19 أكتوبر 2019
العرب وإسرائيل مع أميركا خارج "الأطلسي"
استحدثت الولايات المتحدة صفة الحليف الأساسي خارج الحلف الأطلسي منذ عقود، لتأطير التعاون الإستراتيجي مع حلفائها غير الأعضاء في الحلف، ومنحت هذه الصفة إلى ست عشرة دولة، منها تسع شرق أوسطية: ست عربية (الكويت، البحرين، الأردن، مصر، المغرب وتونس) وثلاث غير عربية (إسرائيل وباكستان وأفغانستان)، أي أن أكثر من نصف عدد الدول المستفيدة من هذه الوضعية الإستراتيجية، في العلاقة مع أميركا، شرق أوسطية. وهذا ما يعبر عن حجم المصالح الأميركية وأهميتها في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية تحديداً.
لكن، على الرغم من تمتعهم بالصفة نفسها، فإن حلفاء أميركا خارج الحلف لا يحتلون المكانة نفسها في استراتيجيتها، فمصاف الدول العربية في سلم الأولويات الاستراتيجية الأميركية لا يرقى إلى مصاف إسرائيل. ويبدو أن تزايد عدد الدول العربية المتمتعة بصفة الحليف الأساسي لأميركا خارج "الناتو"، ولّد تخوفاً من تمييع مكانة إسرائيل، بجعلها حليفاً ضمن عدد من الحلفاء، وبما أن المكانة المميزة والفريدة لإسرائيل في الاستراتيجية الأميركية كانت دائماً من أمهات الشواغل الأمنية الأميركية، استحدثت الولايات المتحدة صفة جديدة أرقى من صفة الحليف الأساسي خارج "الناتو"، خصت بها إسرائيل دون سواها، هي صفة الشريك الاستراتيجي الأساسي. حيث صوت الكونغرس بالإجماع، في سبتمبر/أيلول 2014، على قانون الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل الذي سانده البيت الأبيض. وينص هذا القانون الذي يجعل من إسرائيل "حليفاً إستراتيجياً أساسياً" لأميركا، على: تسريع رخص التصدير (نحو إسرائيل) فيما يتعلق ببعض التكنولوجيات والمنتجات الأميركية، تدعيم التعاون في المجالات الطاقوية والتكنولوجية والاقتصادية والفلاحية والبحثية، وخصوصاً الحفاظ على المزايا النوعية العسكرية لإسرائيل في الشرق الأوسط (بمعنى مواصلة تزويد إسرائيل بأحدث منظومات الأسلحة، والإبقاء على سقف منخفض للغاية في مجال تسليح الدول العربية الحليفة لأميركا)، ورفع مخزون الأسلحة الأميركية في إسرائيل (من حيث القيمة من 200 مليون دولار إلى 1.8 مليار) واستخدام إسرائيل هذا المخزون (كما فعلت في حربها على غزة في صيف 2014) في الحالات الطارئة. ومن ثم يدعم هذا القانون، ويعمق، صفة الحليف الأساسي خارج "الناتو" والتعاون الاستراتيجي الثنائي. وباختصار، يهدف إلى تحصين التفوق النوعي لإسرائيل على خصومها في المنطقة (والخصوم في القاموس الاستراتيجي الأميركي-الإسرائيلي في هذه الحالة هم إيران والدول العربية، بما فيها الحليفة لأميركا).
والفرق الأساسي بين الصفتين هو تضمن الأولى التزامات (أميركية) أمنية وعسكرية حيال الطرف المستفيد منها، على عكس الثانية التي لا تقوم على التزامات نوعية في هذا المجال. وتتقاطع الصفتان، ولكن، بدرجات ومضامين متفاوتة، فيما يتعلق بحصول الحليف على الدعم العسكري والأمني (من أسلحة وتدريب وتمويل لعقود التسلح...). ومن هنا، تتضح مضامين العلاقة التحالفية بين إسرائيل وأميركا ومغازيها.
أما الدول العربية التي تقيم علاقات مع الولايات المتحدة، فقد اعتادت، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، على التأكيد على أنها شريك استراتيجي لأميركا، آخذة رغباتها على أنها حقائق. وهذا توصيف لا يستند إلى أي شيء، بل هو تعبير عن النرجسية السياسية لأنظمة عربية، تتباهى بينياً بعلاقتها مع الولايات المتحدة، وقد ذهب بعضها إلى حد الافتخار بكون بلدانها تخدم الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وبالنظر لغياب البعد الاستراتيجي، وغلبة البعد البيني العربي، انخرطت دول عربية في عمليات تنافس عكسي، بمعنى الإقبال على تنازلات في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ليس حباً في أميركا، وإنما كرهاً في "الشقيق" العربي الجار. فكل دولة عربية تتخوف من أن تجني الأخرى مكاسب (على حسابها) من علاقتها مع الولايات المتحدة، لذا، تنافسن في الإقبال على تنازلات، وعلى عرض خدماتها الأمنية، والانخراط في عمليات مناولة سياسية وأمنية، وحتى عسكرية. ومن هنا، تأتي المنافسة العكسية، بينما من المفروض أن تتعاون هذه الدول لتحرز تنازلات من أميركا. لكن أمن بعضها مرهون بالمظلة الأميركية، وبالتالي، لا هامش لها للمناورة. ونلاحظ هنا عجز العرب عن المناورة، وتوظيف مختلف مصادر القوة، عكس إسرائيل التي تناور بكل استقلالية، على الرغم من أن أمنها مرهون، أيضاً، بالالتزام الحماية الأميركية.
وحسبنا أن العجز العربي عموماً يعود إلى ثلاثة أسباب على الأقل: غلبة أمن النظام على أمن الدولة، ما يفسر قصور الرؤية الاستراتيجية، والتنازلات عوض جني المكاسب؛ تضخيم العرب طبيعة العلاقة مع أميركا، وهي علاقة بسيطة المضامين، بينما العلاقة الإسرائيلية-الأميركية ضخمة المضامين، لكن إسرائيل لا تضخمها حتى تطلب دائماً المزيد من أميركا. وبما أن العلاقة التحالفية العربية-الأميركية تهدف، بالأساس، إلى الحماية من "الشقيق" العربي، فإنها تفتقر إلى البعد الاستراتيجي الذي يميز العلاقة التحالفية الإسرائيلية-الأميركية...
ونافل القول إن تحالف إسرائيل مع أميركا يهدف إلى الإبقاء وتحصين تفوقها النوعي التقليدي (في الأسلحة التقليدية)، وحماية حصريتها النووية في المنطقة، بينما يهدف تحالف دول عربية مع أميركا إلى حمايتها من "الشقيق" العربي. ومع مرور الوقت، يصبح مجرد وجود هذه العلاقة دلالة على انكشاف استراتيجي لدول عربية، ساهمت الأنظمة العربية المعنية ببنائه. فعل عكس إسرائيل التي توظف، وبامتياز، التحالف مع أميركا لبناء قوة عسكرية مقتدرة، واقتصاد قوي، لتعتمد على نفسها في مواجهة مع ما تعتبرها تحديات وتهديدات لأمنها القومي، فإن الدول العربية لم توظف تحالفها مع الولايات المتحدة، بل زادت تبعيتها الاستراتيجية إزاءها مع مرور الوقت، إلى درجة أن مراجعة هذه العلاقة التحالفية أصبحت من قبيل اللامفكّر فيه.