وكان من المقرر أن يعلن الجانبان التركي والروسي، أمس الاثنين، منطقة منزوعة السلاح الثقيل ضمن شريط يراوح ما بين 15 و20 كيلومتراً ويمتد في أربع محافظات سورية، هي: اللاذقية وإدلب، وحماة، وحلب. إلا أن مصادر مطلعة أكدت أن الجانب الروسي طلب التريث في الإعلان بسبب تأخر إجراءات على الأرض كان من المفترض أن تقوم بها قوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تساندها لتهيئة المنطقة العازلة.
من جهتها، أكدت المعارضة السورية المسلحة أنها أنجزت المرحلة الأولى من الاتفاق والتي تقضي بسحب السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح التي نص عليها الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوتشي، في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي. ونص الاتفاق على إنشاء منطقة آمنة ستكون ما بين 15 و20 كيلومتراً، على الحدود الفاصلة بين إدلب ومناطق النظام السوري، وستكون خالية من السلاح الثقيل، مع بقاء المعارضة فيها واحتفاظها بالسلاح الخفيف، وطرد المتطرفين من المنطقة، فضلاً عن فتح الطريقين الدوليين حلب - حماة، وحلب - اللاذقية، قبل نهاية العام الحالي.
كذلك نصّ الاتفاق على أن تُنشأ المنطقة العازلة بحلول 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بعد تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق وهي "انسحاب التنظيمات الإرهابية من المنطقة منزوعة السلاح"، بعدما تمّ إخراج الأسلحة الثقيلة منها، على أن تتخذ روسيا تدابير لمنع قوات النظام السوري من شنّ هجوم على إدلب.
وكانت مصادر في المعارضة قد أكدت أن تنظيمات متطرفة، أبرزها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، قامت بسحب السلاح الثقيل وسحب العناصر لكن دون إعلان، إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان زعم أن "المجموعات "الجهادية" لم تنسحب من المنطقة منزوعة السلاح. كما أشار إلى أن الدوريات التركية والروسية في المنطقة العازلة لم تبدأ بعد، فيما كانت مصادر مطلعة قد أكدت أن الجنود الأتراك سيدخلون بسلاحهم الثقيل وعتادهم العسكري الكامل للتصدّي لأي هجوم من جانب قوات نظام الأسد ومليشيات محلية وطائفية مدعومة من إيران تساندها.
وفي أول تعليق رسمي لها على اتفاق سوتشي، أبدت "هيئة تحرير الشام"، الأحد، "تقديرها" لـ"جهود كل من يسعى في الداخل والخارج إلى حماية المنطقة المحررة، ويمنع اجتياحها وارتكاب المجازر فيها". وحذرت في الوقت ذاته من "مراوغة المحتل الروسي أو الثقة بنياته، ومحاولاته الحثيثة الإضعاف من صف الثورة، وهضم مكتسباتها وتحجيم دورها الحقيقي سياسياً وعسكرياً". وأوضحت "الهيئة" في بيانها، أنها آثرت تأجيل إبداء موقفها من اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا المتعلق بإدلب، لـ"حين التشاور والتواصل مع باقي المكونات الثورية في الشمال المحرر"، مؤكدة سعيها لـ"توفير الأمن والسلامة للمدنيين بكل ما تستطيع من وسائل مشروعة تتيحها السياسة الشرعية المتوازنة وضوابطها، دون إيقاع المدنيين في فخ المؤامرات، من خلال جرّهم إلى أمان موهوم ودعاوى واهية، أثبت الواقع زيفها أكثر من مرة".
وبحسب البيان، فإن "الهيئة" لن تحيد "عن خيار الجهاد والقتال سبيلاً لتحقيق أهداف الثورة، وعلى رأسها إسقاط النظام المجرم، وفك قيد الأسرى، وتأمين عودة المهجرين إلى بلدهم آمنين سالمين"، مشيراً إلى أن السلاح "هو صمام أمان الثورة... لن تتخلى عنه أو تسلمه".
ومن الواضح أن الهيئة، عبر بيانها الضبابي، حاولت تمييع موقفها الحقيقي من الاتفاق، إذ أرضت الجانب التركي بسحب سلاحها الثقيل وعناصرها وإن بدون إعلان لتفادي عملية عسكرية ضدها، كما أرضت التيار المتشدد الذي يرفض الاتفاق ويعتبره مدخلاً واسعاً للقضاء على الهيئة على مراحل من خلال تجنب إعلان موقف صريح بتأييد الاتفاق.
وفي السياق، كتب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، على حسابه في تويتر، أن "الهيئة"، في بيانها، تؤكد "مسؤوليتها ومرونتها (ضمن حدود)، في ما يبدو بمثابة قبول ضمني لاتفاق سوتشي، رغم رفضها التخلي عن الجهاد والقتال". وبحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس"، قال عبد الرحمن إن "عدم انسحاب الجهاديين قد يعطي ذريعة لقوات النظام وروسيا بتنفيذ عملية عسكرية أقله ضمن المنطقة المنزوعة السلاح". واعتبر أن "هيئة تحرير الشام" في بيانها، "حاولت خلط الأوراق وكسب الوقت مع عدم إبدائها رفضاً قاطعاً أو قبولاً قاطعاً بالاتفاق".
واعتبر الباحث نوار أوليفر، من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومقره تركيا، أنه في حال قررت الهيئة تعطيل الاتفاق "فسنكون أمام خيار من اثنين، إما أن تشن تركيا والجبهة الوطنية للتحرير هجوماً عسكرياً ضدها، وإما أن تغتنم روسيا الفرصة لدخول إدلب بمؤازرة قوات النظام وحلفائها".
وتعتبر هيئة تحرير الشام أكبر الفصائل المتطرفة في شمال غربي سورية، وتسيطر على مدن وبلدات هامة في محافظة إدلب، كما أنها تضم آلاف المقاتلين المدربين، فضلاً عن امتلاكها سلاحاً ثقيلاً، مكّنها من الصمود في عمليات احتراب داخلي خاضتها أكثر من مرة مع فصائل المعارضة السورية.
من جهته، أكد وفد قوى الثورة السورية العسكري، أمس الاثنين، في بيان، أن الاتفاق التركي الروسي في إدلب "يسير وفق ما تم ترسيخه"، مشيراً إلى أن المنطقة "آمنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى". واعتبر أن ما يروجه النظام عن نيته استعادة إدلب "ادعاءات سخيفة"، مؤكداً عدم قدرة النظام على تجاوز الاتفاق.
وجاء في البيان أن اتفاق "سوتشي" حسم "بما لا يدع مجالاً للشك، أية احتمالات لعودة المنطقة إلى حضن النظام قبل تحقيق الحل السياسي الشامل والذي بموجبه يتم القضاء على نظام الاستبداد، ونقل سورية إلى نظام ديمقراطي عادل، ودولة مدنية تلتزم بالقانون يعيش المواطن السوري في كنفها بحرية وكرامة بعيداً عن الضيم والعسف الذي عانى منه السوريون طويلاً". واعتبر رئيس وفد المعارضة السورية لجولاتٍ عدة في مسار "آستانة"، أحمد طعمة، والذي قرأ البيان، أنه "آن الأوان لبدء تشكيل إدارة مدنية تقوم على خدمة المواطن السوري الأبي، وتحقق كل ما يطمح إليه من عيش مستقر وتعليم جيد ونظام صحي مميز ونهضة عمرانية وبنية تحتية جيدة تجعل المنطقة مثالاً يحتذى"، وفق البيان.
في غضون ذلك، عاد النظام إلى استخدام لغة التهديد والوعيد. وقال وزير خارجيته وليد المعلم، أمس الاثنين، في مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري في دمشق، إن الوضع في إدلب لا يمكن أن يستمر إذا لم تلتزم التنظيمات المتطرفة بالاتفاق الذي أبرم بين روسيا وتركيا في المنطقة. وأضاف "لا يمكن أن نسكت على استمرار الوضع الراهن في إدلب إذا رفضت جبهة النصرة الانصياع". وأشار المعلم إلى أن روسيا هي التي ستبت في ما إذا تم تنفيذ الاتفاق، مشيراً إلى أن تركيا تملك الوسائل لضمان الالتزام بالاتفاق. وقال "إدلب كأي منطقة سورية ستعود حتماً إلى سيادة الدولة السورية. قلنا إن تحرير إدلب بالمصالحة أفضل من إراقة الدماء، لكن إذا لم يتم تنفيذ اتفاق إدلب فستكون لدى الدولة السورية خيارات أخرى".
ولفت المعلم إلى أن "الضفاف الشرقية لنهر الفرات ستكون الهدف التالي للحكومة، بمجرد أن يتم حل الوضع في محافظة إدلب"، لافتاً إلى أنه يتعين على القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة "أن تقرر ما تريد" وأن تتخلى عن أوهامها بأنها ستحصل على نظام حكم فيدرالي.
في غضون ذلك، من المقرر أن يشرع الطرفان التركي والروسي في إجراءات مرحلة جديدة تطبيقاً لما تبقى من اتفاق سوتشي تتضمّن فتح طريقين يربطان مدينة حلب بالساحل السوري والعاصمة دمشق قبيل نهاية العام الحالي، وكلاهما يمر ضمن محافظة إدلب التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة و"هيئة تحرير الشام". ويعوّل الجانب الروسي كثيراً على فتح الطرقات التي تمدّ النظام بالدعم الاقتصادي، خصوصاً أن موسكو تعمل على إعادة تأهيل النظام على مراحل. وتعد مدينة سراقب، التي تسيطر عليها المعارضة، عقدة رئيسية للطريقين، أي أن الطريقين يتفرعان منها. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن طريق حلب دمشق يمر داخل مدن وبلدات عدة في إدلب، منها سراقب، ومعرة النعمان، وخان السبل، ومن ثم إلى صوران، وطيبة الإمام، في ريف حماة الشمالي. وأشارت إلى أن المعارضة تسيطر على نحو 100 كيلومتر من طريق حلب دمشق، فيما يسيطر النظام على نحو 250 كيلومتراً.
بدوره، يمرّ طريق حلب - اللاذقية بمدن وبلدات داخل محافظة إدلب، أبرزها: سراقب، أريحا، محمبل، جسر الشغور، وصولاً إلى بلدة بداما، حيث تسيطر المعارضة على نحو 125 كيلومتراً من الطريق، فيما يسيطر النظام على 55 كيلومتراً من بلدة كنسبا إلى مدينة اللاذقية. وتم إغلاق الطريقين في عام 2013 بشكل كامل نتيجة المعارك التي دارت بين فصائل المعارضة والنظام الذي خسر كثيراً جراء قطع الطريقين، كما أن المدنيين دفعوا الثمن الأعلى، خصوصاً عند التنقل بين حلب ومدن حماة وحمص ودمشق.