الغرب ودعم حكم الجنرالات

06 نوفمبر 2015
+ الخط -
ليس مفاجئاً ولا غريباً أن يستقبل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الجنرال عبد الفتاح السيسي، على الرغم من كل الانتقادات التي وجهتها أطراف داخلية وخارجية لزيارة الأخير لندن. فحكومة كاميرون هي وريثة حكومة توني بلير التي قادت، مع إدارة جورج بوش، عملية غزو العراق وتدميره، ودعمت، ولا تزال، إجرام إسرائيل بحق الفلسطينيين. لا يعبأ كاميرون، شأنه في ذلك شأن حكومات غربية كثيرة، بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، طالما تعارضت مع مصالحه ومصالح بلاده، ولا يعير اهتماماً بأن يضع يده في يد رؤساء وزعماء تلطخت أيديهم بالدماء، وأن يفرش لهم "السجادة الحمراء" في "10 دوانينغ ستريت"، حيث مقر رئاسة الوزارة، فالمهم ما وراء الزيارة، وما سوف تحققه من مداخيل وصفقات للحكومة.
في التفاصيل، فإن مكاسب كاميرون من زيارة السيسي عديدة، وهي قطعاً تتجاوز الثمن السياسي الذي سوف يدفعه. فمن جهةٍ، فإن عيون كاميرون ووزرائه على العقود التي سيتم توقعيها مع الجنرال، سواء في مجال النفظ والغاز أو مبيعات السلاح التي من المتوقع أن يحصل عليها السيسي. ويريد كاميرون أن يحافظ على استثمارات بلاده في مصر، والتي تتجاوز 20 مليار دولار، جعلتها أكبر مستثمر أجنبي في مصر. ومن جهة ثالثة، يسعى، وبقوة، إلى إرضاء "الراعي الإقليمي" لنظام الجنرال، والذي بيده "المنح والمنع"، فليس من المتوقع أن تدفع مصر فاتورة الصفقات التي سوف تعقدها مع حكومة كاميرون، وإنما سيتكفل بها من رتبوا الزيارة، وضغطوا لأجل إتمامها.
أما الطريف فهو أن كاميرون الذي التقى الجنرال السيسي، المتورط في قتل معارضيه وقمعهم، هو نفسه الذي زار ميدان التحرير في القاهرة عقب ثورة 25 يناير، وأشاد بثوّارها، وبقدرتهم على إزاحة نظام حسني مبارك، وهو قطعاً يعلم أن هؤلاء الثوار الآن في سجون السيسي يعانون ويتألمون، والأكثر من ذلك أنه طالما انتقد دعم حكومات بلاده السابقة الديكتاتورية والسلطوية في العالم العربي.
يلوك كاميرون، مثل بقية الزعماء الغربيين، تلك الحجة الواهية أن الاستقرار أهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن مصر تلعب دوراً مهما في "محاربة الإرهاب". وهو يدرك جيداً أن الاستقرار الحقيقي لا يجب أن يكون على حساب حقوق البشر وآدميتهم، وأنه مهما طال القمع والاستبداد، فإن مصيرهما حتما إلى الزوال، مثلما حدث في كل دول العالم التي شهدت انتقالاً من السلطوية إلى الديمقراطية. كما يعلم أيضا أن سياسات القمع والعنف التي تمارسها الدولة في مصر هي بمثابة المغذّي الرئيسي للتطرف والإرهاب.
ومن المفارقات، أنه في الوقت الذي كان يلتقي فيه كاميرون بالسيسي، كانت حكومته تصدر قراراً بوقف الرحلات الجوية بين بريطانيا ومدينة شرم الشيخ للمخاوف من عدم الاستقرار، خصوصاً بعد تقارير متزايدة عن احتمال تورط تنظيم "ولاية سيناء" في إسقاط الطائرة الروسية، التي انفجرت السبت الماضي، وقتل كل من فيها.
بكلمات أخرى، لا تصمد كل الحجج الواهية التي يسوقها الغرب، ومنهم كاميرون، أمام الواقع الحالي في مصر والمنطقة، والذي يؤكد أن استمرار السيسي في السلطة يعني مزيداً من عدم الاستقرار والتخبط. وهو ما جعل زعيم المعارضة في بريطانيا، جيرمي كوربين، يقول إن "زيارة السيسي تمثل تهديداً للأمن القومي البريطاني".
سِجَلّ الغرب في دعم حكم "الجنرالات" حول العالم ليس جديداً، ولا مفاجئاً، خصوصاً فى دول أميركا اللاتينية، ولا يجب أن ينتظر أحدٌ أن يدعم الساسة الغربيون، خصوصاً أولئك الموجودين فى السلطة، قضايا الحريات وحقوق الإنسان في بلادنا، فالاقتصاد والمال يسبقان دائماً المبادئ والأخلاق، التي تكاد تختفي من قاموس الحكومات الغربية.

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".