وحدها السياسة كانت المتغير الرئيسي الذي يواجه العمال اليمنيين في السعودية،كان العامل اليمني في المملكة مستثنى قبل 1990 من "نظام الكفيل"المفروض على العمال الأجانب، لكن السلطات السعودية ألغت الاستثناء على هامش موقف اليمن من أزمة الخليج الثانية 2آب/أغسطس1990،على إثر القرار السعودي،عاد قرابة 850 ألف مغترب يمني إلى بلادهم، وأسهمت عودتهم في إحداث أزمة اقتصادية لليمن بلغت أوجها باندلاع حرب 1994 بين شريكي الوحدة اليمنية علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض.
شهدت العلاقات بين البلدين شبه قطيعة بين (1990، 1995) على خلفية أزمة الخليج الثانية وحرب 94 في اليمن. ووقع البلدان في 1995 "مذكرة تفاهم" بدأت بعدها المياه تعود تدريجيا الى مجاريها وتكللت بتوقيع "اتفاقية جدة" يونيو/حزيران 2000 لترسيم الحدود، التي أنهت صُداعا مزمنا عمره ستة عقود.
نظام الكفالة
بعد "الخروج الكبير" للعمالة اليمنية من السعودية 1990 بسبب نظام الكفالة، تكفلت أوضاع اليمن الاقتصادية القاسية بعودة تدريجية للعمال اليمنيين إلى المملكة وفقا لنظام الكفالة الذي فروا منه في 90. إلى أن وصلت أعداد العمال اليمنيين اليوم أكثر منها قبل 1990 حسب تقديرات غير رسمية. وصارت إجراءات الحصول على فيزا العمل، وتكلفتها الباهظة، أول الصعاب التي تواجه طالبي العمل اليمنيين في السعودية.
تصل قيمة فيزا العمل في السوق السوداء إلى أكثر من 15 ألف ريال سعودي (الرسوم المفروضة رسميا من قبل السعودية 2000 ريال سعودي فقط). ويقوم كثير من اليمنيين باقتراض هذا المبلغ، أو بيع حلي النساء لتوفيره، وعادة ما تكون السنة الأولى في حياة المغترب مخصصة لسداد قرض الفيزا.
أجيال
يتسم الجيل الأول من المغتربين اليمنيين في السعودية بكونه احترف المجال التجاري وأنشأ الشركات الاستثمارية وأصبح بعضهم يحمل الجنسية السعودية، ويبدو أن أبناء حضرموت يمثلون النسبة الأكبر في هذا الجيل. وتحت هذا التصنيف تندرج مجموعات "بن لادن"، "العمودي"، و"بقشان" وغيرها.
أما الجيل الثاني الذي توافد بين (1965، 1990)، فأغلبه عمالة غير ماهرة اندرجت كعمال في قطاع الانشاءات وباعة تجزئة وموظفين في الشركات الصناعية. وكثير منهم عاد في العام 1990.
بعد 1995 بدأت تستقبل السعودية الجيل الثالث من العمالة اليمنية الذي تلقى أغلبه تعليما أساسيا، ونسبة منهم من حاملي مؤهلات جامعية، رغم أن أعمال نسبة منهم، في بلد الاغتراب، موافقة لتخصصاتهم.
من هذه الاجيال الثلاثة تكوّن داخل المملكة العربية السعودية مجتمع يمني يفوق تعداده مليون نسمة لهم علاقاتهم وهمومهم وأفراحهم وأتراحهم.
يتكفل هذا المجموع بأكثر من نصف التحويلات المالية السنوية الواردة إلى اليمن والمقدرة 5 مليارات دولار في 2013 حسب نجيب العديني رئيس منظمة "يمانيو المهجر", علما أن وزير المغتربين اليمني مجاهد القهالي صرح في أكتوبر/تشرين الأول 2012 بأن تحويلات يمنيي الخارج 4 مليارات دولار، وهو رقم يتفوق على عائدات البلد من إنتاج وتصدير النفط.
وحسب احصائية للبنك الدولي نشرتها صحيفة "الرياض" 2 أغسطس/ آب 2013 حلت العمالة اليمنية في السعودية رابعا من حيث العدد بعد الهند ومصر وباكستان بواقع 890 ألف عامل، حسب تقديرات البنك للعام 2010، وسادسا وفق تقديرات العام نفسه من حيث حجم التحويلات المالية بـ4,045 مليارات ريال سعودي سنوي (أكثر من مليار دولار أميركي).
لا يعرف حجم إيرادات المغتربين الفعلية لعدم انتظامها عبر البنوك الرسمية. وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" عبدالملك طاهر المخلافي الذي أعد دراسة عن العمالة اليمنية في السعودية حاز بموجبها درجة الماجستير من جامعة الملك سعود 2009.
ولا توفر الجهات المختصة اليمنية إحصائيات حديثة عن حجم العمالة اليمنية في السعودية، إذ تقول آخر منشورة على موقع وزارة المغتربين إن عدد المغتربين في السعودية 700 ألف، وهو رقم أقل بكثير من الواقع حسب المخلافي.
ويخلص الباحث المخلافي إلى وجود درجة متوسطة من التوافق بين مهارات وقدرات العمالة اليمنية ومتطلبات سوق العمل بالقطاع التجاري السعودي. وكشف في دراسته أن أصحاب العمل والمديرين المشرفين على العمالة اليمنية في المنشآت التجارية السعودية راضون عن أدائها بدرجة كبيرة.
حملة 2013
مطلع خريف 2012 انتهى مجلس الشورى السعودي من إعداد مشروع تعديل للمادة 39 من قانون العمل بما يفضي للتشديد على العمال الذين يمارسون أعمالا عند غير رب العمل (الكفيل)، وأطلق التعديل يد السلطات الأمنية لملاحقة وضبط المخالفين، ما ألحق بالعمالة اليمنية، تحديدا، أضرارا بالغة كون نسبة لا بأس بها من اليمنيين يعملون عند غير كفلائهم.
ووفقا لطه الحميري، رئيس مجلس التنسيق الأعلى للجالية اليمنية في السعودية ورئيس الجالية في الرياض، أسفرت حملة الملاحقات منذ بدء تطبيقها في ابريل/نيسان 2013 وحتى مارس/أذار 2014، عن "ترحيل 200 ألف يمني" مخالف. سواء ممن يعملون عند غير الكفيل أو من الذين دخلوا السعودية عن طريق التهريب، لكن حسين باهميل، أمين عام الجالية اليمنية بالرياض، أكد أن الاجراءات السعودية الأخيرة طالت جميع الجنسيات ولم تتعمد المغترب اليمني دون غيره.
مسؤول سابق بالسفارة السعودية بصنعاء فضّل عدم نشر اسمه، رد على سؤال "العربي الجديد" باقتضاب: "لو كانت اجراءات تصحيح العمالة تستهدف اليمنيين (دون غيرهم) لما كانت عملية صرف فيز عمل جديدة للعمال اليمنيين مستمرة بشكل يومي (في السفارة)".
فيصل محمد العواضي، رئيس الجنة التحضيرية لتصحيح أوضاع الجالية اليمنية، يقول لـ"العربي الجديد": " بالنسبة لأوضاع العمالة اليمنية في السعودية هي أوضاع نظامية بنسبة 95% ان لم تكن تتجاوز ذلك، وأية مخالفات، أو سمِّها ما شئت، ليست جسيمة وأغلبها "العمل عند غير الكفيل" وهذه الظاهرة تقلصت كثيرا في الاونة الاخيرة".
وأشار العواضي إلى وجود بعض الذين يدخلون السعودية بطريقة غير نظامية نظرا لوجود مساحة شاسعة من الحدود المشتركة بين البلدين، وكان يتم في الماضي التغاضي عن هؤلاء لأنهم "لم يكونوا يسببون أية مشكلات أمنية ، لكن الأمر اختلف بسبب وجود استهداف امني لليمن والمملكة على حد سواء وتحولت اليمن الى منفذ يعبر منه غير يمنيين الى السعودية".
وحسب رأي العواضي فإن الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها المملكة كانت في صالح اليمنيين حيث ألزمت كفلاءهم بتوفير الاعمال المناسبة لكل فرد بمؤهلاته وخبراته، وتم تعديل مِهنهم من عمالة كانت في الغالب عادية الى مهن يمارسوها حقيقة، الى جانب كفالة اجورهم وكافة مستحقاتهم بموجب نظام حماية الاجور.
دور الجالية والوزارة
تكاد غالبية المغتربين اليمنيين الذين استطلع آراءهم "العربي الجديد" في السعودية، يجمعون على غياب دور إيجابي لوزارة المغتربين وسفارة اليمن بالرياض والجالية اليمنية بالسعودية.
"لا يوجد دور يذكر لا للجالية ولا للسفارة التي بدل أن تكون عاملا إيجابيا أصبحت عاملا سلبيا ليس منها فائدة تذكر غير سرقة المغترب في كل زيارة الى السفارة وفي أية معاملة لابد من حق ابن هادي (رشوة بالتعبير اليمني)". يضيف المغترب عبدالرحمن الدعيس: "اما الوزارة فحدّث ولا حرج فقد سمع المغترب جعجعة من الوزير الجديد (مجاهد القهالي) ولم ير طحينا، حتى المكتب الذي فتح لمتابعة قضايا اليمنيين أغلق بسبب عدم التزام الوزارة بتسديد مستحقات المحامين". في إشارة إلى مكتب محاماة كانت وزارة المغتربين أنشأته قبل سنوات بغرض متابعة مظالم العمالة في السعودية.
المغترب باسل الدبعي يرى أن "الدور السلبي للجهات المعنية اليمنية، ينعكس سلبا على كرامة المغترب". ومثله المغترب سمير الصلاحي: "دور وزارة المغتربين والسفارة سلبي جدا ويتمحور حول كيفية استنزاف المغترب فقط مع إقفال باب مساعدته نهائيا، ولو قارنا معاملة الحكومة السعودية بهم لوجدناها أكثر رحمة وشفقة".
أما زميلهما أنيس حسين العنتري فيقول: "جوهر المشكلة بالنسبة للمغترب اليمني هو الشعور باليُتم فلا إحساس بوجود دولة في الاساس تتبنى مشاكلنا هنا".
أمين عام الجالية بالرياض، حسين باهميل، يتنقد الجالية اليمنية ويؤكد غياب دور ايجابي لها في متابعة قضايا العمالة اليمنية معللا ذلك بالقول إن وزارة المغتربين (المشرفة على الجاليات) لا تريد أن يصعد ممثلون حقيقيون للمغتربين، بل تريد وكلاء موالين لها يقومون بدور أشبه بدور "الشيخ القبلي" حسب العرف اليمني.