، والشاب محمد عبدالكريم اسليم (23 عاماً) بتاريخ 14 أغسطس/آب، فيما تم تسجيل حادثتي دهس أدتا إلى إصابات خطيرة في القدس، فضلاً عن مئات الاعتداءات وحرق المساجد وقطع الأشجار، لتبدو عمليات الرد من دهس وطعن وإطلاق نار، عمليات رد أقل من متواضعة، مقابل كم الاعتداءات ونوعيتها التي يتعرض لها الفلسطينيون كل يوم.

المساهمون