02 يونيو 2024
الفلسطينيون وقيادتهم.. حان تغيير المسار
يعاني الفلسطينيون غيابَ القيادة الشرعية، والهياكل السياسية الشاملة للكافة، والحكم الديمقراطي الشفاف والفعال، بالإضافة طبعًا إلى الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. وكل هذا يمنع الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة من التصدّي لمستويات القمع والاضطهاد المتعدّدة التي يواجهونها. ومعالجة هذه الحالة البائسة غير ممكن في ظل النظام السياسي الفلسطيني القائم. ولكنه متطلَّب مسبق، إذا ما أردنا للأجيال الفلسطينية المقبلة أن تحظى بفرصة أفضل.
ولإعادة بناء النظام السياسي الحالي، لا بد للشعب الفلسطيني وجيل جديد من القادة أن يفضحوا النخب السياسية الراهنة، الماضية في تقسيم الفلسطينيين، وإضعافهم وتهميشهم. تتجاوز عملية إعادة البناء هذه مسألة حل السلطة الفلسطينية، وثنائية حركتي فتح وحماس، وأطر العمل التي أملتها اتفاقات أوسلو قبل 25 عامًا. بل سوف تتطلب تمثيلًا سياسيًا أوسع، ومقاربةً للتخطيط الوطني أكثر شمولًا للكافة، ومخيلةً تُعين على تجاوز الأفكار العثة، والمنظور الضيق الذي يطغى على الفكر السياسي الراهن للقيادة الفلسطينية الحالية، فهذه القيادة إما غير راغبة وإما غير مهتمة في النظر في تظلمات الناس، لأنها تهدد حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية (وحكم حماس في غزة). وهكذا تستمر القيادة في استبدادها بالسعي إلى إسكات أية أصوات تضع شرعيتها على المحك، أو تتحدّى احتكارها الحكم.
لقد وثَّقت منظمات حقوقية محلية ودولية كثيرة في العقد الماضي استخدام أجهزة الأمن الفلسطينية القوة المفرطة لقمع المحتجين، بالإضافة إلى الاعتقالات المدفوعة سياسيًا، والقيود المفروضة على حرية التعبير والمشاركة والتعبئة السياسية، والمراقبة، والتعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، ردًا على النشاط السياسي في الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أفضى الاستياء والإحباط من الوضع الراهن، وانسداد الأفق المستقبلي، وضنك العيش، إلى مواجهات ومسيرات العودة في قطاع غزة، وأفضت السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، الساعية من دون مواربة إلى تعزيز الوجود اليهودي في القدس الشرقية، إلى وقوع اشتباكات هناك، وأدى القمع الذي تمارسه إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حدٍ سواء إلى تنامي المقاومة في الضفة الغربية. واليوم، يُعبِّر الحراك الجمعي الفلسطيني عن فعل مقاوم للعنف الذي يمارسه المحتل الإسرائيلي، وعن فعل مقاوم للقيادة الفلسطينية كذلك.
يلجأ الجيل الشاب إلى التنظيم والتعبئة كردة فعل على الإحباط. وكما يقول ناشط شاب من غزة: "لقد رأينا ذلك في صيف 2017 في القدس، ونراه الآن في غزة. فحتى لو لم تدم هذه المواجهات... فإن الشعب فقط، وليس القيادة السياسية، هو مَن سيغير ميزان القوى بين سلطة الاحتلال والخاضعين له".
من الواضح أن ثمة مسلكًا جديدًا لقادة المستقبل يمر من النشاط المحلي المنبثق من القاعدة الشعبية الذي يولِّد قادة متصلين بدوائرهم الاجتماعية ومعاناة الشعب اليومية، وليس النخبة المنعزلة القابعة في مكاتبها الفخمة.
ومع ذلك، لا يكفي انتقاد الوضع الراهن، وسبه وندب الحظ السيئ، إذا ما أُريد لجيل قادة فلسطينيين مستقبليين أن يظفر بالتأثير والنفوذ. بل لا بد أن يكونوا مبادرين سبَّاقين، يضعون رؤيةً لمستقبل محدّد، وينفذونها من خلال إجراءات ملموسة يمكن تحقيقها. وكما أن التغيير السياسي يتطلب الاشتغالَ بالسياسة، فإن تغيير قواعد اللعبة السياسية يتطلب المشاركة في اللعبة.
ستكون هذه عمليةً معقدة ومضطربة، غير أن نجم القادة الفلسطينيين المستقبليين سيسطع أكثر لو أنشأوا فصائل سياسية جديدة، وخاضوا الانتخابات ضمن قوائم شبابية، ورسخوا ثقافة المساءلة والمحاسبة، واستحدثوا حكومة ظل شبابية تنخرط في حوارات وطنية حول أولويات الشعب الفلسطيني.
قال غسان كنفاني مرة: "لك شيءٌ في هذا العالم، فقم!" وهذا تحديدًا ما يعكف الفلسطينيون على فعله في غزة ورام الله وحيفا والقدس وغيرها: الوقوف دفاعًا عن العدالة والحرية والكرامة وتقرير المصير كقيم أساسية ومبدئية غير قابلة للتفاوض أو التنازل. فلا بد من محاسبة القوى التي تحارب هذه القيم، بما فيها هيئات الحكم الفلسطينية، حتى تحترم هذه الحقوق الأساسية. وحينها فقط يمكننا الحديث عن مستقبل فلسطيني مزدهر.
لقد وثَّقت منظمات حقوقية محلية ودولية كثيرة في العقد الماضي استخدام أجهزة الأمن الفلسطينية القوة المفرطة لقمع المحتجين، بالإضافة إلى الاعتقالات المدفوعة سياسيًا، والقيود المفروضة على حرية التعبير والمشاركة والتعبئة السياسية، والمراقبة، والتعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، ردًا على النشاط السياسي في الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أفضى الاستياء والإحباط من الوضع الراهن، وانسداد الأفق المستقبلي، وضنك العيش، إلى مواجهات ومسيرات العودة في قطاع غزة، وأفضت السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، الساعية من دون مواربة إلى تعزيز الوجود اليهودي في القدس الشرقية، إلى وقوع اشتباكات هناك، وأدى القمع الذي تمارسه إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حدٍ سواء إلى تنامي المقاومة في الضفة الغربية. واليوم، يُعبِّر الحراك الجمعي الفلسطيني عن فعل مقاوم للعنف الذي يمارسه المحتل الإسرائيلي، وعن فعل مقاوم للقيادة الفلسطينية كذلك.
يلجأ الجيل الشاب إلى التنظيم والتعبئة كردة فعل على الإحباط. وكما يقول ناشط شاب من غزة: "لقد رأينا ذلك في صيف 2017 في القدس، ونراه الآن في غزة. فحتى لو لم تدم هذه المواجهات... فإن الشعب فقط، وليس القيادة السياسية، هو مَن سيغير ميزان القوى بين سلطة الاحتلال والخاضعين له".
من الواضح أن ثمة مسلكًا جديدًا لقادة المستقبل يمر من النشاط المحلي المنبثق من القاعدة الشعبية الذي يولِّد قادة متصلين بدوائرهم الاجتماعية ومعاناة الشعب اليومية، وليس النخبة المنعزلة القابعة في مكاتبها الفخمة.
ومع ذلك، لا يكفي انتقاد الوضع الراهن، وسبه وندب الحظ السيئ، إذا ما أُريد لجيل قادة فلسطينيين مستقبليين أن يظفر بالتأثير والنفوذ. بل لا بد أن يكونوا مبادرين سبَّاقين، يضعون رؤيةً لمستقبل محدّد، وينفذونها من خلال إجراءات ملموسة يمكن تحقيقها. وكما أن التغيير السياسي يتطلب الاشتغالَ بالسياسة، فإن تغيير قواعد اللعبة السياسية يتطلب المشاركة في اللعبة.
ستكون هذه عمليةً معقدة ومضطربة، غير أن نجم القادة الفلسطينيين المستقبليين سيسطع أكثر لو أنشأوا فصائل سياسية جديدة، وخاضوا الانتخابات ضمن قوائم شبابية، ورسخوا ثقافة المساءلة والمحاسبة، واستحدثوا حكومة ظل شبابية تنخرط في حوارات وطنية حول أولويات الشعب الفلسطيني.
قال غسان كنفاني مرة: "لك شيءٌ في هذا العالم، فقم!" وهذا تحديدًا ما يعكف الفلسطينيون على فعله في غزة ورام الله وحيفا والقدس وغيرها: الوقوف دفاعًا عن العدالة والحرية والكرامة وتقرير المصير كقيم أساسية ومبدئية غير قابلة للتفاوض أو التنازل. فلا بد من محاسبة القوى التي تحارب هذه القيم، بما فيها هيئات الحكم الفلسطينية، حتى تحترم هذه الحقوق الأساسية. وحينها فقط يمكننا الحديث عن مستقبل فلسطيني مزدهر.