قال مستوردون للقمح في الأراضي الفلسطينية، إن إجمالي كميات القمح التي تغذي الفلسطينيين، لا يتجاوز 41 ألف طن، وهي حصة لا تكفي لسد حاجة المستهلكين لأكثر من شهر، وهو معدل خطر جداً وفق المعايير الدولية المتعلقة بتخزين السلع الاستراتيجية لا سيما الغذاء، والتي تذهب إلى أن الاحتياطي الذي يقل عن ثلاثة إلى أربعة أشهر يكون في حدود خطرة للغاية.
وتتوزع مستودعات القمح في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، بينما توجد مخازن إضافية يجري استئجارها في مناطق الاحتلال الإسرائيلي، "لكن كل هذه المخازن لا تتسع إلا لمخزون لا يتجاوز حجمه استهلاك شهر بحد أقصى"، وفق المستوردين.
تقصير حكومي
وقال مدير السياسات الإحصائية في وزارة الاقتصاد الوطني بحكومة التوافق الفلسطينية، عزمي عبد الرحمن، إن فلسطين لا تمتلك صوامع لتخزين القمح في الوقت الحالي، "ما نملكه فقط موجود داخل مستودعات المستوردين من القطاع الخاص".
وأضاف عبد الرحمن، بعد أن أبدى استغرابه من سؤال "العربي الجديد" حول إمكانية وجود احتياطي استراتيجي للقمح في الأراضي الفلسطينية، "للأسف الحكومة لا تملك أية كميات من مخزون القمح يتم استخدامها خلال الفترة المقبلة في حال وجود أي طارئ يستدعي ذلك".
وتابع: "كل الاحتياطي من القمح يكفي عدة أسابيع فقط، وهو مملوك للقطاع الخاص الذي يستورد هذا المحصول من الاحتلال الإسرائيلي أو عبره، دون ذلك فإن كميات لا تذكر بين يدي مزارعين فلسطينيين يزرعونه على نطاق عائلي ضيّق".
"وللأسف لا توجد حتى اللحظة أية خطوات عملية لدى الحكومة، لإنشاء صوامع للقمح، خلال الفترة المقبلة، وذلك لوجود أولويات ترى الحكومة أنها أكثر أهمية من توفير مخزون استراتيجي، وكل ما تم الحديث عنه، كان على مستوى الوطني العربي، خلال الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية، بتوفير احتياطي استراتيجي من القمح لتعزيز الأمن الغذائي العربي"، بحسب مدير السياسات الإحصائية في وزارة الاقتصاد.
يذكر أن البنك الإسلامي للتنمية بجدة أبدى استعداده لتمويل بناء صوامع في الأراضي الفلسطينية، العام الماضي، وطالب بشراكة حكومية من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، إلا أن ذلك لم يتم، بحسب عبد الرحمن.
إنتاج شحيح
يبدأ المزارعون الفلسطينيون في مثل هذا الوقت من السنة، بزراعة أراضيهم بمحصول القمح، بهدف تحقيق اكتفاء ذاتي لعائلاتهم، للمنتج الذي يعد أولوية بالنسبة لهم أكثر من زيت الزيتون.
في المقابل، تواصل شركات القطاع الخاص الفلسطيني، استيرادها المتزايد لمحصول القمح، في ظل عدم كفاية المنتج المحلي الشحيح أصلاً، لحاجة المستهلك الفلسطيني.
وتبلغ حاجة الفلسطينيين السنوية من القمح نحو 500 ألف طن، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما لا ينتج الفلسطينيون إلا قرابة 45 ألف طن سنوياً، بحد أقصى، بحسب حديث لرئيس بلدية طوباس، مجدي عودة، المدينة التي تشتهر بأراضي زراعية واسعة.
وأضاف عودة، خلال اتصال هاتفي مع مراسل "العربي الجديد"، أنه في حال تمت زراعة كافة الأراضي الصالحة للزراعة في الأراضي الفلسطينية، فإنها لن تغطي أكثر من 40% من الحاجة السنوية من هذا المحصول، لأسباب مرتبطة بتراجع هطول الأمطار، الأمر الذي أدى إلى تقليل الإنتاجية.
وقال إنه في العام الجاري، تم استقدام أنواع جديدة من بذور القمح، الملائمة للطبيعة الفلسطينية، وبالفعل كان هنالك ارتفاع في الإنتاج، ونتوقع العام الحالي أن ننتج كميات أكبر بنحو 15% عن إنتاج العام الماضي.
ويسيطر الاحتلال الإسرائيلي على نحو 61% من المناطق في الضفة الغربية، وهي مناطق في غالبها زراعية وخصبة، وأقامت فيها مزارع لشتى أصناف الخضار والفواكه والحبوب بما فيها القمح، إلا أنه لا تتوفر معلومات دقيقة حول إنتاج الاحتلال السنوي من القمح.
ورقة ضغط
ويستورد الفلسطينيون حاجتهم كاملة من محصول القمح من الاحتلال الإسرائيلي، أو عبر وكلاء استيراد إسرائيليين، أي أنه لا يوجد أي بديل آخر للاستيراد، بسبب عدم سيطرة الفلسطينيين على المعابر الدولية مع العالم.
واعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، صلاح هنية، أن واردات القمح تعدّ ورقة في غاية الأهمية في يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيضغط بها في أية لحظة للحصول على تنازلات سياسية، خلال الفترة المقبلة.
وأضاف، "للأسف، هنالك اعتماد متزايد سنوياً على القمح الآتي من إسرائيل أو عبرها، تزامناً مع تراجع في زراعة القمح، في الأراضي الزراعية الفلسطينية، حيث لا يجد المزارعون في زراعة هذا المحصول الربح المنطقي لجهدهم السنوي".
واتهم هنية الحكومة والقطاع الخاص بزيادة التبعية للاحتلال الإسرائيلي في هذا المنتج، إلى جانب سلع ومحاصيل وخدمات أخرى، مشيراً إلى أن مطالبات من مؤسسات شعبية واستهلاكية، منذ 15 عاماً، تدعو فيها الحكومة ببناء صوامع.
ومضى قائلاً، "الاحتلال الإسرائيلي يضغط بكل ما أوتي من أوراق للضغط على الفلسطينيين للحصول على تنازلات، وبرأيي، إنّ حجب استيراد القمح عن الفلسطينيين، سيكون له تبعات أشد قسوة من حجب أموال المقاصة الشهرية البالغة 175 مليون دولار".
ويعد القمح واحداً من أكثر منتجين استراتيجيين، يحتاج إليهما الفلسطينيون، لكن تسيطر عليهما إسرائيل، فإلى جانب محصول القمح، الوقود بمشتقاته كافة، يعد سلعة أخرى، تعتبر إسرائيل المُصدر الوحيد لها إلى الفلسطينيين منذ عقود.
ويبلغ سعر كيلو الخبر في الأراضي الفلسطينية، نحو 4 شواكل (1.1 دولار)، وسط توقعات لأصحاب مخابز بارتفاعه بنسبة 15% خلال الفترة القريبة المقبلة، خاصة مع ارتفاع قيمة الدولار مقابل الشيكل، الذي وصل إلى نحو 3.97 شيكل / دولار، بينما كان يبلغ قبل 5 شهور 3.4 شيكل / دولار.