انتقل الانقسام الأميركي الذي استعر على وقع سجال الرئيس، دونالد ترامب، مع نجوم كرة القدم من اللاعبين ذوي الأصول الأفريقية حول احترام العلم الأميركي والوقوف احتراماً للنشيد الوطني، إلى داخل المؤسسة العسكرية الأميركية، مع إعلان أكاديمية القوات الجوية في كولورادو أنها تحقق في حادثة تعرض خمسة طلاب سود في الأكاديمية لتحرشات عنصرية داخل حرم الكلية الحربية.
وقال متحدث عسكري باسم البنتاغون، إن شتائم عنصرية وجدت صباح الإثنين الماضي على أبواب غرف الجنود الأميركيين السود، إثر وصول المواجهة بين الرياضيين والرئيس إلى ذروتها، حيث شهدت ملاعب كرة القدم الأميركية، يوم الأحد الماضي، ردة فعل قوية على تهديدات ترامب للاعبين، والضغط على أصحاب النوادي من أجل طردهم. وتحول ركوع اللاعبين عند بث النشيد الوطني الأميركي إلى ظاهرة عامة شارك فيها مئات اللاعبين احتجاجاً على العنصرية ضد الأقلية الأفريقية في الولايات المتحدة.
وانتشر في وسائل الإعلام الأميركية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي خطاب مسجل للكولونيل في الأكاديمية العسكرية، جاي سيلفيريا، وهو يتحدث لطلاب الكلية بعد الحادثة متعهداً باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المتورطين، وقال موجهاً كلامه للجنود: "إن أي عسكري لا يمكنه التعامل باحترام مع زملائه العسكريين مهما كان لونهم أو دينهم أو انتماؤهم العرقي عليه مغادرة الجيش الأميركي فوراً".
وقال سيلفيريا إن العنصرية خط أحمر في المؤسسة العسكرية الأميركية، مؤكدا أن السلطات القضائية العسكرية لا يمكن أن تتهاون في قضايا تتعلق بالعنصرية.
وأشاد معلقون على مواقع التواصل الأميركية بخطاب الجنرال، ودعوا ترامب إلى تبني خطاب توحيدي مماثل. وعن تهديد الجنرال بطرد من لا يحترم الانتماءات الإثنية للآخرين، قال المدون مايكل ريتشي: لقد اعتقدت أنه يوجه خطابه لدونالد ترامب. عليك المغادرة. على الأقل يمكننا أن نأمل بذلك".
وخلال خطاب في ولاية الباما، الأسبوع الماضي، اعتبر ترامب أن عدم وقوف عدد من لاعبي كرة القدم احتراماً للعلم والنشيد الوطني هو إهانة للجنود الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن وعن الشعب الأميركي. وقد أثارت تصريحات الرئيس ردود فعل وانتقادات اتهمته بالعنصرية ضد السود.
ورغم صرامة القوانين العسكرية في الجيش الأميركي التي لا تسمح بأي شكل من أشكال الاحتكاك العنصري، وتمنع الجنود من التعبير عن ميولهم العقائدية أو الدينية أو السياسية خلال مهامهم في الجيش، فإن تداعيات الانقسامات العنصرية في المجتمع الأميركي التي تصاعدت في الأعوام القليلة الأخيرة، وبلغت ذروتها مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، انعكست على الأجواء داخل المؤسسة العسكرية.
وتمنع القوانين العسكرية الأميركية الجنود من التعبير عن آرائهم السياسية وهم في لباسهم العسكري أو خلال أداء المهمات العسكرية. كما يمنع قيام تجمعات وشلل ذات طابع حزبي داخل المؤسسة العسكرية وفي الثكنات.
وانتصرت محكمة أكاديمية "وست بونت" العسكرية التابعة للجيش الأميركي لقضية 16 مجندة من أصول أفريقية، في العام الماضي، وبرّأتهن من تهمة خرق القوانين العسكرية التي وجهت إليهن بعد انتشار صورة جماعية التقطت لهن لمناسبة تخرّجهن من الأكاديمية.
وتظهر الفتيات بالصورة التذكارية التي انتشرت بكثافة على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، وهن بزيّهن العسكري ويرفعن قبضاتهن في الهواء. وهذا ما اعتبره مدوّنون من المجموعات الأميركية اليمينية ترويجاً سياسياً لحركة "بلاكز لايفز ماتر" المدافعة عن حقوق الأميركيين من أصل أفريقي، والتي انطلقت بعد مقتل شاب أسود برصاص شرطي أبيض في فيرغسون في ولاية ميسوري عام 2014.
وانتقدت مواقع على شبكة الإنترنت ووسائل إعلام الأميركية قرار المحكمة العسكرية تبرئة المتخرّجات، وقالت إن قبضات الفتيات المرفوعة في الصورة وزيهن العسكري تشبه إلى حد بعيد صور انتشرت في ستينيات القرن الماضي لمليشيا الفهود السود المسلحة التي شكلها الأميركيون من أصل أفريقي، للدفاع الذاتي ومواجهة الاعتداءات العنصرية من المتطرفين البيض.
وذهب بعض المتشددين البيض إلى اتهام السلطات العسكرية بممارسة التمييز العنصري ضد البيض والانحياز لمصلحة الأقلية ذات الأصول الأفريقية، وحذّروا من أخطار انتشار أجواء عنصرية داخل المؤسسة العسكرية. ويقارن هؤلاء بين قرار المحكمة العسكرية تبرئة المجندات وبين قرارها المتوقع فيما لو أن القضية تتعلق بصورة تذكارية لمجندين أو مجندات بيض احتشدوا تحت علم الفدرالية. في هذه الحال، ووفق وجهة النظر نفسها، تعتبر الصورة فعلاً عنصرية ويحاكم الجنود ويعاقبون وتتعالى أصوات المندّدين وتنظّم التظاهرات المدافعة عن حقوق الأقليات.
في المقابل حظيت صورة المجندات المحتفلات بحصولهن على رتب عسكرية في الجيش الأميركي بتعاطف واسع على شبكات التواصل الاجتماعي انتقل إلى الأوساط العسكرية. وأعاد آلاف الناشطين والمدنيين نشر الصورة على نطاق واسع وأجمع المؤيّدون على أن الفتيات أردن برفع قبضاتهن إظهار مدى افتخارهنّ بالانتماء إلى الجيش الأميركي.
ويشير الجدل الذي أثارته صورة المجندات إلى مدى الاحتقان العنصري في المجتمع الأميركي والذي بات يهدد المؤسسة العسكرية.
وتفاقم التوتر العنصري لدى البيض في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد إعادة انتخاب باراك أوباما لولاية رئاسية ثانية عام 2012. وأظهر استطلاع رأي نشر العام الماضي أن نحو ستين في المئة من الأكثرية البيضاء في الولايات المتحدة يشعرون بأنهم عرضة للتمييز العنصري أكثر من ذوي الأصول الأفريقية.
ولا يخفى أن ظاهرة ترامب السياسية تعبر بشكل أساسي عن حالة الاحتقان العنصري التي أصابت البيض الأميركيين خلال ولاية أوباما. وقد أجج انتخاب ترامب الأجواء العنصرية، فاعتبر العنصريون البيض ذلك انتصاراً لهم، خصوصاً مع تعيين ترامب رموز اليمين مثل ستيف بانون في أعلى المواقع في البيت الأبيض.
وانتعشت مجموعات اليمين وخرجت إلى العلن مجموعات "النازيون الجدد" و"kkk". ولعل المواجهة العنصرية الأخيرة في مدينة تشارلوتسفيل في فرجينيا واحدة من ذروات الهيجان العنصري الأميركي.
وما زالت المؤسسة العسكرية الأميركية، بتأييد واسع من قبل الأميركيين، تحرص على الابتعاد عن الانقسامات السياسية، التي يدرك الجنرالات المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها، فيما لو انتشرت بين الجنود المنتمين إلى كافة الألوان والديانات والإثنيات العرقية.