ظهرت دعوات من جديد في المشهد السياسي بالمغرب تطالب بتعديل الفصل 47 من الدستور، الذي بموجبه يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية، في الوقت الذي أبدت فيه أحزاب سياسية رفضها لمثل هذه المطالب.
وكان لافتاً اختلاف المواقف حيال هذا الموضوع بين أحزاب الحكومة نفسها، ففي الوقت الذي شدد فيه حزب العدالة والتنمية (القائد للحكومة) رفضه لمطلب التعديل إلى جانب التقدم والاشتراكية (المشارك في الحكومة)، أبدى حزبا الأحرار والاتحاد الاشتراكي (الحكوميان) رغبتهما في أن يتحقق مطلب تعديل هذا الفصل الدستوري.
ودعت أحزاب المعارضة، الاستقلال والأصالة والمعاصرة، إلى ضرورة إجراء تعديل دستوري للفصل 47 تحديداً، باعتبار أنه وراء "السباق الانتخابي المحموم" و"السابق لأوانه" بين بعض مكونات الحكومة، خصوصا العدالة والتنمية والأحرار، وهو ما يتسبب في تضييع مصالح المواطنين، بحسب هذه الهيئات السياسية.
الأحزاب التي تطالب بتعديل الفصل الدستوري المذكور تستند إلى مسألة أنه للملك الحق في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني في حال فشل الحزب المتصدر في تشكيل الحكومة، أو في حال ثبت عجز الحكومة عن إيجاد حلول للمشاكل المستعصية، بينما يرى الفريق الثاني أن المطلب "غير نبيل"، على حد وصف زعيم حزب التقدم والاشتراكية محمد بنعبد الله، وبأنه يروم فقط التصدي لحزب العدالة والتنمية تحديدا.
ويرى في هذا السياق الدكتور عثمان زياني أستاذ القانون الدستوري أن الأحزاب التي تدعو إلى تعديل الفصل الدستوري 47، أو الأحزاب التي تدعو إلى الإبقاء عليه وفق صياغته الحالية، "كلها تنهل من منطلقات سياسية حزبية ضيقة، وتنظر إلى هذا الفصل من منظور براغماتي غارق في المصلحية".
ويشرح زياني، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الأحزاب التي تدعو إلى التعديل "ترنو إلى خدمة أجندتها السياسية ما بعد الانتخابات والسعي وراء التموقع في التحالف الحكومي مهما كان حجمها الانتخابي، مع محاولات قطع الطريق أمام حزب العدالة والتنمية".
ويلفت المحلل إلى أن العدالة والتنمية "يتشبث بالفصل كما هو، لأنه ينسجم مع يقينه بأنه سيتصدر الانتخابات المقبلة، وعليه أي مطالبة بتعديل هذا الفصل هي عبارة عن نزوع يستهدفه كحزب بدرجة أولى"، مبرزا أنه "بين الدعوتين يضيع دائماً منطق "الحقيقة الدستورية".
وذهب الخبير الدستوري ذاته إلى أن "الإشكال الحقيقي مرتبط بضرورة نضج الفاعل السياسي والحزبي بدرجة أولى، وهو القادر على تأهيل هذا الفصل حتى إن بقي على صياغته الحالية"، مبينا أن "الحقل الدستوري بحاجة إلى تكريس نوع من "الآداب الدستورية" التي تعطي القيمة للنص الدستوري بعيداً عن منطق المناورات والمكائد السياسية الخاضعة للتعليمات والأوامر".
واسترسل زياني: "حتى إن اقتضى الحال تم الانتصار لمطلب التعديل من خلال إجراء بعض التوضيبات وتقويم بعض الاعوجاجات التي تمنع حدوث "الانسداد" كما حصل مع عبد الإله بنكيران سابقاً، فإن الأمر يستوجب ضمان التنافسية الحزبية في الحقل الانتخابي".
واعتبر المتحدث أن مسألة منح رئاسة الحكومة للحزب المتصدر للانتخابات "جد منطقية متى كان منطلق الفعل السياسي للأحزاب هو خدمة المصلحة العامة"، لافتاً إلى "الكثير من التجارب الدستورية المقارنة التي قدمت صيغاً دستورية جد متأخرة في هذا المجال عن صيغة الفصل 47 من الدستور المغربي، حيث تشكل الممارسة السياسية والتحالفات الحزبية عوامل محفزة تيسر عمليات تشكيل الحكومات والتحالفات".