العصا ... لغة الأمن في التفاهم

10 يوليو 2014
+ الخط -


ترفض الشرطة المصرية استخدام العقل والمنطق في تعاملها مع المواطنين المصريين، فهي صاحبة قرار نهائي لا رجعة فيه، فيما يختص بلزوم استخدام العصا مع كل المتعاملين معها، بلا استثناء أو قيود.

الأنا لدى رجل الشرطة مرتفعة جداً، وعالية إلى درجة باهرة، ويكفي سماع أو مشاهدة مدير أحد أقسام الأمن، عندما قال مستنكراً الثورة والثوار، "نحن أسياد وهم عبيد"، فالرجل كشف، وبوضوح، ما يُزرَع في نفس رجل الشرطة نحو المواطن الذي من المفترض طبقاً للقانون، أن يكون خادمه وحارس أمنه، وليس العكس.

السبب وراء لغة التعالي والتكبر، الحاضرة، بقوة، على ألسنة ضباط الشرطة، يعود إلى إذكاء روح العنصرية والتمييز لديهم، منذ كانوا طلاباً في كلية الشرطة، على أيدي معلميهم والقائمين على تربيتهم الساديّة. فقد تعلموا وتربوا على أن يكونوا الأبطال الحقيقيين في المشهد، والباقون مجرد "كومبارسات" وُضعوا لخدمتهم، ومن ثمّ، استخدام العصا طبيعي مع الجميع، كما أن تطمين الحاكم له، بالحق الطبيعي في استخدام العصا، يجعله يفعل ما يفعله من انتهاكات من دون خوف، لأنه، بهذا الضوء الأخضر الممنوح له، أصبح في مأمن من الجريمة والعقاب.

لكن، لأن الحماقة مرض قاتل لصاحبه، إن لم ينتبه له ويعالجه، فإنهم لا يزالون يرفضون الاعتراف بالتغيير الذي حدث للإنسان المصري الجديد، مصري ما بعد ثورة 25 يناير، الذي أخذ لقب ثوريّ عن جدارة. على ما يبدو، رجال الأمن، حتى الآن، في صدمة لم يفيقوا منها، مردّها أن الشعب المصري، الذي طالما أذلوه، وأخضعوه بعصيهم، قام بثورة، هي الأقوى في تاريخه كله، وهذه الثورة أحدثت تغييرات جذرية في مناحي الحياة كافة، ليس فقط داخل مصر، بل وخارجها أيضاً.

في حقبة الانقلاب الغاشم وحكم العسكر، تعطش رجال الشرطة أكثر وأكثر، لانتهاج التعذيب، والعودة إلى زمن "السلخانة"، فارتفع في داخلهم منسوب نازعُ حبّ الانتقام من كل ثائر حر يرفض العودة بمصر إلى الوراء، وأصبحوا يضربون بعنفٍ أكثر مما سبق، بل واتسعت جرائمهم الوحشية مع الفتيات والنساء، اللواتي ضُربن واغتصبن، قبل أن يصلن حتى إلى أقسام ومعتقلات الدولة.

البادي على المشهد المصري أن الشرطة المصرية ترفض أي محاولة لفهم الدرس الصحيح، وهو أن هذا الشعب ازدادت خصوبته الثورية، فأصبح ينتج كل يوم أولاداً وبناتاً ثوريين. بالتالي، يصعب استعمال القسوة والعنف مع هذا المنتج المصري الجديد، والذي لم تعد القوة ترهبه، أو حتى التهديد باستخدامها، كما كان قبلاً.

على الرغم من محاولة علماء الدين أخيراً، طرح مبادرة شفاء نفسي لرجال الشرطة، بمراجعة أطباء متخصصين، وهذا بسبب شيوع ظاهرة الإرهاب الشرطي، وازدياد معدلات البطش والعنف، إلا أنهم رفضوا ذلك بمنطق غرورهم نفسه وأناهم الزائدة، زاعمين خلوهم من أية شبهات لأمراض نفسية، أو ما شابه، كعادة المخبول الذي يرى كل الناس مرضى ومجانين، بينما هو الوحيد كامل العقل.

ما يجعلنا واثقين من زوال دولة البطش والقوة، حيث نعيش في ظلهما الآن، أنهم، أي العسكر والشرطة وإخوانهم في الدين من البلطجية والمرتزقة، يزدادون عمىً على عماهم يوماً عن يوم، ولا بد لهم من أن يصطدموا بحائط الشعب من جديد، ليفيقوا ويفتحوا أعينهم على ما تغير في مصر.

avata
avata
إبراهيم صالح (مصر)
إبراهيم صالح (مصر)