كتب زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، في ذكرى رحيل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، عن تجربة "التوافق" وإنقاذ المسار الديمقراطي وحماية الثورة التونسية، معدداً مآثره وخصاله.
وتعرض الغنوشي إلى علاقته بمنافسه السبسي بكثير من المشاعر والعواطف، مذكراً في جميع مفاصل رسالته، وبين أسطرها، بأنه كان "الصديق والرفيق والديمقراطي المؤمن بالثورة"، رغم فترات الصدام والقطيعة.
واعتبر رئيس برلمان تونس أن ما جمعه بالرئيس الراحل هو "خيمة المصلحة الوطنية والمحبة الشخصية، فكان خلافنا رحمة ولقاؤنا فرصة للتقدم بتونس نحو المزيد من الأمن والاستقرار"، مشيرا إلى أنه "كانت لكل منا رؤيته في كثير من الملفات".
الغنوشي: كان خلافنا رحمة ولقاؤنا فرصة للتقدم بتونس نحو المزيد من الأمن والاستقرار
ووصف الغنوشي التفاهم الذي حكم تونس خلال السنوات الخمس الماضية بـ"ملحمة التوافق الوطني التي كانت لحظة فاصلة في تاريخ الثورة التونسية، بل الربيع العربي"، مرجعا الفضل في ذلك إلى التقائه سياسيا مع السبسي في ما يعرف "بلقاء الشيخين"، قائلاً إن علاقتهما هي "علاقة اختلط فيها الشخصي بالسياسي في خلطة كيمياوية جمعت رجلين قادمين من عالمين مختلفين بل متنافرين".
وتحدث الغنوشي في رسالته، التي نشرت في موقع "ليدرز" العربي، عن الوحدة والتوافق اللذين كانت عليهما تونس، بكلمات تخفي شيئا من الحسرة بين الأسطر والعبارات، قائلا "حين جلسنا معا في منتدى دافوس كان العالم يشاهد وحدة تونس في تنوعها وفي توازنها بين من يمثّل ثقافة الاحتجاج المؤمنة بالدولة، وثقافة الدولة المؤمنة بالديمقراطية، الغنوشي كان يرفض الفوضى والاستبداد والدكتاتورية والحقد والانتقام والإقصاء، والباجي كان يرفض الفوضى والاستبداد والدكتاتورية والإقصاء، الغنوشي جاءت به الثورة من منفى الخارج، بعد منفى دام 20 سنة، والباجي أعادته الثورة من منفى الداخل الذي قضى فيه عشرين سنة، كلاهما التقط اللحظة بأن تونس لا يجب أن تبقى رهينة الماضي وأن الثورة أمانة ومسؤولية".
واستذكر الغنوشي اللقاء الأول بين الرجلين، لقاء التوافق في باريس، في 15 أغسطس/آب 2013، كاشفا أنه" لم يكن لقاء الصدفة أو الصفقة، بل كان محطة في مسيرة التقت فيها الهمم على تأكيد الاستثناء التونسي"، مشيرا إلى أنهما خلال هذا اللقاء "أذابا فيه الجليد واتفقنا على المبادئ العامة، أي ضرورة الحوار للخروج من الأزمة وتجنب الإقصاء".
وعرج الغنوشي على لقاءاته بالسبسي "وتجربة الحكم المشترك والتضحيات المبذولة من أجل تحقيق المصالحة وطي صفحة الصراع بين المنظومتين وفرض الاستقرار الحكومي والبرلماني وقيادة البلاد رغم صعوبات التحالف بين الحزبين المتنافسين والمختلفين".
وأشاد الغنوشي"بالتوافق الذي كان عنوانا للمرحلة الماضية"، معتبرا أنه "كان بالإمكان المضي خطوات أكثر على درب المصالحة، وطي صفحة الماضي وترجمة المنجز التوافقي تنمويا"، رافضا "التقليل من شأن المنجز التوافقي أو محاولة تشويهه والانقلاب عليه، لأنّ إنقاذ التجربة الديمقراطية لم يكن شيئا بسيطا، والأيام تؤكد لكل ذي رأي حصيف أن تراجع ثقافة التوافق في وضع سياسي هشّ يقابله تنامي مخاطر الفوضى السياسية والاحتقان"، على حد قوله.
وشدد زعيم حزب النهضة على أنّ "التوافق الذي صنعناه حيّ، وهو الخيار الأفضل لتونس وعنوان نجاح ثورتها"، مستطردًا بأنه "توافق انبنى على علاقة وجدانية منزّهة عن المصالح الضيقة، وكان خيارا صائبا مني ومنه، استفادت منه تونس، والحمد لله، في الماضي، ولكن الأمل في أنّه سيبقى بمشيئة الله أحد مفاتيح الحاضر والمستقبل" ، على حد قوله.