فلجأت الأمهات، وكثير منهن ممن شاركن في ثورة 25 يناير، إلى "التعليم المرن"، أو "الهوم سكولينج"، ليخترن، بمساعدة متخصصين، مناهج تعمل على تنمية الخيال والابتكار والفهم والتحليل عند الأطفال، معتمدة من هيئات تعليمية دولية، ليهربن من دوامة الحفظ والتلقين في المدارس المصرية، فضلا عن إضافة الجانب الشرعي والأخلاقي الغائب في جميع مدارسنا، إلا ما رحم ربي، فالدين لا يحسب في المجموع، والكتب الإسلامية تحرق في أفنية المدارس!
لكن رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، دمر آمال هذه الأمهات، اللواتي أردن تحرير أبنائهن من منظومة الفشل والتخلف، مؤكدا أنه لن يتم السماح بإقامة أي مؤسسات تعليمية موازية خارج الاعتماد الرسمي، سواء كان تعليماً علمياً أو دينياً، مع عدم السماح بتدريس أي مناهج غير معتمدة، خاصة المناهج الدينية.
وبعث محلب برسالة للأمهات الطامحات بمستقبل أفضل لأبنائهن، خلال اجتماعه الأخير مع لجنة تطوير المناهج، أنه لن يسمح للجمعيات والمدارس والمعاهد الخاصة بتدريس مناهج خاصة بها تحت أي مسمى، مؤكداً في تصريحاته الأخيرة، أن لا مؤسسات موازية ولا تدريس لمناهج في مدارس أو جمعيات غير معتمدة من قبل الوزارة! وذلك في إشارة إلى مجموعات "التعليم المرن" التي بدأت في الانتشار مؤخراً.
أي وزارة يا سيدي؟ وزارة التربية والتعليم..
آه نسيت.. وزارة التربية والتعليم التي تحرق الكتب في المدارس!
إذاً، فالتنميط والقولبة والتمسك بالفشل هو سيد الموقف، ولا مجال للفرار من هذه المنظومة، ولا ننسى أن مصر قد حصلت على المركز الأخير في جودة التعليم الأساسي الابتدائي في تقرير التنافسية العالمية لعام 2013-2014، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث جاء ترتيب مصر في المركز 100 في الصحة والتعليم الأساسي، والمركز 118 في التعليم العالي والتدريب، و146 لكفاءة سوق العمل!
ولك أن تتخيل أطفال مصر يحصلون على أسوأ تعليم في العالم خلال سنواتهم الدراسية الأولى، التي يتعرفون فيها إلى العالم ومجتمعهم وأنفسهم وقدراتهم، فلا تعليم ولا قيم ولا أخلاق، والدين خارج المجموع، لذا فطبيعي جدا أن نتفوق في الغوغائية والتخلف والتحرش والبطالة المقنعة والجهل، على الرغم من الحصول على شهادات رسمية حكومية.
وبالتالي، نتيجة طبيعية جدا أن تحرق كتب مكتبة إحدى المدارس المصرية على أنغام النشيد الوطني بينما يلوح مسؤولو وزارة التربية والتعليم بالأعلام المصرية ليترسخ لدى طلاب المدرسة، بل طلاب مصر، أن النار مصير أي محاولة للتفكير أو الاستزادة أو الخروج من دائرة التنميط التي تفرضها الدولة ويرعاها النظام.
حرقت الكتب داخل المدارس، ويحرق الإنسان نفسه خارجها في سجون ومعتقلات ومعسكرات سرية، فالمحرقة جاهزة لكل من يتجرأ على الخروج عن النص المعد سلفا، أو القيام بدور غير ذلك المرسوم له في مسرحية الوطنية والانتماء التي يلعبها الجميع الآن، لنيل الرضا والمناصب والكراسي، بينما يحترق الوطن نفسه تحت وطأة الفقر والجهل والمرض والتغييب.