تعود التفجيرات في مناطق الشمال السوري، تحديداً تلك الخاضعة للنفوذ التركي شمالي حلب وشرق الفرات، لتحصد أرواح المدنيين، وسط انفلات أمني، وعدم قدرة الجهات الأمنية المختصة على ضبط الوضع الأمني المتردي منذ سيطرة فصائل المعارضة المتمثلة في "الجيش الوطني" وتركيا على مساحات واسعة، بعد دحر تنظيمي "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) عنها خلال فترات متفرقة، بدأت قبل أربعة أعوام. وأمس الأول الأحد، ضرب انفجاران كلا من مدينة عفرين وبلدة سجو شمالي حلب، ما أوقع العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، في مناطق خاضعة لسيطرة "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا. وأفاد مصدر من الدفاع المدني السوري، في هذا السياق، لـ"العربي الجديد"، بأن حصيلة الانفجارين بلغت تسعة قتلى و74 جريحاً على الأقل، في حين ما تزال حصيلة القتلى مرشحة للزيادة بسبب وجود مصابين بجروح خطرة.
سقط نحو 9 قتلى و74 جريحاً في التفجيرين
وكان الانفجار الأول وقع في شارع المتحلق بمدينة عفرين، حيث انفجرت عبوة ناسفة بسيارة، ما أدى إلى مقتل طفل، وإصابة 12 مدنياً بجروح، بينهم 5 أطفال. وذكر المصدر أن التفجير الثاني وقع في قرية سجو بناحية اعزاز القريبة من معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، ناتج عن سيارة مفخخة كانت مركونة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى المعبر الحدودي، وأدى إلى مقتل ثمانية مدنيين وإصابة 62 مدنياً.
وجاء التفجير الأخير بعيد أيام من إعلان إدارة المعبر التابعة للحكومة السورية المؤقتة إعادة افتتاح المعبر أمام اللاجئين السوريين الراغبين في العودة إلى تركيا، وكان هؤلاء قد دخلوا إلى سورية بهدف قضاء إجازة عيد الفطر (في الأسبوع الثالث من شهر مايو/أيار الماضي) هناك، ولم يعودوا بسبب إغلاق المعبر نتيجة إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا. وعقب التفجيرين، قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، إن "الإرهابيين لم يرتووا بعدُ من دماء الأبرياء، وها هم يستهدفون قرية سجو الوادعة التي تحتضن الكثير من أبناء شعبنا المهجّرين عنوة من ديارهم". وتوعد مصطفى، في تصريح إعلامي، بـ"المضي قُدُماً حتى نجتثّ هذا الوباء كلّياً"، بالإشارة إلى من يقفون وراء هذه التفجيرات.
وتشهد مناطق سيطرة المعارضة السورية، ولا سيما شمالي حلب، حوادث متكررة، وبشكل شبه يومي، يترافق مع عجز السلطات المحلية عن معالجة هذه الخروقات الأمنية، وتشير المعارضة بأصابع الاتهام إلى مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تشكل النواة الرئيسية لـ "قسد". ومنذ سيطرة "الجيش الوطني" على هذه المناطق، تشكلت أجهزة أمنية عدة، منها الشرطة العسكرية، و"قوات الشرطة المدنية والأمن العام الوطني"، بالإضافة إلى وجود قوات "الجيش الوطني"، إلا أن جميعها لم تستطع ضبط حالة الانفلات الأمني وتفشي التفجيرات، بالإضافة إلى حوادث الاغتيال والخطف والقتل والسرقات.
وامتنعت "مديرية اعزاز للشرطة والأمن الوطني العام" عن التعليق لـ العربي الجديد" على أسباب تفاقم الوضع الأمني، كذلك امتنع مسؤولون أمنيون في "قسد" عن الرد على الاتهامات بالوقوف وراء التفجيرات. إلا أن الناشط الإعلامي حسان علي، الذي يمارس نشاطه بالريف الشمالي من حلب، أشار إلى أن أسباب الانفلات الأمني الكبير في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" سببه "عدم وجود حواجز أمنية كافية بين المدن والقرى الرئيسية وعلى مداخلها، وحتى لو وجدت هذه الحواجز فإن التدقيق الأمني عليها يكون ضعيفاً". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "مثلاً مدينة اعزاز لها أكثر من مدخل، ولا يوجد عليها حواجز كافية، بالإضافة إلى حالة كبيرة من التسيب للعناصر على الحواجز، فإذا أردت العبور أو الدخول إلى المدينة، قد لا تجد أحداً يفتشك أو يسألك إلى أين أنت ذاهب".
وحمّل مسؤولية الانفلات الأمني لقيادة "الجيش الوطني" والمسؤولين في قوات الشرطة والأمن العام، بعد تزايد حالات التفجير والاغتيالات في المنطقة. وعزا ذلك في المقام الأول "لعدم قدرتهم على ضبط مسألة التهريب بين المنطقة، ومناطق سيطرة قسد"، مشيراً إلى أن "بالإمكان إدخال أي شيء إلى مناطقنا مقابل المال والرشاوى، والخاسر الأكبر هم المدنيون والمهجرون في المنطقة والمخيمات حولها". كما وضع مسؤولية كبيرة على القضاء في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، بسبب "التراخي في محاسبة المجرمين الذين يقفون وراء مثل هذه العمليات، من خلال عدم معاقبتهم بالقصاص العادل لكي يرتدع غيرهم".
لم تتمكن كل الأجهزة الأمنية التي شكّلها الجيش الوطني من ضبط الأمن
وسيطر "الجيش الوطني" على مناطق واسعة شمالي حلب وشرق الفرات، ضمن عمليات عسكرية متفرقة بإسناد من الجيش التركي، بدأت بعملية "درع الفرات" منتصف عام 2016، التي طُرد من خلالها تنظيم "داعش" من كل من مدينتي الباب وجرابلس ومحيطهما وضمهما إلى مدينة اعزاز وريفها، وباتت تعرف بمنطقة "درع الفرات". ثم أطلق الجيش التركي عملية "غصن الزيتون" للسيطرة على مدينة عفرين ومحيطها بداية عام 2018 بهدف طرد "قسد" منها، وأيضاً باتت تعرف بمنطقة "غصن الزيتون"، وأخيراً شن الجيش التركي عملية عسكرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالاشتراك مع "الجيش الوطني"، وسيطرا على مساحة ممتدة بين مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة، بعد دحر قوات "قسد" عنها.
وكل هذه المناطق تحتوي على الآلاف من المدنيين، سواء من سكانها أو المهجرين إليها قسراً من محافظات سورية مختلفة، وباتوا يعانون من حوادث الاغتيالات والتصفية والتفجيرات، التي تحصد أرواحهم بشكل يومي، وكان أكثرها دموية التفجير الذي ضرب وسط مدينة عفرين في إبريل/نيسان الماضي، وأودى بحياة أكثر من 40 مدنياً، في حين أن أصابع الاتهام لا تزال توجه نحو القوات الكردية، بسبب استنكارها لما تعتبره عمليات تغيير ديمغرافي بتوطين سوريين عرب مكان الأكراد من سكان المنطقة.