العنف الإنساني والعنف المضاد

31 مارس 2019
+ الخط -
من أين جاء سفاح نيوزيلندا؟ الأرجح أنّ الموجة التي تجتاح عالمنا المعاصر هي موجة الكراهية، كراهية الإنسان للإنسان طبعا، وليس للحيوان أو للطبيعة بكل أشكالها، فالعنف شكل إنساني محض، فليس من قبيل المصادفة أننا عندما نقلب صفحات التاريخ الإنساني، خصوصا بعد عصر الديناصورات، نجد تاريخا قاتما، لنعلم أن ديناصورا متحضرا يدعى الإنسان جسّد مراحل العنف المدمرة، تلك البادية على كل أصناف الحياة، فهل سبق أن سمعنا أو رأينا جماعة من الأسود أو القردة أو الفيلة أو غيرها من الحيونات اللاحمة أو العاشبة، شنّت حربا، وجها لوجه، على جماعةٍ مقابلةٍ لبني جنسها؟ هذه خاصية إنسانية محضة، فكل التاريخ البشري يعبر عن هذه المجزرة العظيمة، فالإنسان يقتل الإنسان، وقد يكون أخاه، فمنذ مأساة بداية الخلق مع أبناء آدم، أو ابن أخته، مأساة المهلهل بن أبي ربيعة مع أبناء أخته ضباع، أخو هند بنت أبي عتبة، الابن في صف الإسلام والأب في صف قريش... والتاريخ لا يرحم من هذه الأمثلة، حيث تناسلت حروب بني البشر بين الدين والدين، ومصدره إله واحد، أو لسبب اقتصادي أو على الأرض أو لسبب عصبي، سببه الدم. إذن نظرية ابن خلدون "العصبة، الدين، الغنيمة" جسّدت هذه الروح المطلقة للتاريخ.
انفجر العالم بعد الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وسمّى ذلك الفيلسوف، ثيودور اويزرمان، في قراءته الفيلسوف الألماني، مارتن هيدغر، أن ذلك يسمى الانفجار الثاني الذي شهده العالم بعد القنبلتين الذريتين على مدينة هيروشيما ونكازاكي اليابانيتين على الإنسانية بعد الانفجار الأول للمادة أو الهيولى المشّكلة للعالم القديم، حسب تلك النظرية، فالعالم بدأ إذن بانفجار وسينتهي بانفجار، فحقيقة الوجود الإنساني لا تريد أن تؤمن بالحقيقة الدينية، بل تريد اقتراح نهاية أخرى بين طهارة العرق والدم والعصبية التي ميزت كل التاريخ، ومهدت للطبقية العنيفة والطهرانية التي تدّعي الأولوية في الخلق، ثم الحرب بكل أطيافها، خاصة ابنها البار المسمى "الإرهاب".
من هنا جاء سفاح نيوزيلندا وغيره من الإرهابيين، إلا أن البيئة المناسبة التي تكلفت بتنشيطهم وتنميتهم تسمى "الإنترنت"، إذ تحدث الكاتب نايجل ووربيرتن، في كتابه "حرية التعبير" عن بعض مخاطر الإنترنت، حسب، ريتشارد بوسنر، حين حدّد أربع سمات لهذه الوسيلة الجديدة الخطيرة: الجهل بالهوية، غياب مراقبة الجودة، الجمهور المحتمل الضخم، عثور المعادين للمجتمع على أصدقاء لهم.
وبالفعل، فمكان السفاح الذي قتل أبرياء داخل المسجدين في نيوزيلندا، في هذه الفقرة، فالعداء للمهاجرين أو للمسلمين أو تفضيل العرق الأبيض السامي على بقية الأجناس الأخرى، تكاثر في هذا العامل، والذي جهزه للقيام بفعلته النكراء، والكلام هنا يتخطاه إلى أشباهه من كل المنطلقات.
ماء العينين
ماء العينين
ماء العينين سيدي بويه
أستاذ الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي في المغرب، حاصل على الإجازة في الفلسفة العامة، وكاتب مقالات وتحليلات سياسية وقراءات في التاريخ المغربي والإسلامي. يعرّف عن نفسه، بالقول: "باحث عن المعرفة النقدية و مدافع عن حقوق الإنسان ومهتم بشؤون المجتمع العربي والإسلامي".
ماء العينين سيدي بويه