وقتها، أضرب نحو 200 ألف عامل أميركي عن العمل من أجل أن يقتصر دوام العمل اليومي على 8 ساعات فقط. لكن السلطات الأميركية قررت أن يكون احتفالها بيوم العمال في سبتمبر/ أيلول، لتجنب أي ارتباط بشعارات تضامن عمال العالم الاشتراكية، وكذلك من أجل الابتعاد عن مايو/ أيار الذي شهد أحداثاً دامية خلال الأيام التي تلت الإضراب.
وعلى الرغم من انزعاج كثير من الأميركيين من فكرة قدوم مزيد من المهاجرين، من أي جنسية، إلى بلادهم، كونهم "يأخذون وظائفهم، ولا يدفعون ضرائب، ويستنزفون الاقتصاد"، إلا أن طبيعة الولايات المتحدة، الدولة التي قامت بالأساس على المهاجرين، تحول دون إيقاف الهجرة إليها، حتى مع وجود ترامب في البيت الأبيض.
وعلى الرغم من تزايد القلق من المهاجرين العرب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إلا أن فشل ثورات "الربيع العربي"، وظهور نسخ أسوأ من النسخ التي تمت الثورة عليها في معظم البلدان، مع تزايد القبضة الأمنية في دول لم يمتد إليها الربيع، تسببت جميعها في تزايد أعداد المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة، خاصة اعتباراً من عام 2011.
ومن دون المهاجرين، تتوقع مؤسسة بيو (Pew Projects)، غير الهادفة للربح وغير الحزبية، أن إجمالي عدد من هم في سن العمل في الولايات المتحدة، وهم الذين تراوح أعمارهم بين 25 و 64 سنة، سينخفض من 173.2 مليوناً في عام 2015 إلى 165.6 مليوناً عام 2035، وسيحل محلهم مهاجرون جدد.
وتضيف المؤسسة أنه "إذا ظل المعدل الحالي للهجرة القانونية وغير القانونية كما هو، فمن المتوقع أن يرتفع عدد من هم في سن العمل إلى 183.2 مليوناً بحلول عام 2035".
وفي مارس/ آذار 2018، بلغ عدد العاملين في الولايات المتحدة 126.42 مليون عامل من حوالي 174 مليون شخص في سن العمل، لكن ليس بالضرورة أن يكون جميعهم ممن يرغبون في العمل.
وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مكتب العمل التابع لوزارة العمل إلى أن البطالة في الولايات المتحدة لا تتجاوز 5.4 ملايين أميركي، وبنسبة تقدر بنحو 4.1% ممن يرغبون في العمل ويقدرون عليه، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة دائمة في الوقت الحالي.
ولا تفرق الإحصاءات بين العمال والموظفين، حيث تشمل الأرقام المذكورة كل من يعمل 35 ساعة أو أكثر في الأسبوع، سواء أكان يعمل في بناء العمارات أم تنظيف الشوارع، أم كان مديراً في مصرف أو شركة.
ويقول فريد كيركلاند، الناشط في مجال حقوق العمال، إن "كل من يمكن أن يصبح فقيراً لو ترك عمله، يعتبر عاملاً، وكذلك كل من يمكن فصله من عمله، فهو عامل".
وعلى الرغم من كونه ومعاونيه وأفراد فريقه الانتخابي من أصحاب الياقات البيضاء، فقد استطاع الرئيس دونالد ترامب أن يجتذب أصوات كثير من العمال الأميركيين، بعد أن استغل كرههم التاريخي للحزب الديمقراطي، وتضررهم من اتفاقية "نافتا"، التي فتحت الأسواق الأميركية للعمالة المكسيكية منخفضة الأجر، والتي يطالب ترامب بتعديلها أو إلغائها تماماً.
ويمثل العمال واتحاداتهم، مثل اتحاد سائقي الشاحنات، والاتحاد الوطني للصناع، واتحاد عمال الغزل والنسيج، واتحاد العاملين بالصلب والألومنيوم، واتحادات أخرى كثيرة، جبهات تصويتية كبيرة، يحرص كل رئيس أميركي على اجتذابها إلى صفه.
حتى إن ترامب، في إطار ترويجه لمشروع الإصلاح الضريبي قبل إقراره، حرص على الالتقاء بالعديد من تلك الاتحادات، وسافر إليهم في بنسلفانيا ونورث داكوتا وميسوري، كما قابل بعضهم في واشنطن العاصمة، من أجل الحصول على تأييدهم لمشروعه.
ونظراً إلى طبيعة الولايات المتحدة كبلدٍ مستقبل للمهاجرين منذ نشأته، فلا توجد إحصاءات عن البلد الذي أتى منه العاملون هناك. لكن الإحصاءات تشير إلى أن الأميركيين ممن ولدوا لأب وأم مولودَين في الولايات المتحدة، يمثلون 74% من القوى العاملة، بينما يمثل المهاجرون أو المقيمون للعمل من جنسيات مختلفة، تشمل العرب وغيرهم، نحو 26%. وتتوقع مؤسسة "بيو" أن تتغير تلك النسبة، لتصبح 66% مقابل 34% بحلول عام 2035.
وعلى الرغم من وجود تصور عن اشتغال معظم المهاجرين العرب في وظائف دونية في الولايات المتحدة، فإن الإحصاءات تشير إلى غير ذلك.
وإذا كان مشهد الشباب العربي الواقف خلف عربات الطعام في شوارع وميادين نيويورك يثير الانتباه، فالحقيقة أن أضعاف هذه الأعداد تعمل في وظائف مهمة، سواء في الشركات والمصانع الأميركية، أو في الجامعات والمستشفيات والمؤسسات الدولية المنتشرة في نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا وميشيغن، وغيرها من الولايات، بالإضافة إلى تزايد عدد الشركات الناشئة التي يمتلكها المهاجرون العرب، خاصة من النازحين من بلدان "الربيع العربي".
وبخلاف المعاناة المعتادة التي يتعرض لها المهاجرون الجدد القادمون من كل بلدان العالم، في سبيل الحصول على الإقامة الدائمة والعمل في الولايات المتحدة، تعرض مواطنو بعض الدول العربية لأزمة حظر ترامب دخول مواطني 8 دول، كان من بينها 4 عربية هي سورية وليبيا واليمن والصومال، فأصبح العاملون في الولايات المتحدة من مواطني هذه الدول يخشون الخروج منها، إذ قد يتم منعهم من دخولها مرة أخرى.
وقبل فترة، سلطت شبكة "سي.إن.إن" الإخبارية الضوء على معاوية الديب، الطفل المصري الذي ترك مدرسته عندما كان في الصف السادس، ليعمل 12 ساعة يومياً في مطعم للبيتزا، رغبةً منه في تخفيف الحمل عن والده.
وحضر معاوية إلى الولايات المتحدة مع أسرته، وكان في التاسعة من العمر وقتها، بعد أن تم اختيار والده عن طريق القرعة العشوائية، للحصول على البطاقة الخضراء (Green Card) للإقامة الدائمة فيها، وكان السبب الأساسي لهجرتهم هو البحث عن علاج لأخيه الصغير المصاب بمرضٍ عضال.
بعد سنوات قليلة من وصولهم، حدث تحول كبير في حياتهم، بعد أن تسبب انفجار في المبنى الذي كانوا يقيمون فيه بتدمير شقتهم، التي لطالما عانى الأب لسداد إيجارها، فانتقلت الأسرة بأكملها إلى مأوى للمشردين (على غرار ما شاهدناه في الفيلم العبقري البحث عن السعادة)، الأمر الذي أعفاهم من الكفاح للحصول على ثمن الطعام وإيجار الشقة، فترك الديب عمله، وركز في دراسته، وسرعان ما اكتشف ولعه بعلوم الحاسب الآلي، قبل أن يكمل دراسته ويحصل على شهادة عالية في علوم الحاسب الآلي من جامعة كولومبيا الشهيرة، ليتخرج فيها وينشئ شركته في وادي السيليكون في سان فرانسيسكو.