العملية التركية تكشف عجز فرنسا عن التأثير في سورية

16 أكتوبر 2019
لا يزال ماكرون يجد نفسه أمام إمكانية تأثير محدودة(الأناضول)
+ الخط -
لا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجد أن تأثيره الدولي ليس كبيرا وحاسما، كما يحاول أن يصوّر أثناء اللقاءات الدولية، وكما حاول لقاء مجموعة السبع، الذي انعقد في فرنسا، مؤخرا، أن يقدّم للعالَم.

وليس الملف النووي الإيراني، الذي راهَن الرئيس الفرنسي على إيجاد حلّ له، هو الملف الوحيد الذي فشل فيه الرئيس الفرنسي والدبلوماسية الفرنسية، لحد الآن، رغم كل الجهود التي بذلها الفرنسيون، والتي اصطدمت بمواقف أميركية غير مساعدة.

ولعل اعتقال السلطات الإيرانية أحد الباحثين الفرنسيين، رولان مارشال، وزوجته الباحثة الإيرانية فاريبا عادل خان، دليل على أن العلاقات ليست جيدة كما يبدو، وأن كثيرا من القضايا لا تزال عالقة، إضافة إلى حذر السلطات الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الإيراني، من تذبذب الموقف الفرنسي، ومحاولته التوفيق بين مواقف متضاربة.


ويأتي التوغل التركي الجديد في سورية بهدفه المعلن، وهو القضاء على تهديد المليشيات الكردية، ليكشف، أيضاً، أن فرنسا عاجزةٌ عن فعل شيء لإيقاف العملية التركية رغم تواجدها العسكري في هذه المنطقة، ورغم تأكيد الرئيس ماكرون ومسؤولين فرنسيين آخرين، على أن الهجوم يضرب المصالح الفرنسية ويضرب بعرض الحائط سنوات كاملة من "مكافحة داعش والإرهاب".

ولا بد أن الكثيرين اكتشفوا أن رد الفعل الفرنسي، المتعلق بحظر بعض الأسلحة، أتى بعد الموقِفَيْن الهولندي والألماني. وسيبحث الرئيس ماكرون، اليوم، في تولوز، في لقائه مع أنغيلا ميركل، إلى جانب قضايا عديدة، منها "بريكست" وتركيبة الاتحاد الأوروبي، التوصل لموقف موحد تجاه الحليف الأطلسي، تركيا.

ولم يجد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، صباح اليوم، في لقاء له مع قناة "بي إف تيفي"، من رد فعل سوى انتقاد المواقف الأميركية المتناقضة والمتذبدبة، قائلا "يوجد اضطرابٌ في العلاقات مع الأميركيين"، ورأى في الهجوم التركي: "بابا مفتوحا أمام داعش".

وحاول الوزير الفرنسي أن يطمئن الفرنسيين إلى أن معسكرات أسرى "داعش"، وخلافا لكل ما راج من قبل، "لا تزال بين أيدي الأكراد". واعتبر أن الأسرى من الأطفال لا يزالون بعيدا عن متناول القوات الفرنسية، في حين أن أمهاتهم اللواتي غادرن فرنسا بمحض إرادتهن، فيتم التعامل معهن على أنهن "مقاتلات"، وينطبق عليهن ما ينطبق على الرجال.

وفي بادرة تهدئة تجاه الأتراك، أكد أنه يجب على الأكراد السوريين أن يُعبّروا، صراحة، عن موقفهم من تنظيم "حزب العمال الكردستاني"، المصنف دوليا على لوائح الإرهاب.
وكشف جان-إيف لودريان عن أنه سيقوم قريبا بزيارة إلى العراق تكون مناسبة للقاء الأكراد السوريين وأيضا العراقيين، الذين تربطهم بفرنسا علاقات جيدة.


وبينما يستعد الأتراك لاستقبال وفد أميركي رفيع، ويستعد الرئيس التركي لزيارة موسكو، لا تملك فرنسا سوى سلاح العقوبات التجارية، كما أكد رئيس الحكومة إدوار فيليب، أمس الثلاثاء، 15 أكتوبر/تشرين الأول، أمام نواب برلمانيين، منحازين في أغلبيتهم الساحقة للأكراد، ولا يتورع بعضهم، كما هو حال الوسطي جان كريستوف لاغارد، من حزب "الاتحاد الديمقراطي للمستقلين"، في تمجيد العلاقات الفرنسية الكردية، والمطالبة برد فرنسي قوي على الأتراك، أو مثل سياسي يميني آخَر، وهو هيرفي موران، الذي يطالب بتجميد عضوية تركيا في الأطلسي.

وفي انتظار عقوبات اقتصادية أميركية صارمة على الأتراك لدفعهم على وقف هجومهم، لا يملك الفرنسيون، وعلى رأسهم ماكرون، الذي لا تنقصه الأفكار في القضايا الدولية لكن في ظل غياب القوة على تنفيذها على الأرض، سوى الانتظار، والتحسر على الفُرَص الضائعة في الملف السوري، وهي عديدة، وقد جرَّبتها فرنسا في ظل حكم فرانسوا هولاند، وترددات الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ربما يتحسر الرئيس الفرنسي، دون تصريح بذلك، من وجود حليف أميركي لا يتورع عن التعامل بلغة "تويتر"، وإهانة الأصدقاء. وفي قاموس الإهانات الجديد، تشبيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل يومين، لصديقه إيمانويل ماكرون بنابوليون بونابرت. وكثيرٌ من الخبثاء لا بد أنهم ركزوا على بونابرت الذي هزمه الصقيع الروسي، واعتقله البريطانيون حتى قضى في أحد سجونهم.

المساهمون