العلاقات الأردنية - الإسرائيلية بأسوأ حالاتها... ومستقبل غامض

24 نوفمبر 2019
أكد الملك الأردني تراجع العلاقات الأردنية-الإسرائيلية (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
تطفو على السطح تساؤلات كبيرة عن واقع العلاقات الأردنية الإسرائيلية ومستقبلها، ولا سيما بعد وصف العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، العلاقات بين بلاده والاحتلال بأنها في أسوأ حالاتها خلال الفترة الحالية منذ توقيع اتفاقية "وادي عربة" (معاهدة السلام) عام 1994، وذلك خلال جلسة حوارية نظّمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في نيويورك، الخميس الماضي.
هذا التصريح الذي يأتي من صانع السياسة الأردنية، يفتح باب النقاش مشرّعاً حول مستقبل العلاقات بين الطرفين، كذلك فإنه يضع دور المملكة الأردنية في المنطقة على المحك، وخصوصاً في ظل الدعم الأميركي اللامحدود للسياسات العنصرية والتوسعية لإسرائيل، مقابل الدعم الاقتصادي الكبير لعمّان الذي يزيد على مليار ونصف مليار دولار سنوياً.

وقال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، جواد الحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية لم تكن من حيث المبدأ جيدة في أي وقت من الأوقات منذ توقيع اتفاقية وادي عربة إلا في الأسابيع اللاحقة لتوقيع الاتفاقية، وبعد ذلك انقلبت الأمور مع بدء محاولة إسرائيل تعقيد الأمور، وخصوصاً في الشق الاقتصادي وما يتعلق بالتصدير عبر ميناء حيفا، وعدم الوفاء بتعهدات حصة الأردن من المياه".
ولفت إلى أن الأردن "اتخذ مواقف قوية تجاه القضية الفلسطينية، ووقّع اتفاقية مع الفلسطينيين بشأن القدس، وإسرائيل لم تحترم هذا الاتفاق على الإطلاق، واستمرت في سياسة التهويد والاقتحامات والانتهاكات، وآخرها ما يتعلق بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، ما سبّب الإحراج لعمّان"، مشيراً إلى أن المملكة تنظر إلى العلاقات مع إسرائيل اليوم على أنها من جانب واحد بلا مكاسب، في وقت يوجّه فيه القادة الإسرائيليون تهديدات إلى المملكة.

ورأى الحمد أنه قبل اتفاقية وادي عربة كانت إسرائيل معزولة، ولكن بعدها أصبحت هناك اتصالات من وراء الكواليس مع الدول العربية، وبات الانفتاح اليوم علنياً عبر زيارات ثقافية واقتصادية ورياضية، خصوصاً مع دول خليجية. وأضاف أن "الأردن بات يشعر بأن العلاقات مع إسرائيل عبء داخلي عليه، ويحاول التحلل من قيودها المعقدة، وهو ينظر بمنظار الشك والريبة للنيات الإسرائيلية، في وقت أصبح فيه الشعب الأردني والبرلمان والقوى السياسية كافة حساسة لأي علاقة مع دولة الاحتلال التي تنتهك اتفاقية السلام بقتل واعتقال أردنيين".

ورأى أن المملكة تحظى بأهمية جيواستراتيجية في المنطقة، وسياستها الخارجية متوازنة، ودورها مستمر ولم ينقطع. لكنّ هناك دولاً عربية تحاول أن تهمّش دور الأردن، لكونه لم يرضَ أن يكون أداة لدول عربية ضد دول أخرى، كذلك لديه رؤيا تجاه القضية الفلسطينية تحاول دول عربية القفز عليها، مشيراً إلى أن موقف عمّان تجاه بعض السياسات الأميركية، كالموقف من المستوطنات والقدس والجولان، جعله أقوى وفاعلاً لكن ليس وفق النمط السابق.


من جهته، أكد الكاتب السياسي والمحلل أنيس خصاونة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تصريحات العاهل الأردني في مكانها وتعكس الواقع، مشيراً إلى أن تعامل إسرائيل مع شتى القضايا ذات العلاقة مع الأردن، ومع الفلسطينيين وقضايا المنطقة، تشي بأن هذا الكيان عدائي يعمل وفق استراتيجية تحقيق مصالحه التوسعية، ومنها التحريض على القضايا العربية.
وتساءل: "كيف يمكن الأردن أن يتصرف وهناك 4 ملايين ونيّف من الأردنيين من أصل فلسطيني، ممن لهم حقوق داخل الأراضي المحتلة، وكيف للمملكة أن تكون علاقاتها مستقرة، فيما الاعتداء على الانسان والأرض مستمر؟"، مضيفاً: "على الرغم من أن الأردن دولة صغيرة ومتواضعة الإمكانات وتعتمد على المساعدات من الولايات المتحدة، لكن لا يمكن للملك كقائد إلا أن يكون مع شعبه".

ورأى خصاونة أن الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ودعم ضم الجولان للاحتلال، والاعتراف بالمستوطنات، هو بعض مراحل "صفقة القرن"، والأردن لا يمكنه الوقوف مكتوف الأيدي تجاه قضية المقدسات والوصاية الهاشمية والتجاوزات التي تحصل على حقوق الإنسان.
ولفت إلى أن "مصداقية الأردن أعلى من مصداقية إسرائيل على المستوى الدولي، واحترام السياسات الأردنية في العالم أكبر من الاحترام للسياسات الإسرائيلية، وما يحدث ضغوط أميركية بتحريض إسرائيلي يؤثر بمواقف بعض الدول، لكن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوضح أن 90 في المائة من الدول تقف مع الحقوق الفلسطينية"، معتبراً الموقف الأردني متقدماً على مختلف المواقف العربية حتى موقف السلطة الفلسطينية.

من جهته، قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير مما ينشر في الصحف الغربية، بتأثير من دوائر صنع القرار الإسرائيلي، يحاول التأشير إلى أفول الدور الأردني في المنطقة وتراجعه، في محاولة ربط المساعدات والدعم الاقتصادي الغربي بدور عمّان في الصراع العربي الإسرائيلي". وأوضح أن "دور المملكة مرتبط باستقرار المنطقة ومكافحة التطرف والإرهاب"، مشيراً إلى أن "هذا الدور يتغير ويتبلور، واستمرار أهمية عمّان كقيمة استراتيجية يتجلّى كل يوم، ومنها على سبيل المثال استقبال اللاجئين السوريين، ولو لم تستقبلهم المملكة لتحوّلت قضية اللاجئين إلى أزمة كبرى في أوروبا".

وأضاف شنيكات أن موقف الأردن تجاه ما يحدث في فلسطين، والرافض كلياً لتغييب حلّ الدولتين والاستيلاء على الأماكن المقدسة، جعله عرضة لهجوم في هذا الموضوع، مشيراً إلى أن هذا الموقف ينطلق من اعتقاد جازم بأن الاستقرار في المنطقة يجب الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وعلى حدود عام 1967، وهو ما يتحدث عنه العاهل الأردن في كافة المحافل الدولية وآخرها الخميس في الولايات المتحدة، والتأكيد أن القرارات أحادية الجانب ستعصف في المنطقة.

ولفت إلى أن "موقف الأردن تجاه سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بالقدس والمستوطنات، يعرضه للهجوم ولضغوط كبيرة بسبب النفوذ الإسرائيلي على إدارة دونالد ترامب"، مشيراً إلى رهان المملكة على الموقف الأوروبي الذي يرى في حل الدولتين أساساً لحل الأزمة في المنطقة، إضافة إلى الرهان على بعض دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة كالكونغرس. وشدد على أن "لا غنى عن الأردن في قضايا اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والحرب ضد التطرف والإرهاب ودعم العملية السلمية، وأيضاً دعم الحل السياسي في سورية".