الغرب والأكراد.. أولوية أمنية أم قضية شعب؟

23 أكتوبر 2014

أنصار أكراد لحزب العمال الكردستاني يتظاهرون في أثينا (13أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

حتى وقت قريب، كانت الرؤية الغربية، وتحديداً الأميركية، للقضية الكردية، تقوم على معادلة فيها كثير من الازدواجية والتناقض، فهي، بقدر ما حرصت على إظهار الوجه الإنساني والإيجابي لكرد العراق، وسارعت إلى تقديم الحماية والدعم لهم، في العقود القليلة الماضية، بقدر ما تجاهلت وضع الكرد في تركيا وإيران وسورية، بل وضعت حزب العمال الكردستاني الذي يتمتع بنفوذ كبير بين أكراد تركيا وسورية على لائحة الإرهاب، وساعدت، إلى جانب الموساد الإسرائيلي، في اعتقال زعيمه عبدالله أوجلان في كينيا، قبل تسليمه إلى السلطات التركية عام 1999.

اليوم، وأمام الحرب ضد داعش، يبدو أن تغيرات تدريجية بدأت تحصل في نظرة الغرب إلى حزب العمال الكردستاني، وحليفه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي أعلن، قبل أكثر من سنة، عن إقامة إدارة ذاتية في شمال شرق سورية، فقد أظهرت معارك سنجار ضد تنظيم داعش، بعد سيطرته على الموصل، وكذلك معركة كوباني – عين العرب، شمال سورية، الخبرة الكبيرة لمقاتلي الحزبين في الميدان، وبالتالي، أهمية دورهم في هذه الحرب، حليفاً عملياً ومجرباً، يمكن الوثوق به. وعليه، يمكن فهم سبب الانفتاح الأميركي التدريجي على حزب الاتحاد الديمقراطي، واللقاء الذي أجراه المسؤول الأميركي المكلف بالملف السوري، السفير دانيال روبنشتاين، مع مسؤولين من الحزب المذكور في باريس. ومن قبل، اللقاء الذي جرى بين جنرال أميركي وقياديين من الحزب في سنجار، قبل أن تنقل الطائرات الأميركية، أخيراً، أسلحة وذخيرة من إقليم كردستان العراق إلى مقاتلي الحزب في كوباني لمواجهة داعش في معركة متبادلة الأدوار والفوائد.                                                        

من دون شك، الكرد الذين يعيشون في محيط إقليمي يفتقر إلى الثقة والإيجابية، ويطمحون إلى نوع من الحماية الدولية، في ظل مخاوفهم الدفينة، بسبب ما تعرضوا لها تاريخياً من حروب على الوجود وإقصاء للهوية، كما يتطلعون إلى الحصول على أسلحةٍ متطورة في إطار الصراعات والحروب الجارية في المنطقة، فضلاً عن طموح قديم في الحصول على اعترافٍ دوليٍّ بحقوقهم القومية، وصولاً إلى تحقيق حلمهم في دولة مستقلة. في المقابل، تدرك واشنطن أهمية تحول الأكراد إلى لاعب إقليمي في المنطقة، وأهمية استثمار دور هذا اللاعب في الأحداث الجارية، ودفعها وفق الاستراتيجية الأميركية، فضلاً عن الأهمية النفطية والمائية لكردستان.

يصدر الاهتمام الأميركي بدور الكرد عن قناعة الولايات المتحدة بأن الحرب ضد داعش تحتاج إلى قوى موجودة على الأرض، لمحاربة التنظيم، وبعد تجربة البشمركة في العراق، تبدو وحدات حماية الشعب الكردية القوى الأكثر تأهيلاً، للقيام بهذا الدور في سورية، بل تكاد تكون  القوى الوحيدة التي لها سجل موثوق ضد التنظيم، إذ خاضت، في السنتين الماضيتين، مواجهات شرسة مع مقاتلي داعش في مناطق رأس العين (سري كانيه) وجزعة وتل حميس وتل معروف ومعبر ربيعة المعروف بـ (تل كوجر) على الحدود السورية العراقية، حيث يكتسب التنظيم، يوماً بعد آخر، المزيد من القدرات والنفوذ والقوة والشعبية في المناطق الكردية السورية.

في العمق، يطمح كرد سورية، وتحديداً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والقوات العسكرية المنضوية تحت رايته (ي ب ك  والأساييش) إلى تكرار سيناريو الدعم الغربي لأكراد العراق، من خلال إثبات جدارتهم في المعارك الجارية، وإبداء الاستعداد للتعامل مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، والانفتاح على قوى المعارضة السورية، أملا في الحصول على سلاح متطور، يقوي من دورهم في التطورات الجارية، ويجلب لهم مزيداً من الاعتراف المحلي والإقليمي والدولي، حيث ترى وحدات حماية الشعب الكردية أن ما جرى في كوباني، ومن قبل في سنجار والدور الذي لعبه التنظيم في إجلاء آلاف الإيزيديين، فتح صفحة جديدة في العلاقة مع القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ولعل ما شجعتهم على فتح هذه الصفحة التصريحات الأميركية المتتالية بشأن ضرورة دعم القوى المحلية على الأرض المستعدة للعمل ضد داعش.                                                                                       

أبعد من خطوة الحصول على الدعم الغربي، فإن كرد سورية، وتحديداً حزب الاتحاد الديمقراطي، يأمل من العلاقة مع الغرب تحقيق جملة من الأهداف، لعل أهمها:

1- تحسين الحزب صورته في الداخل والخارج، في ظل الاتهامات الكثيرة الموجهة له، بما يعزز مثل هذا الأمر من نفوذه، ويكرسه قوة مهيمنة في المناطق الكردية في سورية.

2 - جلب اعتراف دولي بالحقوق القومية الكردية في سورية، خصوصاً وأن الحزب أعلن، منذ أكثر من سنة، عن مشروع الإدارة الذاتية التي تضمن إقامة ثلاثة كانتوتات في القامشلي  وعفرين وكوباني (عين العرب)، شكلاً من أشكال الحكم المحلي، حيث تواجه هذه الإدارة صعوبات وتحديات كثيرة، بسبب الحصار والظروف الحياتية الصعبة، فضلاً عن الوضع الأمني المتفجر.

3 - من شأن هذا الدعم جعل القضية الكردية في سورية على طاولة المشهد السياسي السوري المستقبلي، وضرورة إقرارها في أي حل للأزمة مستقبلاً.

من دون شك، يواجه تطلع الكرد إلى تحقيق هذه الأهداف عقباتٍ كثيرة، على شكل محاذير، تتعلق، أولاً، بالشكوك الغربية الكثيرة لجهة علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالنظام السوري، والحديث عن وجود تنسيق بين الجانبين، تجلى في إخلاء النظام مواقع ومقار عديدة له في المناطق الكردية، وسيطرة الحزب عليها، من دون صدام أو مواجهة. ومن جهة ثانية، الحزب في الأساس هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، بقيادة عبدالله أوجلان، المعتقل في تركيا منذ خمسة عشر عاماً، وهو المصنف في قائمة الإرهاب. وعليه، فإن أي دعم غربي لأكراد سورية يواجه برفض تركي، لأسباب تتجاوز الأزمة السورية إلى السياسة التركية، تجاه القضية الكردية في عموم المنطقة، والصراع الجاري مع حزب العمال الكردستاني، والخوف التركي الدفين من ولادة إقليم كردي ثانٍ، على حدودها الجنوبية. ومن جهة ثالثة، له علاقة بالعلاقة المتوترة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وباقي فصائل المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، بما في ذلك الائتلاف السوري المعارض.

ولكن، على الرغم من هذه المحاذير، من الواضح أن معركة كوباني قرّبت بين الجانبين كثيراً، إلى درجة أن الولايات المتحدة، الحليفة الاستراتيجية والتاريخية لتركيا، دخلت في معركة كسر عظم مع أنقرة، بشأن تسليح المقاتلين الكرد في كوباني، على الرغم من رفض الأخيرة التي اعتبرت المقاتلين الكرد إرهابيين، مثل داعش، كما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. ما يعني أن واشنطن باتت تنظر إلى كرد سورية حليفاً موثوقاً، يمكن الاعتماد عليه، كما يمكن أن يلعب دوراً فاعلاً في المرحلة المقبلة، على غرار أكراد العراق، في إطار استراتيجيتها لمحاربة داعش.

الثابت، هنا، أن الانفتاح الغربي على كرد سورية يعكس استراتيجية المصالح والأولويات، وهي استراتيجيةٌ فرضتها ضرورة الحرب الجارية ضد داعش. وعليه، فإن ما سبق يطرح أسئلة استراتيجية بشأن علاقة الغرب بالكرد وقضيتهم، على نحو: هل الانفتاح الأميركي على كرد سورية يأتي من زاوية أولوية الحرب ضد داعش فقط، أم أنها تعكس سياسة جديدة تجاه القضية الكردية، كقضية شعب له حقوق وتطلعات، تتجاوز لحظة الحرب ضد داعش، إلى المستقبل؟ لعل الإجابة عن السؤال أعلاه ستطرح مئات الأسئلة عن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وعلاقاتها بحلفائها، ولا سيما تركيا التي تعيش حرب أولويات مع واشنطن.

55B32DF5-2B8C-42C0-ACB3-AA60C835F456
خورشيد دلي

كاتب سوري، عمل في قنوات تلفزيونية، صدر له في 1999 كتاب "تركيا وقضايا السياسة الخارجية"، نشر دراسات ومقالات عديدة في عدة دوريات وصحف ومواقع إلكترونية.