تُراهن إسرائيل على الدور الذي يُفترض أن تلعبه اكتشافات الغاز الضخمة في المياه التي تزعم أنها تشكل "مياهها الاقتصادية"، في تعزيز واقعها الجيوستراتيجي ومكانتها الإقليمية، إضافة إلى تمكينها من تعميق الشراكة الاستراتيجية مع الدول التي تشكل "محور الاعتدال" العربي.
ويتضح من الجدل الإسرائيلي الداخلي أن صنّاع القرار في تل أبيب، ينطلقون من افتراض مفاده أن اضطرار كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية إلى استيراد الغاز الإسرائيلي، يمنح تل أبيب القدرة على التأثير في القرار السياسي في القاهرة وعمان ورام الله.
ويرى الخبير الاستراتيجي الصهيوني، أمير فوستر، أن قرار مصر والأردن والسلطة الفلسطينية استيراد الغاز من إسرائيل، سيعمّق الشراكة بين إسرائيل وهذه الأطراف في مواجهة التهديدات المشتركة، ولا سيما الحركات الإسلامية، فضلاً عن أن هذا التطور سيسهم في استقرار المنطقة، وسيجنّب تل أبيب تداعيات مواجهة مزيد من التحولات على الإقليم.
وفي تحليل نشرته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، الثلاثاء، وصف فوستر الغاز بأنه "الوسيط السياسي الصامت والفعال"، الذي بات يؤدي دوراً فعالاً في إرساء علاقات إسرائيل الإقليمية.
ولا يفوت فوستر التذكير بأنه لم يكن أمام إسرائيل من فرص لتصدير غازها إلا لكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، على اعتبار أن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مناطق بعيدة، كأوروبا مثلاً، يتطلب تدشين الكثير من مرافق البنى التحتية التي تحتاج وقتاً وتستنفد إمكانيات مالية ضخمة. ومن هذا المنطلق، فإن فوستر يوضح أن تصدير الغاز إلى الأردن ومصر والسلطة، سيُسهم في تعجيل تمتّع إسرائيل بعوائد التصدير المالية.
ويلفت فوستر إلى حقيقة أن تعاون إسرائيل مع "القوى العربية المعتدلة" في تدشين مشاريع مشتركة لإنتاج الطاقة، اعتماداً على الغاز والتقنيات الإسرائيلية، يزيد من وزن ومكانة تل أبيب في الإقليم.
ويشدد على أن "انهيار" قطاع الطاقة في مصر في السنوات الماضية، حسّن من قدرة إسرائيل على المناورة في مواجهة مصر وزاد من ارتباطها بالغاز الإسرائيلي.
ووفق فوستر، فإن ما يزيد حاجة القاهرة للغاز الإسرائيلي، حقيقة أن مصر تُعتبر من أكثر الدول الأفريقية طلباً على الغاز الطبيعي، إذ وصل استهلاكها للغاز الطبيعي في نهاية 2012، إلى 53 مليار متر مكعب، وهي بالتالي تستهلك 42 في المائة من كمية الغاز المستهلكة في أفريقيا.
ويوضح الخبير الاستراتيجي الصهيوني، أن ما زاد الأمور تعقيداً في مصر، حقيقة أن الاعتماد على الغاز كمصدر لإنتاج الطاقة، تعاظم بشكل كبير خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، إذ أصبح إنتاج 53 في المائة من الطاقة يعتمد على الغاز، ولا سيما الكهرباء.
ويشير فوستر إلى أن نقطة التحول التي أفضت إلى اضطرار مصر للاعتماد على الغاز الإسرائيلي، تمثّلت في تعاظم حالة عدم الاستقرار، وهو ما أسهم في تراجع حماس الشركات العالمية في الاستثمار في تطوير قطاع الغاز في مصر.
ويلفت إلى أن الحكومة المصرية عجزت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشركات الأجنبية، إذ بلغ حجم التزامات الحكومة المصرية لهذه الشركات أكثر من ستة مليارات دولار، موضحاً أن هذا الواقع دفع الحكومة المصرية إلى الموافقة على السماح لهذه الشركات باستيراد الغاز من إسرائيل، إذ تتولى هذه الشركات مهمة إسالة الغاز، مقابل تنازلها عن جزء من مستحقاتها المالية على الحكومة المصرية.
ويرى فوستر أيضاً أن حاجة الأردن إلى الغاز الإسرائيلي باتت كبيرة، ولا سيما عقب عمليات التخريب التي استهدفت الأنبوب الذي ينقل الغاز المصري إلى الأردن، مشيراً إلى أن احتياجات الغاز تُكلف خزينة الدولة الأردنية 1,6 مليار دولار، وهو ما يمثّل 6 في المائة من الإنتاج القومي الإجمالي للمملكة.
ووفق فوستر، فإن إسرائيل تُعتبر المؤثر الرئيس على قطاع الطاقة في السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن إسرائيل ستزوّد محطة الطاقة التي قررت السلطة الفلسطينية إقامتها بالقرب من جنين، أقصى شمال الضفة الغربية، بـ4,75 مليار متر مكعب من الغاز. وهناك من يرى أن تحوّل إسرائيل إلى دولة مصدرة للغاز سيمنحها الفرصة لتحسين مكانتها الدولية بشكل جذري.
ويوضح الرئيس الأسبق لشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يسرائيل زيف، أن التعاون مع روسيا في مجالات التصدير وتطوير تقنيات تُحسّن من فاعلية استغلال الحقول المكتشفة، سيعزز العلاقة بين تل أبيب وموسكو. ويشدد زيف على أن نجاح إسرائيل في العثور على أسواق لها في جنوب شرق آسيا وأوروبا مستقبلاً سيعزز من مكانتها الدولية بشكل مؤكد.