الفائدة السالبة ... سلاح أميركي جديد لمواجهة جائحة كورونا

14 مايو 2020
جيروم باول في منعطف الفائدة السالبة (Getty)
+ الخط -


وسط فشل سياسات التيسير الكمي المتواصلة التي نفذها بنك الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" خلال العام الجاري، ربما يتجه قريباً نحو خفض سعر الفائدة إلى أقل من الصفر، أي إلى سالبة. 

وحتى الآن ضخّ بنك الاحتياط الفيدرالي تريليونات الدولارات في سوق الأسهم والسندات، كما خفض الفائدة إلى صفر في سبيل إنقاذ الاقتصاد الأميركي من أسوأ كساد اقتصادي يواجهه في التاريخ، ولكن لا يزال الاقتصاد يتأرجح على حافة الهاوية وسط ارتفاع نسبة البطالة وإفلاسات الشركات.

وفي خطوة ستكون تاريخية في حال حدوثها، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجلس الاحتياط الفيدرالي إلى تبني فائدة سلبية على الدولار.

وهذه الدعوة سبق وأن طالب بها من قبل عدة خبراء في سياسات النقد والمال في أميركا، من أشهرهم رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأسبق الآن غرينسبان ونظيره بين بيرنانكي الذي أدار بنجاح دفة إنقاذ الاقتصاد الأميركي من هاوية الإفلاس إبان أزمة المال العالمية في عام 2008.

ويرى بيرنانكي أن الفائدة السالبة ربما ستكون مفيدة للاقتصاد الأميركي في بعض الحالات. ولا يستبعد خبراء أن يستجيب البنك المركزي لهذه الدعوات خلال الأسابيع المقبلة وسط الضغوط المتواصلة التي يواجهها الاقتصاد الأميركي.

ويقول محللون ماليون، منذ تفشي جائحة "كوفيد 19"، استنفد مجلس الاحتياط الفيدرالي كل أسلحته تقريباً لإنقاذ الاقتصاد ولم يتبق أمامه سوى تبني الفائدة السالبة.

وفي حال تبني الفائدة السالبة على الدولار، فإن الاحتياط الفيدرالي سينضم بذلك إلى كل من البنك المركزي الأوروبي الذي يدير السياسة النقدية بمنطقة اليورو، وإلى بنك اليابان والبنوك المركزية بالدول الاسكندنافية التي تستخدم الفائدة السالبة منذ سنوات.
وتعني الفائدة السالبة أن البنوك المركزية ستأخذ فائدة على إيداعات المصارف التجارية لديها بدلاً من منحها عوائد وأرباحاً، كما أن المودع ربما سيطالب البنك بسداد رسوم على إيداع أمواله بحسابه في البنك كما يحدث حالياً في بعض البنوك الأوروبية.

وحتى الآن يتردد رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، في اعتماد الفائدة السالبة رغم الضغوط التي يواجهها منذ مدة من قبل ترامب.

ويرجع خبراء هذا التردد إلى ثلاثة أسباب، وهي المخاوف من تداعياتها على جاذبية السندات الأميركية التي تعتمد عليها البلاد في تمويل العجز في الإنفاق الحكومي، وانعكاساتها السلبية على صناديق الاستثمار في أسواق المال الأميركية التي تدير نحو 4 تريليونات دولار ويستخدمها المودعون كـ"حسابات مصرفية".

أما العامل الثاني فهو عامل قانوني، إذ يرى الخبير الاستثماري بمصرف "جي بي مورغان"، مايكل فيرولي، أنه ليس من الواضح من الناحية الإجرائية أن القانون الأميركي سيسمح بذلك. وبالتالي ربما يضطر المصرف المركزي للرجوع إلى الكونغرس.

أما العامل الثالث فهو أن تجربة الفائدة السالبة لم تكن مشجعة في أوروبا واليابان، إذ إنها لم تثبت نجاحاً يذكر في إعادة الثقة الاستثمارية أو تحريك النشاط الاقتصادي طوال سنوات تطبيقها. ولكن رغم هذه السلبيات للفائدة تحت الصفر، فإن هناك إيجابيات عديدة يمكن أن يجنيها الاقتصاد الأميركي.
ويبدو أن التراجع الكبير على عائد السندات الأميركية خلال الأيام الأخيرة يشير بوضوح إلى أن السوق أدخلت في حساباتها احتمال خفض قريب للفائدة الأميركية تحت الصفر، وربما سيختبر الاحتياط الفيدرالي خفض الفائدة إلى "ناقص 0.25" على أسواق المال الأميركية في أية لحظة.

وكدليل على ذلك، تراجعت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين لمستوى قياسي يوم الثلاثاء، عند 0.13% من مستويات 1.6% في يناير/ كانون الثاني، كما تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية أجل 10 أعوام إلى أقل من واحد في المائة لأول مرة إلى 0.7%.

كذلك يلاحظ أن الدولار استقرّ دون أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع أمس الأربعاء، وأظهرت بيانات أن أسعار المستهلكين الأميركيين انخفضت بنسبة 0.8 بالمائة في إبريل/ نيسان وهو أكبر تراجع منذ الكساد العظيم، ما أشعل جدلاً بشأن تبني المزيد من سياسات التيسير النقدي.

ويعد العائد المالي المضمون على سندات الخزانة الأميركية وانعدام المخاطر الاستثمارية وعدم الحاجة للتأمين عليها مثل باقي أدوات الاستثمار، من بين العوامل العديدة التي تجذب المستثمرين لوضع مزيد من أموالهم في السندات الأميركية حتى في حال الفائدة السالبة.

ومن بين الميزات الأخرى الجاذبة للاستثمارات الضخمة في السندات الأميركية أن تحويلها من أصول إلى نقد "أي تسييلها أو تحويلها إلى كاش"، لا يكلف المستثمر أي سنت مثلما هو واقع السوق مع باقي السندات.

على صعيد المكاسب التي ستجنيها أميركا من الفائدة السالبة، يرى خبراء في السياسة النقدية أن الفائدة السالبة على الدولار ستقلل فاتورة دفعيات الخزينة الأميركية الخاصة بخدمة الديون السيادية.

وحسب بيانات شركة بيمكو الاستثمارية، فإن حجم السندات ذات العائد السالب التي يتم تداولها في العالم يقدر بنحو 12 تريليون دولار، وبالتالي لن تكون السندات الأميركية ذات العائد السالب أمراً استثنائياً في سوق يغرق في الفائدة السالبة. 

وحسب بيانات مصرف "جي بي مورغان، فإن المركزي الأميركي اشترى خلال جائحة " كوفيد 19" الراهنة 1.6 تريليون دولار من السندات الحكومية و600 مليار دولار من السندات المدعومة بقروض الاسكان.

وتدار شكوك في السوق حول جدوى الفائدة السالبة ومستقبل التضخم في أميركا. في هذا الشأن قال ديفيد فيكرز مدير الاستثمار بصندوق "رسيل انفستمنت" البريطاني في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز"، "هنالك الكثير من عمليات التيسير الكمي، وهو ما يزيد من الضبابية في سوق السندات".

وكانت الحكومة الأميركية قد أعلنت استدانة نحو 4.5 تريليونات دولار لهذه السنة المالية، كما يخطط الحزب الديمقراطي للتصويت بعد غدٍ الجمعة، على مقترح تحفيز جديد للاقتصاد الأميركي بنحو 3 تريليونات دولار. وهو ما سيعني المزيد من الديون الحكومية وتوسيع الكتلة النقدية.
دلالات
المساهمون