15 أكتوبر 2024
العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ يوليو 2013
دخلت مصر أكثر المواجهات العسكرية العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ قرّر الرئيس الراحل، أنور السادات، أن ينهي الصراع المسلح في اتفاقيات كامب ديفيد، لم تتوقف التجاوزات الإسرائيلية على مصر، سواء بإرسال الجواسيس أو إطلاق نار على الجانب المصري، ينتج عنه ضحايا من المدنيين أو العسكريين، ماعمّق حالة العداء الشعبية المصرية ضد دولة الكيان. وعلى مسار آخر، استمرت التفاهمات الحكومية بين الطرفين، وإن بدت الصورة العلنية أن هناك فتورا في العلاقات، ومساحة تتركها الدولة المصرية للنقابات والحركات الشعبية لتبدي اعتراضها على ممارسات دولة الاحتلال، أو رفض وجودها.
استجدّ على تلك الحالة الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، ووقوف الجانب الإسرائيلي على الجانب الداعم لحركة الجيش التي أطاحت جماعة الإخوان المسلمين. وسريعاً، التقطت أطراف الحكم ذلك الخيط، فقدمت تنازلات للجانب الإسرائيلي، لم تكن مطروحة في أشد لحظات التبعية المصرية للخارج قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وأبدت مودةً كبيرة في التعامل معه، على الرغم من اعتماد نظام الحكم على تخوين الحركات المعارضة له بمحاولة تنفيذ مخططات أميركية وإسرائيلية لهدم الوطن، فإذا كنت داعما للنظام الحالي باعتباره يحمي الوطن من المؤامرات الإسرائيلية، فإليك تلك الحقائق عن العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ منتصف 2013.
سيناء
تمثل شبه جزيرة سيناء خط التماس في العلاقات المصرية - الإسرائيلية، إما من جهة الشمال، بما تمثله من توتر أمني، أو من جهة الجنوب التي تمثل وجهة سياحية مفضلة لحاملي هوية دولة الاحتلال.
بدأت دلائل الترابط بين الطرفين مبكراً، إذ شنّت طائرة إسرائيلية بدون طيار غارة في شمال سيناء 9 أغسطس/ آب 2013 وقُتل على إثرها خمسة مواطنين، بزعم أنهم جهاديون. ونقل موقع الجزيرة نت عن القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أن الجيش المصري هو الذي قام بتحويل المعلومات إلى إسرائيل، ما مكّنها من تنفيذ الهجوم على "جماعة جهادية" في سيناء. وأضافت القناة أن "سماح" وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بالهجوم الإسرائيلي المفترض على سيناء جاء لإقناع المنظمات اليهودية الأميركية بالوقوف إلى جانبه ضد خصومه السياسيين المناصرين للرئيس المعزول محمد مرسي.
ثم نشرت "الأهرام" في 17 سبتمبر/أيلول 2013 أن مبعوثاً أمنياً إسرائيلياً إلى القاهرة، في زيارة قصيرة تستمر ساعات يلتقى خلالها مسؤولين مصريين لبحث التطورات الأخيرة في
سيناء. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بدأت المرحلة الأولى من إخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة، الممتد على طول 14 كلم وبعمق 500م في البداية، ليصل إلى عمق 2000م في المرحلة الثالثة، وما نتج عنه من تهجيرٍ لأهالي سيناء. وفي سبتمبر/أيلول 2015، ذكرت "هيومان رايتس ووتش" أن مصر هجّرت 3200 أسرة على مدار عامين. وقالت المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة أنّ على مصر أن توضح لماذا لم تستخدم تقنيات متقدّمة للكشف عن أنفاق التهريب بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، وقرّرت إزالة أحياء كاملة من على وجه الأرض؟
جاءت الإجابة في فبراير/ شباط 2016 عندما صرّح وزير البنية التحتية والطاقة والمياه الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، تصريحا محرجاً للإدارة المصرية بشأن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بحدود مصر مع غزة، وأفاد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمل بشكل يخدم مصالح إسرائيل، عندما أمر بإغراق الأنفاق المحفورة تحت الحدود مع مصر بالمياه.
قطاع غزة وحماس
تشهد العلاقات المصرية مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) توترات دائمة، باعتبار ارتباط الحركة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومنذ السيطرة الكاملة للحركة على قطاع غزة، أصبحت العدوانية المصرية متجهة لكامل سكان القطاع. ويلاحَظ أن ازدياد التوتر والتباعد يكون بقدر التقارب المصري مع دولة الاحتلال. وبشكل عام، يهاجم الإعلام المصري قطاع غزة وحركة حماس، بالتزامن مع الهجمات التي تطاول الجنود المصريين في سيناء، على الرغم من إعلان تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عن تلك الهجمات، وكذلك تخرج دعوات إلى إغلاق معبر رفح نهائياً مع قطاع غزة، وهو من مؤشرات التنازل المصري عن مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وفضلا عن التوجه الإعلامي ضد القطاع والحركة، قام النظام المصري بالآتي:
هدّد وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، في سبتمبر/أيلول 2013 بإمكانية تدخل عسكري في قطاع غزة "إذا شعرنا بأن هناك أطرافا في حماس أو أطرافاً أخرى تحاول المساس بالأمن القومي المصري"، ولم يصدر تصريح بتلك القوة في مواجهة الخروق الإسرائيلية.
تم اتهام الرئيس المعزول، محمد مرسي، بالتخابر مع "حماس" في 26 يوليو/ تموز 2013، وحُظرت أنشطة الحركة في مصر في 4 مارس/ آذار 2014، وتم إعلان "حماس" حركة إرهابية في يناير/ كانون الثاني 2015، ثم تم التراجع عن وصفها بالإرهاب بحكم قضائي أيضاً، كما أُسقطت الجنسية المصرية عن القيادي في الحركة، محمود الزهار، و11 فردا من أسرته.
مرّ من معبر رفح الحدودي 12304 مسافراً خلال عام 2015 على مدار 26 يوماً فقط، فُتح فيها المعبر طوال العام على فترات متباعدة أحيانا كانت تتجاوز الشهرين، في حين اجتاز معبر طابا في الستة أشهر الأولى فقط من العام نفسه 68.5 ألف إسرائيلي. وفي الفترة نفسها من عام 2016 بلغ العدد 100 ألف، وفي شهر أغسطس/آب 2016 فقط بلغ عدد من اجتازوا المعبر 71 ألفا، أي ما يقرب من ستة أضعاف الفلسطينيين الذين مروا في 2015.
العلاقات والدعم السياسي
أصبح الاحتلال الإسرائيلي أهم داعم إقليمي للنظام المصري الجديد، وتمثل ذلك في صور عدة، أهمها الضغط على النظام الأميركي لعدم تجميد المساعدات العسكرية لمصر، والمساهمة في رفع العزلة الدولية عنها. وفي المقابل، ردّ النظام المصري الصنيع الإسرائيلي بتقديم تنازلاتٍ غير مسبوقة، تشير إلى دفء العلاقات وعمقها.
كانت البداية بتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في لقاء إذاعي في أكتوبر/
تشرين الأول 2013، أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على استمرار السلام مع مصر، وأن هذا السلام تأسّس على المساعدات الأميركية المقدمة إلى مصر، معربًا، خلال المقابلة، عن اعتقاده بأن تجميد المساعدات الأميركية يثير القلق في إسرائيل، ولذلك هو على يقين بأن واشنطن ستأخذ ذلك في حساباتها.
وقال السيسي، في حوار له مع "واشنطن بوست" في مارس/آذار 2015 إنه يتصل بنتنياهو كثيراً. وذكر أن العلاقات الراهنة تتسم بالثقة والاحترام، مستشهدا بما يجري في شبه جزيرة سيناء، حيث أتاحت إسرائيل لمصر نشر قواتٍ في مركز سيناء وشرقها، على الرغم من أن اتفاقية السلام تمنع نشر القوات هناك، وأشاد السيسي بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية، وقال إنها تخلو من التشكيك والعدوانية، وأن العلاقات الجيدة يمكن أن تسود بين الدول العربية وإسرائيل، في حال توصُل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تسويةٍ، بموجب حل الدولتين لشعبين.
وبعد عامين من تنصيبه، خطب السيسي في محافظة أسيوط في 17 مايو/ أيار 2016 وقال إن حل القضية الفلسطينية سيحقق سلاما أكثر دفئاً بين الشعوب في المنطقة، مؤكدا أنه يشدّد على هذه النقطة، في لقاءاته مع الأشقاء العرب ورؤساء وفود الجاليات اليهودية في العالم. وفي اليوم التالي، بعد أن دعا السيسي الإسرائيليين إلى عدم التنازل عن فرصة السلام، أعلنت إسرائيل، كبادرة، أنها ستعيد، للمرة الأولى، آثارا مصرية كان قد هرّبها سارقو آثار.
وقام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارتين إلى دولة الاحتلال، عقب قطيعة مصرية منذ عام 2007. وكانت الأولى للتعزية في وفاة الرئيس السابق، شيمون بيريس، والثانية في 10 يوليو/ تموز 2016، ليلتقي نتنياهو في القدس المحتلة، وهي أول زيارة لمسؤول مصري في القدس، وأظهرت مودة كبيرة بين الرجلين اللذيْن جمعهما عشاء ومشاهدة مباراة أوروبية في مقابل حروبٍ قام بها شكري ضد "ميكروفون" قناة الجزيرة التي يتهمها بالوقوف ضد مصر. وكانت الزيارة عقب ذهاب نتنياهو بأيام إلى دول حوض النيل في إفريقيا.
وعيّن السيسي حازم خيرت سفيراً لمصر في إسرائيل يوم 24 مايو/ أيار 2015، بعدما كان محمد مرسي قد سحب السفير في أثناء عدوان 2012، لكنه لم يذهب إلى تل أبيب لمباشرة عمله إلا في يناير/ كانون الثاني 2016، وشارك خيرت مع نظيره الأردني في يونيو/ حزيران من العام نفسه في مؤتمر هرتسيليا الذي يناقش المخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه إسرائيل. وأعيد فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة في 10 سبتمبر/ أيلول 2015 بعد إغلاقها أربع سنوات، عقب احتجاجات اقتحمت مقرها.
وصوتت مصر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، لعضوية إسرائيل في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء، وبرّرت الخارجية المصرية ذلك بأن اللجنة رفضت مقترحاً بالتصويت لكل دولة من الدول المرشحة على حدة، وكان التصويت على الدول الخمس المرشحة مجتمعةً، ومنهم ثلاث دول عربية. لكن إسرائيل اعتبرت التصويت المصري إنجازا دبلوماسياً واعترافا مصرياً بجدارتها لعضوية تلك اللجنة.
وسحبت مصر مشروع قرار لها في مجلس الأمن، يدين الاستيطان الإسرائيلي في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وكان متوقعاً أن أميركا لن تستخدم الفيتو ضد مشروع القرار، لكن ضغوطاً إسرائيلية وأميركية من الإدارة الجديدة جعلت مصر تسحب مشروع القرار، لتتقدّم أربع دول أخرى بمشروع القرار، وتتم الموافقة عليه من أغلبية الدول، بما فيها مصر التي قدمت تبريرا ساذجا للموقفين، في إحدى الهزائم الدبلوماسية الإسرائيلية المؤلمة، وإحدى حلقات التخبط المصري في إدارة ملفاته الدبلوماسية، وأيضا أحد مؤشرات الروابط الوثيقة بين الدولتين.
التطبيع
يظل الرفض الشعبي للدولة المحتلة أحد أكثر المنغصات الإسرائيلية، لإدراك الجانب الإسرائيلي أن وجود ذلك الرفض مع حرية اختيار الأنظمة سيتسبب في ضرر كبير لمصالحه. لذلك، تتنوع مسارات التطبيع مع دولة الاحتلال في الجانب الاقتصادي أو الثقافي. وأخيراً، دخلت الرياضة على خط التطبيع، حتى تضعف مناعة المجتمع في قبوله للدولة المحتلة.
على الصعيد الاقتصادي، زار وفد إسرائيلي مصر للبحث في سبل تعزيز التعاون الاقتصادي
في أبريل/ نيسان 2016، للمرة الأولى منذ عشر سنوات. وقد بلغ حجم التصدير الإسرائيلي إلى مصر 113.1 مليون دولار عام 2015، مقابل 147.1 مليون دولار عام 2014. وكان حجم الاستيراد من مصر إلى إسرائيل أقل بكثير/ فبلغ 54.6 مليون دولار فقط في العام 2015. وفي العام 2014 بلغ 58.3 مليون دولار، وفي مارس/آذار 2016، نشر بنك مصر سعر الشيكل الإسرائيلي في مقابل الجنيه المصري للمرة الأولى، إلا أنه غير موجود حاليا في جدول العملات، عقب الهجوم الشديد على قرار إدراجه، وتأكيد البنك المركزي المصري على عدم تداوله في السوق المصرية.
وعادت الرحلات السياحية الإسرائيلية إلى مصر في أبريل/ نيسان 2015، منها رحلات إلى القاهرة تزور كنساً يهودية ومناطق أثرية مصرية، وفي مايو/ أيار 2016، التقى وفدٌ من قطاع السياحة المصري مع إسرائيليين في القدس، وتم الاتفاق على زيادة عدد المسيحيين الأقباط المسموح لهم بزيارة الأماكن المقدسة في إسرائيل.
وزار بابا الكنيسة الأرثوذكسية القدس في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وهي أول زيارة كنسية للمدينة على هذا المستوى منذ عام 1980 الذي صدر فيه قرار مقاطعة زيارتها لاحتلالها إسرائيليا، ولم ينشئ القرار وضعا جديداً، إذ لم تحدث أي زيارة بهذا المستوى الكنسي منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
ثقافياً، أدخلت مصر تعديلا في منهج الصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 2015/2016 عن معاهدة السلام والصراع العربي الفلسطيني، واحتفت الدوائر الإسرائيلية بالتعديلات الجديدة، وصدرت دراسة عنوانها "السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية: ما الذي تغير بين عهدَيْ مبارك والسيسي؟" ونُشرت في دورية "تقديرات استراتيجية" عدد أبريل/ نيسان – مايو/ أيار 2016 الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب.
وفي الجانب الرياضي، شارك لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي في مباراة أولمبية ضد لاعب إسرائيلي، وخسر المباراة ورفض مصافحة خصمه الذي قابله نتنياهو بعد عودته مع باقي أفراد بعثة بلاده، وقال للاعب: "إنه تلقى رسالة من مصر مفادها بأن كثيرين في مصر أسمعوا أصواتاً مغايرةً، وعبّروا عن احترامهم لفوز اللاعب الإسرائيلي، لا سيما بعدما مدّ اللاعب الإسرائيلي يده لمصافحة اللاعب المصري، وذكر نتنياهو أن الحدث الرياضي تحوّل إلى حدث سياسي مهم، يدل على أن العلاقات بين الإسرائيليين والمصريين تشهد تغييرا، بدليل أن أصواتا مختلفة لم نتعود سماعها في السابق صدرت من مصر، ما معناه أن هنالك في مصر من يحترم الإسرائيليين ويهمّه تطبيع العلاقات".
التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير
أعلنت مصر في 10 أبريل/ نيسان 2016 إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتنازلها عن جزيرتيْ تيران وصنافير، وأعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التزام بلاده بكل الالتزامات القانونية والدولية بشأنهما. وقد سبق ذلك القرار حديث للسيسي في سبتمبر/ أيلول 2015 يدعو فيه إلى توسيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لتشمل دولا عربية أخرى، وبدأ ذلك التوجه في أخذ منحىً فعليّ بتلك العملية. وكتبت صحيفة الأهرام في 11 أبريل/ نيسان 2016 أن الجانب الإسرائيلي كان على صلةٍ مع الجانب المصري بتفاصيل اتفاقية ترسيم الحدود المائية. وبالرجوع إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة تبيّن عدم وجود الخبر، لكن، بقي خبر في اليوم التالي جاء فيه: "ومع التزام المحللين الإسرائيليين الصمت أيضاً، اكتفت الصحف الإسرائيلية أمس بنقل تقرير المحرر السياسي لـ"الأهرام" الذي تحدث فيه عن إطلاع القاهرة تل أبيب على خطاب ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، الخاص باحترام السعودية تنفيذ الالتزامات التي كانت على مصر، وفقا لمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979. ونقلت الصحف والمواقع الإسرائيلية تفاصيل "مانشيت" صحيفة الأهرام، من دون إضافة أي تعليق رسمي أو حتى آراء من محللين إسرائيليين".
ما أقدم عليه السيسي أنه تنازل عن أرض مصرية لدولة أجنبية، ويرجَّح أن من أسباب إقدامه على ذلك إدخال أطراف أخرى في معاهدة السلام، كما صرّح من قبل. وكما بدا من التعبيرات الرسمية السعودية، وإطلاع السيسي الإسرائيليين على الاتفاقية قبل المصريين، في حين أنه طالب المصريين، بنبرة غاضبة، بعدم التحدث في الأمر.
استجدّ على تلك الحالة الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، ووقوف الجانب الإسرائيلي على الجانب الداعم لحركة الجيش التي أطاحت جماعة الإخوان المسلمين. وسريعاً، التقطت أطراف الحكم ذلك الخيط، فقدمت تنازلات للجانب الإسرائيلي، لم تكن مطروحة في أشد لحظات التبعية المصرية للخارج قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وأبدت مودةً كبيرة في التعامل معه، على الرغم من اعتماد نظام الحكم على تخوين الحركات المعارضة له بمحاولة تنفيذ مخططات أميركية وإسرائيلية لهدم الوطن، فإذا كنت داعما للنظام الحالي باعتباره يحمي الوطن من المؤامرات الإسرائيلية، فإليك تلك الحقائق عن العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ منتصف 2013.
سيناء
تمثل شبه جزيرة سيناء خط التماس في العلاقات المصرية - الإسرائيلية، إما من جهة الشمال، بما تمثله من توتر أمني، أو من جهة الجنوب التي تمثل وجهة سياحية مفضلة لحاملي هوية دولة الاحتلال.
بدأت دلائل الترابط بين الطرفين مبكراً، إذ شنّت طائرة إسرائيلية بدون طيار غارة في شمال سيناء 9 أغسطس/ آب 2013 وقُتل على إثرها خمسة مواطنين، بزعم أنهم جهاديون. ونقل موقع الجزيرة نت عن القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أن الجيش المصري هو الذي قام بتحويل المعلومات إلى إسرائيل، ما مكّنها من تنفيذ الهجوم على "جماعة جهادية" في سيناء. وأضافت القناة أن "سماح" وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بالهجوم الإسرائيلي المفترض على سيناء جاء لإقناع المنظمات اليهودية الأميركية بالوقوف إلى جانبه ضد خصومه السياسيين المناصرين للرئيس المعزول محمد مرسي.
ثم نشرت "الأهرام" في 17 سبتمبر/أيلول 2013 أن مبعوثاً أمنياً إسرائيلياً إلى القاهرة، في زيارة قصيرة تستمر ساعات يلتقى خلالها مسؤولين مصريين لبحث التطورات الأخيرة في
جاءت الإجابة في فبراير/ شباط 2016 عندما صرّح وزير البنية التحتية والطاقة والمياه الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، تصريحا محرجاً للإدارة المصرية بشأن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بحدود مصر مع غزة، وأفاد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمل بشكل يخدم مصالح إسرائيل، عندما أمر بإغراق الأنفاق المحفورة تحت الحدود مع مصر بالمياه.
قطاع غزة وحماس
تشهد العلاقات المصرية مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) توترات دائمة، باعتبار ارتباط الحركة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومنذ السيطرة الكاملة للحركة على قطاع غزة، أصبحت العدوانية المصرية متجهة لكامل سكان القطاع. ويلاحَظ أن ازدياد التوتر والتباعد يكون بقدر التقارب المصري مع دولة الاحتلال. وبشكل عام، يهاجم الإعلام المصري قطاع غزة وحركة حماس، بالتزامن مع الهجمات التي تطاول الجنود المصريين في سيناء، على الرغم من إعلان تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عن تلك الهجمات، وكذلك تخرج دعوات إلى إغلاق معبر رفح نهائياً مع قطاع غزة، وهو من مؤشرات التنازل المصري عن مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وفضلا عن التوجه الإعلامي ضد القطاع والحركة، قام النظام المصري بالآتي:
هدّد وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، في سبتمبر/أيلول 2013 بإمكانية تدخل عسكري في قطاع غزة "إذا شعرنا بأن هناك أطرافا في حماس أو أطرافاً أخرى تحاول المساس بالأمن القومي المصري"، ولم يصدر تصريح بتلك القوة في مواجهة الخروق الإسرائيلية.
تم اتهام الرئيس المعزول، محمد مرسي، بالتخابر مع "حماس" في 26 يوليو/ تموز 2013، وحُظرت أنشطة الحركة في مصر في 4 مارس/ آذار 2014، وتم إعلان "حماس" حركة إرهابية في يناير/ كانون الثاني 2015، ثم تم التراجع عن وصفها بالإرهاب بحكم قضائي أيضاً، كما أُسقطت الجنسية المصرية عن القيادي في الحركة، محمود الزهار، و11 فردا من أسرته.
مرّ من معبر رفح الحدودي 12304 مسافراً خلال عام 2015 على مدار 26 يوماً فقط، فُتح فيها المعبر طوال العام على فترات متباعدة أحيانا كانت تتجاوز الشهرين، في حين اجتاز معبر طابا في الستة أشهر الأولى فقط من العام نفسه 68.5 ألف إسرائيلي. وفي الفترة نفسها من عام 2016 بلغ العدد 100 ألف، وفي شهر أغسطس/آب 2016 فقط بلغ عدد من اجتازوا المعبر 71 ألفا، أي ما يقرب من ستة أضعاف الفلسطينيين الذين مروا في 2015.
العلاقات والدعم السياسي
أصبح الاحتلال الإسرائيلي أهم داعم إقليمي للنظام المصري الجديد، وتمثل ذلك في صور عدة، أهمها الضغط على النظام الأميركي لعدم تجميد المساعدات العسكرية لمصر، والمساهمة في رفع العزلة الدولية عنها. وفي المقابل، ردّ النظام المصري الصنيع الإسرائيلي بتقديم تنازلاتٍ غير مسبوقة، تشير إلى دفء العلاقات وعمقها.
كانت البداية بتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في لقاء إذاعي في أكتوبر/
وقال السيسي، في حوار له مع "واشنطن بوست" في مارس/آذار 2015 إنه يتصل بنتنياهو كثيراً. وذكر أن العلاقات الراهنة تتسم بالثقة والاحترام، مستشهدا بما يجري في شبه جزيرة سيناء، حيث أتاحت إسرائيل لمصر نشر قواتٍ في مركز سيناء وشرقها، على الرغم من أن اتفاقية السلام تمنع نشر القوات هناك، وأشاد السيسي بالعلاقات المصرية – الإسرائيلية، وقال إنها تخلو من التشكيك والعدوانية، وأن العلاقات الجيدة يمكن أن تسود بين الدول العربية وإسرائيل، في حال توصُل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تسويةٍ، بموجب حل الدولتين لشعبين.
وبعد عامين من تنصيبه، خطب السيسي في محافظة أسيوط في 17 مايو/ أيار 2016 وقال إن حل القضية الفلسطينية سيحقق سلاما أكثر دفئاً بين الشعوب في المنطقة، مؤكدا أنه يشدّد على هذه النقطة، في لقاءاته مع الأشقاء العرب ورؤساء وفود الجاليات اليهودية في العالم. وفي اليوم التالي، بعد أن دعا السيسي الإسرائيليين إلى عدم التنازل عن فرصة السلام، أعلنت إسرائيل، كبادرة، أنها ستعيد، للمرة الأولى، آثارا مصرية كان قد هرّبها سارقو آثار.
وقام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارتين إلى دولة الاحتلال، عقب قطيعة مصرية منذ عام 2007. وكانت الأولى للتعزية في وفاة الرئيس السابق، شيمون بيريس، والثانية في 10 يوليو/ تموز 2016، ليلتقي نتنياهو في القدس المحتلة، وهي أول زيارة لمسؤول مصري في القدس، وأظهرت مودة كبيرة بين الرجلين اللذيْن جمعهما عشاء ومشاهدة مباراة أوروبية في مقابل حروبٍ قام بها شكري ضد "ميكروفون" قناة الجزيرة التي يتهمها بالوقوف ضد مصر. وكانت الزيارة عقب ذهاب نتنياهو بأيام إلى دول حوض النيل في إفريقيا.
وعيّن السيسي حازم خيرت سفيراً لمصر في إسرائيل يوم 24 مايو/ أيار 2015، بعدما كان محمد مرسي قد سحب السفير في أثناء عدوان 2012، لكنه لم يذهب إلى تل أبيب لمباشرة عمله إلا في يناير/ كانون الثاني 2016، وشارك خيرت مع نظيره الأردني في يونيو/ حزيران من العام نفسه في مؤتمر هرتسيليا الذي يناقش المخاطر الأمنية والسياسية التي تواجه إسرائيل. وأعيد فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة في 10 سبتمبر/ أيلول 2015 بعد إغلاقها أربع سنوات، عقب احتجاجات اقتحمت مقرها.
وصوتت مصر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، لعضوية إسرائيل في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء، وبرّرت الخارجية المصرية ذلك بأن اللجنة رفضت مقترحاً بالتصويت لكل دولة من الدول المرشحة على حدة، وكان التصويت على الدول الخمس المرشحة مجتمعةً، ومنهم ثلاث دول عربية. لكن إسرائيل اعتبرت التصويت المصري إنجازا دبلوماسياً واعترافا مصرياً بجدارتها لعضوية تلك اللجنة.
وسحبت مصر مشروع قرار لها في مجلس الأمن، يدين الاستيطان الإسرائيلي في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وكان متوقعاً أن أميركا لن تستخدم الفيتو ضد مشروع القرار، لكن ضغوطاً إسرائيلية وأميركية من الإدارة الجديدة جعلت مصر تسحب مشروع القرار، لتتقدّم أربع دول أخرى بمشروع القرار، وتتم الموافقة عليه من أغلبية الدول، بما فيها مصر التي قدمت تبريرا ساذجا للموقفين، في إحدى الهزائم الدبلوماسية الإسرائيلية المؤلمة، وإحدى حلقات التخبط المصري في إدارة ملفاته الدبلوماسية، وأيضا أحد مؤشرات الروابط الوثيقة بين الدولتين.
التطبيع
يظل الرفض الشعبي للدولة المحتلة أحد أكثر المنغصات الإسرائيلية، لإدراك الجانب الإسرائيلي أن وجود ذلك الرفض مع حرية اختيار الأنظمة سيتسبب في ضرر كبير لمصالحه. لذلك، تتنوع مسارات التطبيع مع دولة الاحتلال في الجانب الاقتصادي أو الثقافي. وأخيراً، دخلت الرياضة على خط التطبيع، حتى تضعف مناعة المجتمع في قبوله للدولة المحتلة.
على الصعيد الاقتصادي، زار وفد إسرائيلي مصر للبحث في سبل تعزيز التعاون الاقتصادي
وعادت الرحلات السياحية الإسرائيلية إلى مصر في أبريل/ نيسان 2015، منها رحلات إلى القاهرة تزور كنساً يهودية ومناطق أثرية مصرية، وفي مايو/ أيار 2016، التقى وفدٌ من قطاع السياحة المصري مع إسرائيليين في القدس، وتم الاتفاق على زيادة عدد المسيحيين الأقباط المسموح لهم بزيارة الأماكن المقدسة في إسرائيل.
وزار بابا الكنيسة الأرثوذكسية القدس في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وهي أول زيارة كنسية للمدينة على هذا المستوى منذ عام 1980 الذي صدر فيه قرار مقاطعة زيارتها لاحتلالها إسرائيليا، ولم ينشئ القرار وضعا جديداً، إذ لم تحدث أي زيارة بهذا المستوى الكنسي منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
ثقافياً، أدخلت مصر تعديلا في منهج الصف الثالث الإعدادي للعام الدراسي 2015/2016 عن معاهدة السلام والصراع العربي الفلسطيني، واحتفت الدوائر الإسرائيلية بالتعديلات الجديدة، وصدرت دراسة عنوانها "السلام مع إسرائيل في الكتب الدراسية المصرية: ما الذي تغير بين عهدَيْ مبارك والسيسي؟" ونُشرت في دورية "تقديرات استراتيجية" عدد أبريل/ نيسان – مايو/ أيار 2016 الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب.
وفي الجانب الرياضي، شارك لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي في مباراة أولمبية ضد لاعب إسرائيلي، وخسر المباراة ورفض مصافحة خصمه الذي قابله نتنياهو بعد عودته مع باقي أفراد بعثة بلاده، وقال للاعب: "إنه تلقى رسالة من مصر مفادها بأن كثيرين في مصر أسمعوا أصواتاً مغايرةً، وعبّروا عن احترامهم لفوز اللاعب الإسرائيلي، لا سيما بعدما مدّ اللاعب الإسرائيلي يده لمصافحة اللاعب المصري، وذكر نتنياهو أن الحدث الرياضي تحوّل إلى حدث سياسي مهم، يدل على أن العلاقات بين الإسرائيليين والمصريين تشهد تغييرا، بدليل أن أصواتا مختلفة لم نتعود سماعها في السابق صدرت من مصر، ما معناه أن هنالك في مصر من يحترم الإسرائيليين ويهمّه تطبيع العلاقات".
التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير
أعلنت مصر في 10 أبريل/ نيسان 2016 إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتنازلها عن جزيرتيْ تيران وصنافير، وأعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التزام بلاده بكل الالتزامات القانونية والدولية بشأنهما. وقد سبق ذلك القرار حديث للسيسي في سبتمبر/ أيلول 2015 يدعو فيه إلى توسيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لتشمل دولا عربية أخرى، وبدأ ذلك التوجه في أخذ منحىً فعليّ بتلك العملية. وكتبت صحيفة الأهرام في 11 أبريل/ نيسان 2016 أن الجانب الإسرائيلي كان على صلةٍ مع الجانب المصري بتفاصيل اتفاقية ترسيم الحدود المائية. وبالرجوع إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة تبيّن عدم وجود الخبر، لكن، بقي خبر في اليوم التالي جاء فيه: "ومع التزام المحللين الإسرائيليين الصمت أيضاً، اكتفت الصحف الإسرائيلية أمس بنقل تقرير المحرر السياسي لـ"الأهرام" الذي تحدث فيه عن إطلاع القاهرة تل أبيب على خطاب ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، الخاص باحترام السعودية تنفيذ الالتزامات التي كانت على مصر، وفقا لمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979. ونقلت الصحف والمواقع الإسرائيلية تفاصيل "مانشيت" صحيفة الأهرام، من دون إضافة أي تعليق رسمي أو حتى آراء من محللين إسرائيليين".
ما أقدم عليه السيسي أنه تنازل عن أرض مصرية لدولة أجنبية، ويرجَّح أن من أسباب إقدامه على ذلك إدخال أطراف أخرى في معاهدة السلام، كما صرّح من قبل. وكما بدا من التعبيرات الرسمية السعودية، وإطلاع السيسي الإسرائيليين على الاتفاقية قبل المصريين، في حين أنه طالب المصريين، بنبرة غاضبة، بعدم التحدث في الأمر.
مقالات أخرى
26 اغسطس 2024
18 يونيو 2024
29 مارس 2024