الفجوة [3-4]

06 اغسطس 2015
ما للأمم لم تلحق بالتقدم الغربي؟ (Getty)
+ الخط -
لقد نسيت في المقال السابق أن أسجل ذي الملاحظة: يتحتم على الدول الكبرى أن تضع في عواصمها نصب تكريم وامتنان واعتذار للدول التي نهبت خيراتها ولملايين العبيد المختطفين الذين كان لهم يد فضل على النمو الاقتصادي في قرون الصعود الثلاثة التي أوصلت للحضارة الحديثة.


لا يؤخذن كلامي على أن النمو الاقتصادي هو سبب حدوث الفجوة، بل هو شرطها الذي قامت به الأسباب التي بدورها انسجمت مع الشرط وتفاعلت معه محدثة الفجوة. وقد كان من أهم هذه الأسباب هو التنوير والحركة الثقافية التي ساهمت في تخفيف حدة الحكم الفردي الأرعن، ورفع قيود الكنيسة وسيطرتها بالتحالف مع الساسة، والدفع بالمجتمع نحو التعلم والابتكار والانتاج.

يتبادر تساؤل.. ما للأمم لم تلحق بالتقدم الغربي بعد وقوع الصدمة والوعي بالتقدم الغربي؟

كانت هناك محاولات عديدة خارج الإطار الغربي منذ بداية القرن التاسع عشر إلا أن الاستعمار والامبريالية الغربية لم تكن لتسمح بمقاسمة الكعكة، استطاع الاستعمار من استغلال الأيدي العاملة الرخيصة لانتاج أكبر قدر بأقل كلفة، إلى أن اخترعت المصانع والآلات التي تنجز المهمة بشكل أكبر، صارت كلفة العبد من رأس المال أكبر من الآلة إذاً لنحرر العبيد! ومع كل هذا لم تسمح بالمنافسة السوقية المشروعة بل ألزمت الدول المتأخرة بأن تكون سوقاً استهلاكياً لمنتجاتها.

الهند التي كانت أكبر دولة في تصدير القطن تحولت إلى مستورد للغزل الانجليزي، القماش الانجليزي أصبح أرخص، المستعمر يقنع جبراً الهند ومثيلاتها بأن شراء المستورد أوفر لخزينة الدولة من كلفة التصنيع، الخدعة الاستعمارية المعتادة التي لا مناص منها.

يزداد الاحتياج إلى إنشاء خطوط سكك حديدية في منتصف القرن التاسع عشر، فعوضاً من أن يكون ذلك سبباً في إنشاء صناعة الصلب والاحتياجات الهندسية في الهند، ترسي المناقصات على الشركات الانجليزية ليزداد الاستيراد وتتأخر صناعة الصلب وأخواتها إلى القرن العشرين.

الحيلة نفسها في المكسيك.. حضارة زراعية قوية انتقلت إلى التصنيع إلا أن 300 عام من السيطرة الاستعمارية قادتها إلى الركود الاقتصادي من خلال الاستيراد القسري ما يؤدي إلى انخفاض أجور العاملين فإغلاق المصانع.

1839 تهاجم بريطانيا الصين لإجبارها على استيراد "الأفيون" الذي كان أحد أكثر منتجات شركة الهند الشرقية تحقيقاً للربح، بالمناسبة حينها كان الفيلسوف الكبير جون ستيوارت كوالده من بين أكابر الموظفين فيها صاحب المقولة المشهورة: "إن كل ما يقيد المنافسة الحرة هو شر مطلق، وكل ما يطلقها هو الخير العميم".

ترسل اليابان فرقة بحثية لدراسة الحالة الاستثنائية التي ظهرت في مصر بقيادة محمد علي باشا الذي بدأ في مرحلة مبكرة سابقة لكل المحاولات خارج الإطار الغربي في بدايات القرن التاسع عشر في تأسيس دولة حديثة (رَهْ مسعود ضاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية تشابه المقدمات واختلاف النتائج)، اجتمعت روسيا وبروسيا وبريطانيا والدولة العثمانية لقبر النهضة وهي في مولدها.

هكذا تستحيل حضارات عريقة كانت الرائدة في الصناعة والزراعة لتكون في ضفاف الدول الفقيرة النامية وتحتفل في نهاية القرن العشرين بــ"إجمال ناتج محلي للفرد" أقل مما حققته دول غربية في بدايات القرن التاسع عشر بفجوة 170 عاماً تقريباً.

اليابان كانت الاستثناء.. يتبع

اقرأ أيضاً: الفجوة
اقرأ أيضاً: الفجوة [2-4]

(الكويت)
المساهمون