الغناء في الميدان: الجدع جدع والجبان جبان

29 يناير 2018
الغناء خلال 18 يوماً (Getty)
+ الخط -
قبل سبع سنوات وفي مثل هذه الأيام، عاش جيل مصري كامل لحظات غيّرت الكثير من تكوينه وأفكاره وآرائه. 18 يوماً، كان فيها الكثير من الأحلام، الكثير من الطموحات، الكثير من السياسة.. وأيضاً الكثير من الموسيقى. رغم كل ما حدث في الـ18 يوما في الميدان، شكل الغناء جزءاً هاماً من روح الميدان. أغان تخرج من منصات كثيرة في الميدان، وأصوات لمتظاهرين هنا وهناك، يرددون أغاني الشيخ إمام وسيد درويش... وغيرهما. فلماذا كنا نغني في الميدان؟ 

الجدع جدع

في المسيرات من مختلف الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، كان المتظاهرون يرددون أغنية "الجدع جدع" للشيخ إمام. الأغنية تحوّلت لاحقاً إلى هتاف ونداء موجه إلى الواقفين في شرفات وشبابيك منازلهم. فكانت كلمات الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم وصوت إمام، هما أكثر ما عبّر عن هذه الحالة في جملة "الجدع جدع والجبان جبان.. بينا يا جدع ننزل الميدان". كنا الغناء بمثابة إعلان للحرب، كأنها دقات طبول الحرب وأغاني الحرب التي تحمل فخراً كثيراً، فكل شخص في الميدان كان هو "الجدع" الذي يغني له الشيخ.




الورد اللي فتح في جناين مصر


الشيخ إمام مجدداً. وهذه المرة "صباح الخير على الورد اللي فتّح في جناين مصر". الثوار هم الورد الذي فتح. كان المتزاهرون يستحقون هذا المديح، رغم كل الأخطاء التي ارتُكبت لاحقاً، وكان واضحاً أنّ هذا الجيل، جيل الثورة، هو من كُتبت الاغنية له، ولأحلامه. كانت الأغنية إثباتاً أن نجم وإمام كانا على حق، عندما قالا "ما دامت مصر ولّادة وفيها الطلق والعادة حتفضل شمسها طالعة برغم القلعة والزنازين".




الزمن شاب وانتِ شابة


خلال الثورة، شهد الميدان التعامل المباشر الأول بين جيل كامل، وبين مصر بصفتها وطناً. المرة الأولى التي ينظر المصريون الشباب إلى كل هذه المساحة الجغرافية على اعتبارها ملكهم، مساحتهم ومكانهم. كانت مصر أيضاً بصوت الشيخ إمام "أم طرحة وجلابية... الزمن شاب وانت شابة هو رايح وانت جاية". كانت لحظة عناق بين الثوار وبين مصر العروس الجميلة.



شعبك أصيل والخصم عايب

سيد درويش هذه المرة. الميدان المزدحم بكل الطبقات والمستويات وأطياف الشعب، هتف بصوت واحد هو صوت الحب وخوف المتظاهرين على بعضهم. كان الميدان جزء يوتوبياً. كانت ألحان سيد درويش وكلمات بديع خيري، تصف الميدان، وحالة الناس فيه، كانت الأغنية إهداء إلى كل شخص موجود. كل شخص يخاف على من بجواره بدون أن يعرف حتى اسمه. وكان صوت المتظاهرين يعلو بكلمات "أهو ده اللي صار" خلي بالك من الحبايب دول أنصار القضية.




مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟


رغم سلمية المتظاهرين، وفي يوم مثل يوم أمس، 28 يناير 2011، بدأ تساقط الشهداء. أرهبتهم الدولة وقواتها، رغم ذلك نجحوا في الثبات في الميدان لمدة 18 يوما. كانت الثورة إعادة اكتشاف أغاني الشيخ إمام بمعنى آخر، بعيداً عن السنوات التي كُتبت وغُنيت فيها. "اتجمعوا العشاق في سجن القلعة"، هل كتب زين العابدين فؤاد كلمات الأغنية الشهيرة متوقعاً ما سيحدث؟ قال في قصيدته التي غناها إمام "مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟"، وكان الثوار يجيبون: "ولا حدّ". ورغم هذه القوة وهذا الثبات، سقط شهداء، وتمّ اعتقال ثوّار. فكانت "شيّد قصورك عالمزارع". الأغنية اعتُبرت دستور الثورة، الدستور الذي كتب قبل الثورة بسنوات عديدة، وكان الجزء الثاني للدستور هو اتجمعوا العشاق. تحدي السلطة بعتادها وأسلحتها وبلطجيتها، ثمّ مناجاة الرفقاء المعتقلين. كان الصوت يخرج وهو مبحوح من كتر الصراخ والهتاف، لكن بكل صدق وقوة "والمخبرين خارجين كلاب سعرانة... بيجمعوا العشاق في الزنزانة".



الثوار كانوا عشاقاً، كان الوهم الجميل والسذاجة الفطرية تحركهم، وكان الغناء مهم جداً. الغناء في التاريخ المصري والعربي حاضر وشاهد على كل شيء. الغناء وسيلة للتعبير عن الغضب والحب والحماس والأمل واليأس، الغناء كان رفيق الميدان.




المساهمون