العصر الحجري.. هكذا يصف أهالي اليرموك حياتهم

16 فبراير 2015
يحاصر النظام المخيم منذ أكثر من 580 يوماً (الأناضول)
+ الخط -

في مخيم اليرموك الواقع قرب العاصمة دمشق، يقطن 22 ألف شخص. كُتب عليهم أن يختبروا النكبة مرة أخرى. يُقتلون يومياً من دون أن يكترث العالم لأوجاعهم. هم منسيون ومحاصرون خلف جدار فصل صنعه النظام منذ أكثر من 580 يوماً.

لم يتخيل ابن المخيم أبو ثائر البدوي يوماً، هو الذي كان يملك مصنعاً للألبان والأجبان، أن تمر عليه أيامٌ يشتهي فيها تناول لقمة مما كان ينتجه، بالإضافة إلى حبة طماطم صغيرة. يقول الرجل الخمسيني لـ "لعربي الجديد": "دورة حياتنا بسيطة. جميعنا ننتظر الموت. كأننا في العصر الحجري". يضيف "الجوع ينهكنا. في الصباح، نخرج بحثاً عن المياه. نضطر لاجتياز مسافات بعيدة. نقف في طابور طويل حتى نحصل على المياه قبل غروب الشمس. بعدها، نبحث عن بقايا طعام، أو نذهب إلى البلدات المجاورة كيلدا وبيت سحم وببيلا، لشراء ما توفر بأسعار خيالية".

تجدر الإشارة إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من الرز والبرغل، بالإضافة إلى ربطة الخبز، وصل إلى ألفي ليرة (نحو عشرة دولارات)، وكيلو السكر إلى 3500 ليرة (نحو 18 دولاراً). أيامهم عبارة عن رحلة شقاء لا تنتهي. يتابع أبو ثائر أن "الانفلات الأمني بات جزءاً أساسياً من حياتنا، بدءاً من قصف النظام للمخيم، والإعدامات الميدانية، والخطف والاغتيالات من قبل بعض الجماعات المقاتلة. من يخرج من بيته بعد الثامنة مساء لا يضمن العودة".

أزمة المخيّم

بدأت أزمة المخيم مع وصول الاشتباكات المسلحة بين المعارضة المسلحة والنظام السوري إليه في الشهر الأخير من عام 2012، علماً أنه كان ملجأً للنازحين. بعدها، شن النظام حملة عسكرية شرسة استخدم فيها كل أنواع الأسلحة. وفي كانون الأول عام 2012، طوقت العناصر الأمنية المخيم، ومنعت دخول سيارات الإسعاف والكوادر الطبية. مع الأيام، ازدادت قسوة الإجراءات وتم وضع الحواجز الأمنية عند مداخل المخيم وخارجه، بالإضافة إلى تشديد عمليات مراقبة إدخال المواد الغذائية، إلى أن بدأ الحصار في يوليو/تموز عام 2013.

تحسنت الأوضاع بعض الشيء منتصف العام الماضي، بعد دخول مساعدات ومعونات بوساطات دولية. لكن ساءت الأحوال مجدداً وعاد شبح الجوع، بعد إفشال كل محاولات فك الحصار وإشعال الاشتباكات أثناء توزيع المساعدات. توقفت حملات الإغاثة منذ ستة أسابيع لتستأنف مجدداً وإن بكميات قليلة. يقول منصور جفرا وهو ناشط في المخيم: "على الرغم من أن التوزيع كان يقتصر على ثلاثة أيام في الأسبوع (يقف الناس في طوابير)، والسلة الغذائية بالكاد تكفي لسد احتياجات عائلة مؤلفة من أربعة أفراد ولمدة أسبوع فقط، إلا أنها كانت تعيننا".
يضيف جفرا أن "جميع القيم الإنسانية تتبدد في الحصار. لن يشعر معنا أحد. هنا، يعد غنياً من يملك بابور كاز للإنارة والطبخ. نعتمد على ضوء شاشة الهاتف للإنارة أو البطارية الكهربائية".

بدائل

مع اشتداد العمليات العسكرية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة الحصار، اضطر القاطنون في المخيم إلى البحث عن بدائل للعيش انطلاقاً من مبدأ "الحاجة أم الاختراع". وجدوا طريقة جديدة للتعويض عن عدم وجود محروقات داخل المخيم. نجح أبو مصطفى في تحويل محل النجارة خاصته إلى ما يشبه البئر على حد قوله، لاستخراج الطاقة (غاز ومازوت وبنزين). يقول: "أستخرج الغاز من خلال تجفيف فضلات الحيوانات داخل البراميل لمدة 15 يوماً تحت أشعة الشمس. أما المازوت والبنزين، فمن خلال جمع المواد البلاستيكية وصهرها داخل براميل معدنية لاستخراج السائل منها". يبيع الليتر الواحد من المازوت بنحو 200 ليرة، وهو سعر رخيص بالمقارنة مع البترول.

على الرغم من خطورة هذا العمل على صحة الإنسان، إلا أن غريزة البقاء على قيد الحياة دفعتهم لابتكار طرق تساعدهم على التدفئة وطهي الطعام، بالإضافة إلى تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية لاستخراج المياه. انقطعت المياه في المخيم بشكل كامل في سبتمبر/أيلول الماضي، واعتمد الأهالي على مياه الآبار الملوثة ما أدى إلى انتشار الأمراض مثل اليرقان وسوء التغذية وغيرها. في السياق، يقول المسعف في الهلال الأحمر أحمد سالم إن "الإصابة بهذه الأمراض غالباً ما تؤدي إلى الموت في المخيم، في ظل عدم توفر المستلزمات الطبية والأدوية بسبب الحصار الخانق. هناك الآن أكثر من 150حالة إصابة باليرقان". يضيف: "مستشفى فلسطين يعد المركز الطبي الوحيد في المخيم، ويعمل بـ 10 في المائة فقط من طاقته بسبب نقص الموارد والمعدات".

معاً لرفع الحصار

في هذا الإطار، أطلق ناشطون حملة "معاً لرفع الحصار عن المخيم" تخللتها مجموعة من النشاطات، من بينها اعتصام "صرخة طفل" الذي شارك فيه أطفال المخيم المحاصرون الذين أعربوا عن كم الحزن والضيق الذي يعيشونه. وقالت الطفلة سعاد: "يحق لنا اللعب والشعور بالأمان. لو أن كلاباً أو حيوانات كانوا يعيشون ما نعيشه، لتحركت الضمائر للرأفة بها. نحن نموت جوعاً. أحلامي أصبحت أشبه بكوابيس مرعبة. أخشى النوم حتى لا أحلم".
من جهته، يقول أحد القائمين على الحملة عبد الشتات لـ "لعربي الجديد": "جاءت الحملة كنداء استغاثة لحث الضمائر على انقاذ ما تبقى منا، وفك الحصار المفروض منذ عامين، وفتح طريق إنساني آمن لدخول المواد الغذائية. هدفنا ايصال صوت ومعاناة أهالي المخيم إلى جميع أحرار العالم".

تجدر الإشارة إلى أن الحملة انطلقت منتصف الشهر الماضي، ولاقت تفاعلاً كبيراً من قبل الأهالي المحاصرين على الرغم من الوضع المأساوي الذي يعيشونه. ويشارك في الحملة عدد كبير من الأهالي والأطفال، الذين هم جزء من النسيج الإجتماعي الذي يعاني نتيجة الحصار، ولم يبق أمامهم إلا الصراخ لإيصال معاناتهم إلى العالم. يختم عبد الشتات حديثه قائلاً: "أهالي مخيم اليرموك يصرّون على الصمود والبقاء داخل المخيم، لأنهم يعتبرونه وطنهم البديل ومفتاح العودة إلى فلسطين، ولايريدون تكرار أخطاء آبائهم عام 1948".