لا تبدو قوات المعارضة المحاصرة في حي القدم، والتي لا يتجاوز عدد مقاتليها المئتين، قادرة على الصمود طويلاً أمام "داعش"، الأمر الذي من المتوقع أن يؤدي إلى سيطرة التنظيم على حي القدم، ليصبح "داعش" على بُعد كيلومترين اثنين فقط من حي الميدان وسط العاصمة السورية.
وأكد عضو مكتب "ربيع الثورة" الإعلامي الناشط مطر إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، أن الاشتباكات تواصلت أمس الأحد، لليوم الثالث على التوالي، على خط التماس بين حي القدم الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، وحي العسالي الذي يسيطر عليه "داعش"، حيث شهدت المنطقة اشتباكات متقطعة وعمليات قنص متبادلة بين الطرفين.
وأوضح إسماعيل أن "التوتر بين الطرفين بدأ إثر محاولة اغتيال أبو مالك الشامي، قائد قطاع جنوب دمشق في الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، أكبر فصائل المعارضة في حي القدم، إذ تم استهداف سيارته بعبوة ناسفة، أصيب على أثرها وتم نقله إلى المستشفى الميداني في بلدة يلدا المجاورة والتي تسيطر عليها قوات المعارضة"، مشيراً إلى أنه "كان من المفترض أن يُعقد في اليوم نفسه اجتماع بين ممثلين عن قوات المعارضة وتنظيم داعش في المنطقة لبحث إمكانية الاتفاق على هدنة طويلة الأمد في المنطقة، إلا أن محاولة اغتيال القيادي في المعارضة تسببت بإلغاء الاجتماع".
ولفت إسماعيل إلى أن "قوات المعارضة وإثر تحريات قامت بها، تمكنت من القبض على منفذ محاولة الاغتيال الذي أقر بهوية شريكه"، مضيفاً أن "المعارضة تبعت شريك منفذ العملية وحاولت اعتقاله، ما أدى إلى حصول اشتباك بين الطرفين تسبب بمقتل الشخص المُلاحَق والذي تبيّن أنه تابع لمجموعة القيادي المحلي في تنظيم داعش المدعو صالح زمار، والذي قام على الفور بطلب مؤازرات من التنظيم الذي يسيطر على حي الحجر الأسود، ليرسل التنظيم تعزيزات كبيرة ويبدأ هجوماً على حي القدم الدمشقي الذي تسيطر عليه قوات المعارضة".
وأشار إسماعيل إلى أن "أوضاع المدنيين وقوات المعارضة في حي القدم سيئة جداً نظراً لإغلاق قوات النظام المعبر الوحيد الذي يصل مناطق سيطرتها غرب حي القدم بمناطق سيطرة المعارضة شرق الحي، وذلك بعد أن كان المعبر مفتوحاً لمرور المدنيين منذ توقيع قوات المعارضة والنظام هدنة طويلة الأمد في حي القدم منذ نحو عام ونصف"، لافتاً إلى أنه "لا توجد في الحي أي نقطة طبية أو مستشفى، الأمر الذي يجعل حياة كل من يصاب إثر الاشتباكات وعمليات القصف في حي القدم في خطر مع فرض داعش والنظام السوري حصاراً كاملاً على الحي".
اقرأ أيضاً: قتلى بقصف للقوات الكردية و"داعش" يحاول التقدّم جنوبيّ دمشق
وكانت مصادر محلية جنوب دمشق ذكرت أن "داعش" عرض على "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" تسليم حي القدم بالكامل له، وتسليم تسعة من قيادات "أجناد الشام" للتنظيم ومبايعة كل عناصر قوات المعارضة في الحي لـ"داعش" مقابل فك التنظيم للحصار الذي يفرضه على حي القدم، إلا أن هذا العرض قوبل برفض قاطع من قوات المعارضة.
وأوضح الناشط الاعلامي محمد العمر، لـ"العربي الجديد"، أن قوات جيش الإسلام حاولت، فجر أمس الأحد، الضغط على "داعش" في منطقة الحجر الأسود ليقوم بفك الحصار عن قوات المعارضة في حي القدم، إذ شنّ "جيش الإسلام" مع قوات "شام الرسول"، وهو فصيل محلي تابع للجيش السوري الحر، هجوماً على نقاط تمركز "داعش" في حي الزين الذي يفصل بين بلدة يلدا التي تسيطر عليها قوات المعارضة، وحي الحجر الأسود الذي يسيطر عليه التنظيم.
وأشار العمر إلى أن الاشتباكات التي استمرت ساعات عدة بين الطرفين لم تسفر عن تقدم ميداني واضح لقوات المعارضة، لكنها أدت إلى مقتل نحو 22 من عناصر "داعش". وأعلن المكتب الاعلامي في "جيش الإسلام" أن ثمانية من عناصر "داعش" قضوا إثر الاشتباكات فجر الأحد، فيما قضى ستة عشر آخرون في اشتباكات يوم السبت.
وتبدو محاولات قوات المعارضة للضغط على "داعش" لفك الحصار الذي يفرضه على حي القدم غير مجدية، خصوصاً مع سيطرة التنظيم على حي الحجر الأسود بالكامل، ذلك أن قوات المعارضة في حال أرادت فتح طريق إمداد نحو حي القدم فعليها أن تسيطر على أحياء الزين والحجر الأسود والعسالي بالكامل، وهذا الأمر يعني القضاء على تنظيم "داعش" جنوب دمشق بشكل شبه كامل، لأن هذه الأحياء تُعتبر المعاقل الرئيسية للتنظيم في المنطقة.
ويطرح التمدّد الكبير لـ"داعش" جنوبي دمشق معطيات جديدة في التوازنات المستقرة منذ نحو عامين في المنطقة، إذ عقدت قوات النظام مع قوات المعارضة التي كانت تسيطر على مناطق يلدا وببيلا والحجر الأسود ومخيم اليرموك والقدم والعسالي، اتفاقات هدنة طويلة الأمد منذ نحو عام ونصف العام، أوقف بموجبها النظام القصف على هذه المناطق وفك الحصار عنها بشكل جزئي في مقابل إيقاف قوات المعارضة هجماتها على قوات النظام في المنطقة. لكن الصعود الكبير لـ"داعش" في المنطقة منذ شهر مايو/ أيار الماضي والذي تجسّد بسيطرته على الحجر الأسود ومن ثم على مساحات واسعة من مخيم اليرموك، تسبّب بتغيير المعطيات الميدانية، ليشكّل التنظيم اليوم خطراً على وجود قوات المعارضة في حي القدم القريب من وسط دمشق.
وتقف قوات النظام السوري حتى الآن مكتوفة الأيدي أمام الصعود الكبير لنفوذ "داعش" جنوب دمشق. وتبدو هذه القوات عاجزة عن القيام بأي شيء أمام تمدد التنظيم على حساب قوات المعارضة، إذ يصعب عليها التقدّم على حساب الطرفين معاً في ضواحي العاصمة الجنوبية التي تتميّز بأزقتها الضيقة وأبنيتها العشوائية، الأمر الذي سيعني تحييد المدرعات من المواجهات العسكرية وبالتالي تحوّل المواجهات إلى حرب شوارع تتفوّق بها قوات المعارضة و"داعش" على قوات النظام السوري.
اقرأ أيضاً: "داعش" يحاول التقدم على حساب المعارضة شمال حلب