شهدت البيئة الطبيعية العراقية تدهورا كبيرا في السنوات العشرين الأخيرة أصاب كل مكوناتها، إذ طال التلوث الهواء والتربة والماء. حيث يعد التلوث البيئي القاتل الثالث في العراق بعد أعمال العنف والأمراض، وفق تقارير عراقية طبية.
وزاد حجم الكارثة البيئية في العراق خاصة بعد ثلاث حروب مدمرة، أفضت إلى دمار هائل في مكونات البيئة الطبيعية، حتى بات من غير الممكن للحكومة العراقية بإمكاناتها المحدودة، وفق خبراء، أن تقوم بهذه المهمة منفردة دون مساعدة دول الجوار المعنية مباشرة بالأمر والمتضررة من هذا التدهور، وبمساعدة وإشراف المنظمات الدولية المعنية.
مختصون في مجال البيئة أكدوا لـ"العربي الجديد" أن تربة العراق تعاني التلوث والإهمال منذ عشرات السنين، وأوضح شاهد على ذلك هو ظاهرة الملوحة التي اكتسحت ملايين الدونمات من أراضي المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق، والتي تحولت إلى أراضٍ جرداء غير صالحة للزراعة، وهو ما يعد دليلا واضحا على الإهمال الذي لاقته التربة منذ خمسينيات القرن الماضي ولغاية الآن.
حروب الخليج
إلا أن التلوث اشتدت آثاره خصوصا بعد حربي الخليج الأولى (1980-1988) والثانية 1991، حيث سقطت آلاف الأطنان من القنابل التي يحتوي بعضها على اليورانيوم المستنفذ.
وكذلك تجفيف الأهوار وتحويلها إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة، وقطع الأشجار وتدمير الغابات، سواء في وسط وجنوب العراق أو في كردستان العراق، بالإضافة للحصار الذي امتد لأكثر من اثني عشر عاما.
كل ذلك فاقم من آثار التلوث الذي بلغ مدىً هدد ويهدد بصورة مباشرة حياة الإنسان، بسبب المخاطر المروعة التي أحدثتها الحروب وتوقف خدمات الدولة الأساسية المتعلقة بالنظافة وسلامة البيئة والإنسان.
وكان لذلك تأثيره الذي أدى إلى تدهور الحالة الصحية للمواطن العراقي، وظهور أمراض كثيرة وأعراض لحالات لم يشاهدها العراق في تاريخه.
التلوث الإشعاعي
وأوضح مصدر في وزارة الموارد المائية العراقية لـ"العربي الجديد"، أن حجب المياه الدولية المتدفقة إلى العراق من دول الجوار، والإهمال الشديد لمشاريع استصلاح الأراضي وتدهور المستصلح منها، والتدمير الهائل الذي لحق بمنظومات الري والصرف. يضاف إلى ذلك كمية التبخّر الكبيرة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة في العراق وقلة كميات الأمطار الساقطة، زادت من ظاهرة تلوث المياه والتربة وتركيز الأملاح في مياه النهرين.
وأظهرت الاستطلاعات الميدانية والقياسات التي أجراها فريق من مركز أبحاث اليورانيوم
الأميركي، بالتعاون مع جهات علمية دولية أخرى، وأجرى مسحا موقعيا لبعض مسارح العمليات العسكرية في وسط البلاد وجنوبها، أن ارتفاع مستوى التلوث الإشعاعي في مناطق شاسعة من أجواء بغداد ومناطق جنوب العراق، كان واضحا، حيث بلغ عشرة أضعاف المستوى الطبيعي.
والغريب أن القراءات الإشعاعية كانت أعلى في الهواء أكثر من التربة، ولعل هذا مؤشر على أن الدقائق المشعة التي يحملها الغبار والهواء من النوع الدقيق الذي يسهل استنشاقه وترسبه وبقاؤه في حويصلات الرئة.
تلوث الأغذية
وبشأن المواد الغذائية والأدوية التي تدخل إلى العراق من مختلف المنافذ والمناشئ فإن أغلبها لا يخضع إلى السيطرة النوعية، مما يعرّض صحة جميع العراقيين إلى الإصابة بمرض السرطان الذي انتشر بشكل كبير ومخيف في أغلب المدن العراقية خاصةً سرطان القولون والثدي.
وتسعى الحكومة العراقية إلى تحميل مسؤولية تلك المستويات العالية من التلوث بالدرجة الأولى للحكومة السابقة، كونها لم تتمكن خلال السنوات الماضية من اتخاذ الخطوات الضرورية لحفظ سلامة البيئة والمواطنين في آن واحد، ومع ذلك فإن الاهتمام بهذا الجانب ولو متأخرا يقلّل من الخسائر التي تكبدها وسوف يتكبدها الشعب العراقي بكافة قومياته وانتماءاته، والمرشحة للزيادة خصوصا إذا لم تتخذ الإجراءات المباشرة للبدء بمكافحة هذا النوع من التلوث الخطر.