03 يوليو 2019
الفلسطينيون والهوى المصري القتَّال
"فتح" في الخمسين من عمرها. هي، إذن، لم تبلغ عجز الشيخوخة بعد، كما أنها، لو جاز القياس على أعمار البشر، لم تغادر عنفوان الشباب تماماً. لكن معايير العمل السياسي الحزبي تكاد تحسم تصنيفها، الآن، باعتبارها منظمة تعاني من أعراض فصام بائن، بين هويتها الأولى حركة ثورية، انطلقت أساساً تحت شعارات تحرير فلسطين، كاملة، وصيرورتها الراهنة، حزباً حاكماً، لسلطة معدومة السيادة، على جزء صغير من فلسطين، ومكبّلة بشروط عملية سلام، مع إسرائيل، هي إلى الاستسلام أقرب.
لا ينتقص هذا التشخيص الأوليّ، بالطبع، من أهمية استمرار تمسك المئات، وربما الألوف، من أبناء "فتح"، بالنضال الوطني التحرري، قدر ما يحاول رسم صورة الواقع الذي آلت إليه كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعمودها الفقري، بعد مرور نصف قرن، على إطلاقها الرصاصة الأولى ضد المحتلين الإسرائيليين.
لقد وُلدت حركة "فتح" ونمت، وقادت العمل الثوري، وكذا السياسي الفلسطيني، على مدى العقود الخمسة الماضية، من دون أن تنتهج أيديولوجية محددة كتلك التي للأحزاب السياسية في العصر الحديث، ما أكسبها خصوصية نادرة، جعلت الفلسطينيين يرون فيها شبه جبهة وطنية، تتسع لمختلف ألوان الطيف، في الوقت الذي كانت فيه السياسة الوسطية المرنة والبراغماتية، لزعيمها الراحل ياسر عرفات، تقودها إلى التماهي مع النظام الرسمي العربي الذي طالما تزعمته مصر، إبّان الحروب الخاسرة مع إسرائيل، كما في زمن السلام الخاسر أيضاً.
"أنا مصري الهوى"، كان يحلو لعرفات أن يقول ويكرر، من دون أن يتيقن أحد، ما إذا كان موقفه يقوم على اعتبارات ميله الإنساني إلى بلاد عاش فيها طفولته، وشبّ، وتعلّم، قبل أن يغدو زعيماً وطنياً، أو لأنه يعتقد فعلاً بأهمية الانضواء تحت جناح الدولة العربية ذات الموقع الجيوسياسي الأهم، من أجل تحقيق الأهداف التي كرس حياته لها، ومات دونها. لكن، هذه الرؤية لمصر ومكانتها ودورها، لم تقتصر على عرفات وحده، بل صارت، منذ زمن طويل، أشبه ببديهية، يرددها المصريون والفلسطينيون، والعرب عموماً، من دون أن يلتفتوا إلى ما ينقضها، وهو، بالمناسبة، كثير، ويكاد يتلخص في القول إن تاريخ علاقة مصر، دولة وأنظمة حكم، مع القضية الفلسطينية، ليس إلا تاريخاً من الكوارث، التي بدأت، في أواخر عهد الملك فاروق، بمسؤولية الجيش المصري، والجيوش السورية والأردنية والعراقية، عن ضياع أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين عام 1948، ومرت في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بهزيمة حزيران/ يونيو 1967، واحتلال إسرائيل ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ومعها صحراء سيناء وهضبة الجولان، ثم بلغت في عهد الرئيس الراحل، أنور السادات، حد الخروج من الصراع، بإبرام اتفاقيات كامب ديفيد، ولم تنته، بما شهده عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، من مساع وجهود وضغوط، على عرفات خصوصاً، لتعميم الاستسلام وتعريبه أمام الدولة اليهودية، فضلاً عن تواطؤ مكشوف مع الحروب على لبنان وقطاع غزة والعراق، استمر طوال سنوات حكمه، واستؤنف، وما زال، في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
عن أي دور إقليمي، والحال هذه، يتحدث الفلسطينيون والعرب، حين يتحدثون عن مصر؟
اليوم، وفي ذكرى ولادة الثورة الفلسطينية، ترى حركة فتح نظام السيسي يتلاعب بوحدتها الداخلية، فلا تجرؤ على أن تقول له سوى "ما أحلى الكحل في عينك"، وعلى خطاها تسير حركة "حماس"، إذ يصنفها قضاة مصر منظمة إرهابية، فلا تردّ، سوى بمنطق الرجاء الأخوي، نزولاً عند ما صار يسمى "ديكتاتورية الجغرافيا"، في إشارة إلى معبر رفح. وذاك في ظني خطأ مميت، لأن فلسطين المحتلة والجريحة والمحاصرة هي بوابة الدور الإقليمي، إذا أغلق المصريون والعرب معابرها إليهم، تستطيع أن تغلق معابرهم إليها.
لا ينتقص هذا التشخيص الأوليّ، بالطبع، من أهمية استمرار تمسك المئات، وربما الألوف، من أبناء "فتح"، بالنضال الوطني التحرري، قدر ما يحاول رسم صورة الواقع الذي آلت إليه كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعمودها الفقري، بعد مرور نصف قرن، على إطلاقها الرصاصة الأولى ضد المحتلين الإسرائيليين.
لقد وُلدت حركة "فتح" ونمت، وقادت العمل الثوري، وكذا السياسي الفلسطيني، على مدى العقود الخمسة الماضية، من دون أن تنتهج أيديولوجية محددة كتلك التي للأحزاب السياسية في العصر الحديث، ما أكسبها خصوصية نادرة، جعلت الفلسطينيين يرون فيها شبه جبهة وطنية، تتسع لمختلف ألوان الطيف، في الوقت الذي كانت فيه السياسة الوسطية المرنة والبراغماتية، لزعيمها الراحل ياسر عرفات، تقودها إلى التماهي مع النظام الرسمي العربي الذي طالما تزعمته مصر، إبّان الحروب الخاسرة مع إسرائيل، كما في زمن السلام الخاسر أيضاً.
"أنا مصري الهوى"، كان يحلو لعرفات أن يقول ويكرر، من دون أن يتيقن أحد، ما إذا كان موقفه يقوم على اعتبارات ميله الإنساني إلى بلاد عاش فيها طفولته، وشبّ، وتعلّم، قبل أن يغدو زعيماً وطنياً، أو لأنه يعتقد فعلاً بأهمية الانضواء تحت جناح الدولة العربية ذات الموقع الجيوسياسي الأهم، من أجل تحقيق الأهداف التي كرس حياته لها، ومات دونها. لكن، هذه الرؤية لمصر ومكانتها ودورها، لم تقتصر على عرفات وحده، بل صارت، منذ زمن طويل، أشبه ببديهية، يرددها المصريون والفلسطينيون، والعرب عموماً، من دون أن يلتفتوا إلى ما ينقضها، وهو، بالمناسبة، كثير، ويكاد يتلخص في القول إن تاريخ علاقة مصر، دولة وأنظمة حكم، مع القضية الفلسطينية، ليس إلا تاريخاً من الكوارث، التي بدأت، في أواخر عهد الملك فاروق، بمسؤولية الجيش المصري، والجيوش السورية والأردنية والعراقية، عن ضياع أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين عام 1948، ومرت في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بهزيمة حزيران/ يونيو 1967، واحتلال إسرائيل ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ومعها صحراء سيناء وهضبة الجولان، ثم بلغت في عهد الرئيس الراحل، أنور السادات، حد الخروج من الصراع، بإبرام اتفاقيات كامب ديفيد، ولم تنته، بما شهده عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، من مساع وجهود وضغوط، على عرفات خصوصاً، لتعميم الاستسلام وتعريبه أمام الدولة اليهودية، فضلاً عن تواطؤ مكشوف مع الحروب على لبنان وقطاع غزة والعراق، استمر طوال سنوات حكمه، واستؤنف، وما زال، في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
عن أي دور إقليمي، والحال هذه، يتحدث الفلسطينيون والعرب، حين يتحدثون عن مصر؟
اليوم، وفي ذكرى ولادة الثورة الفلسطينية، ترى حركة فتح نظام السيسي يتلاعب بوحدتها الداخلية، فلا تجرؤ على أن تقول له سوى "ما أحلى الكحل في عينك"، وعلى خطاها تسير حركة "حماس"، إذ يصنفها قضاة مصر منظمة إرهابية، فلا تردّ، سوى بمنطق الرجاء الأخوي، نزولاً عند ما صار يسمى "ديكتاتورية الجغرافيا"، في إشارة إلى معبر رفح. وذاك في ظني خطأ مميت، لأن فلسطين المحتلة والجريحة والمحاصرة هي بوابة الدور الإقليمي، إذا أغلق المصريون والعرب معابرها إليهم، تستطيع أن تغلق معابرهم إليها.