الغاز الإسرائيلي وهدف السيسي

27 فبراير 2018
+ الخط -
في يونيو/ حزيران 2005 وقعت الحكومة المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، اتفاقية تصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى الكيان الصهيوني لمدة 20 عاماً بثمن يتراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، في الوقت الذي وصل فيه سعر الكلفة إلى دولارين وخمسة وستين سنتاً. وقعها في القاهرة سامح فهمي، وزير البترول المصري، وبنيامين بن إليعازر، وزير البنية التحتية الإسرائيلي. كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات.

وقد ظل سعر توريد الغاز ثابتاً مدة العقد، في الوقت الذي تغيرت فيه أسعار الغاز العالمية لتراوح بين 3.5 دولارات، 11 دولارا لكل مليون وحدة حرارية. وقد تقاسم السعر مع الحكومة المصرية وسيط كان يتولى شراء الغاز من الحكومة وبيعه للكيان، وهي شركة غاز شرق المتوسط الخاصة، ومالكها حسين سالم، صديق مبارك ورجل الأعمال المقرب منه، وشريكه الإسرائيلي يوسي ميمان، والذي كان يبيعه بقيمة 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بما يعني أن الحكومة المصرية المالكة للغاز والمتحملة لتكاليف الإنتاج تحصل على دولار واحد، والوسيط يحصل على 1.5 دولار، من أجل أن يقوم نظام مبارك بالتغطية على تصدير الغاز للكيان، الذي يدعي عداوته!

في الوقت الذي وقع فيه مبارك الاتفاقية مع إسرائيل، بهذا الثمن البخس، وتلك الخيانة البينة، كان قد رفض بيعه لتركيا بأسعار أكثر من ذلك بكثير، وهو ما كان سيعود على مصر بكثير من الفوائد الاقتصادية، والمالية، ولكنه استجاب للضغوط الدولية عليه.


إذا تحدثنا بلغة السيسي الرياضية، فإن إسرائيل قد أحرزت هدفاً احترافياً في مرمي حسني مبارك، الذي ترك لها الشباك خاوية، وأزاح من أمام مهاجميها كل من وقف صداً منيعاً وحائط دفاع عن حقوق بلاده وشعبه في غازه، كما أوقف كل البلاغات التي قدموها للمحاكم. بذلك تكون إسرائيل قد حصلت على الغاز المصري مجاناً، لتقوم بنهضتها العسكرية، والاقتصادية، والصحية، والعمرانية، بسبب هذه الصفقة المشبوهة، وازداد الشعب الذي حباه الله الغاز في أرضه، ليتوسع رزقه، ويقل فقره، ازداد فقراً وكبتاً وقهراً!

ولم يكتف مبارك بهذه الصفقة، ولكنه قام بالتوقيع على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص وإسرائيل، وتقسيم المياه الاقتصادية، ما أتاح لقبرص وإسرائيل استغلال حقول الغاز العملاقة والمكتشفة في مناطق تؤكد التقارير الجغرافية بأنها تعود ملكيتها لمصر، وأعلنت إسرائيل بعدها اكتشاف حقل غاز ليفياثان العملاق، وهو الواقع في حدود مصر ويبعد فقط عن ساحل مدينة رأس البر المصرية 190 كيلومترا، كما يبعد عن ساحل مدينة حيفا الفلسطينية مسافة 235 كيلومترا فقط. لتحرز إسرائيل هدفاً آخر في تلك الشباك الفارغة من الحراس والمدافعين.

ويدور الزمان دورته، ويتغير الممثل والدور واحد لا يتغير، بحيث تكون إسرائيل هدفاً مركزياً يطلبون رضاه، وتحقيق مناه. يسعى الخلف في ذلك على منهج من سلف، بل ويسبق التلميذ أستاذه في الانبطاح والخضوع، ويطلب الرضا مهما كان الثمن، ولو كان لبن العصفور! وفعل السيسي ما لم يستطع مبارك ولا غيره أن يفعله، ففرغ سيناء من أهلها، وأزال شجرها وحجرها، وجرف زرعها وضرعها، وسجن وقتل كل من عارض، وسالت الدماء أنهاراً في رمال أرض الفيروز.

وتسرق إسرائيل الغاز من حقول المتوسط جهاراً نهاراً، عياناً بياناً، بل وبمعاونة صاحب الأرض والبئر، لتتبدل الأدوار، وتتغير الأحوال، ويقوم مستورد غاز الأمس ببيعه للمصدر نفسه، وسبحان مغير الأحوال!

وتبرم إسرائيل اتفاقية مع مصر لتوريد 64 مليار متر مكعب من الغاز المسروق منها، لمدة 10 سنوات، بمقدار 15 مليار دولار، وقعت عليها كل من شركتي نوبل الأميركية ودليك للحفر، وشركة دولفينوس المصرية للطاقة التي يترأسها رجل الأعمال علاء عرفة والمقرب من النظام. خرجت على أثرها السفارة الإسرائيلية في القاهرة تحتفي بها وتصفها بالاتفاقية التاريخية، ووصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأنها تاريخية، ويوم عيد لإسرائيل، مضيفاً: "ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة الإسرائيلية، التي ستُصرف لاحقاً على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين، بما يعزز من أمن تل أبيب، واقتصادها وعلاقاتها الإقليمية".

وسوف يتم نقل الغاز عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط نفسه، والذي كانت مصر تنقل الغاز عبره إلي إسرائيل، كي لا يتحمل الكيان تكاليف نقل الغاز، وإنشاء خط أنابيب جديد.

يقف المصريون متعجبين، ومصدومين، من أثر وقع خبر هذه الكارثة عليهم بعدما بشرهم السيسي وجهازه الإعلامي في 2017 ببدء إنتاج الغاز من حقل "ظهر" الواقع قبالة المياه الإقليمية المصرية، وكان قد أكد وزير البترول، طارق الملا، دخول المرحلة الأولى من الحقل حيز الإنتاج في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بكميات تصل إلى مليار قدم مكعب من الغاز. واحتفل الإعلام بهذا الإعلان والاكتشاف، ووعدوا المصريين بأن مصر ستصبح من أكبر موردي الغاز في العالم. ثم تبين أنها كلها كانت أكاذيب كبرى.

لا عجب أن يخرج علينا نتنياهو فرحاً مسروراً، رافعاً كلتا يديه متهللاً ومهرولاً في ملعب الصفقة يُحيي جماهيره المغتصبة والمتعطشة للتطبيع والأمان، ويعتبرون يومها عيداً، كما يجري كل لاعب محترف أحرز لفريقه هدفاً غالياً ظل الفريق وجماهيره متعطشون له زمناً.

أما العجيب والغريب أن يخرج علينا السيسي بعد أن دخلت الكرة شباكه، متهللاً هو أيضاً وفرحاً مسروراً، مبشراً المصريين بأنه قد أحرز هدفاً. ولا أدري هل أفاق بعد أن سمع صيحات نتنياهو وعرف بأن الهدف كان في مرماه؟ أم لا!

أما عن جماهير المصريين الذين شاهدوا المباراة، وتابعوا الهدف يدخل في مرماهم، ثم سمعوا لاحقاً لاعبهم وهو يبشرهم بإحرازه الهدف، ما هو شعورهم؟ وماذا هم فاعلون؟ فالعلم عند الله!
F9564B83-FF50-486A-9BC1-A882E1477F2C
وليد شوشة

كاتب مصري مهتم بالفكر والسياسة ورفع الوعي وإعادة تشكيل العقل العربي ليتناسب مع المعطيات الجديدة.يقول: أنا سائح يطلب الحقيقة وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس ومواطن ينشد لوطنه الكبيرالكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة.