العرب.. ضد التاريخ أم خارجه؟

13 يوليو 2018
+ الخط -
تعيش المنطقة العربية حالةً من النزيف السياسي والتاريخي والاجتماعي حالياً، ربما لم تحدث منذ سقوط الدولة العثمانية قبل حوالي مائة عام. وهو استنزافٌ لا يختلف كثيراً عما جرّبته بلدان أخرى، سواء في الشرق أو الغرب، لكن الفارق أن العرب لا يتعلمون من دروس التاريخ. ويبدو الأمر كما لو أننا نسير عكس عجلة التاريخ، وليس معها، وهو ما يظهر بوضوح في مسألتين رئيسيتين: الانتقال نحو الديمقراطية، والتعايش السلمي.
لم نفلح في الأولى، لأسبابٍ عديدة، أهمها أن النخب المهيمنة على السلطة، منذ الاستقلال الشكلي للدولة العربية، لا ترغب في أن تكون الشعوب شريكةً في السلطة. وأية محاولة لتغيير هذا الوضع يتم الانقلاب عليها، والتخلص منها، مرة تحت شعار مناهضة الإمبريالية، وثانيةً باسم الوحدة القومية ومحاربة الصهيونية، وأخرى باسم الخبز والتنمية، وثالثة باسم الدين، وأخيرا وليس آخرا تحت شعار الحرب على الإرهاب. في حين فشلت كل هذه المحاولات في تحقيق أهدافها وشعاراتها. كما أن من الملاحظ أن كل عقد أو عقدين تخرج علينا الأصوليات السلطوية العربية بحجةٍ جديدةٍ، تمنع تحرّر الشعوب من الاستبداد. لذا، عندما تحرّكت الشعوب العربية خلال الانتفاضات والثورات، ورفعت شعارها "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية" تم إجهاض تحرّكها، وقمعه بكل السبل محلياً وإقليميا ودولياً، لأنه كان خروجاً عن الناموس الاستبدادي. لذلك، في الوقت الذي تحركت فيه دول ومناطق جغرافية أخرى باتجاه التحرّر والديمقراطية، لا تزال منطقتنا تغطُّ في سبات سلطوي عميق.
أما الثانية فقد وقعنا فيها بأيدينا من خلال دخول المنطقة العربية ما يمكن تسميته مرحلة "الانفجار الكبير" على المستويات السياسية والاستراتيجية والمجتمعية، وذلك في ظل صراعاتٍ رأسيةٍ وأفقيةٍ باتت تشطر المجتمعات والإقليم على حد سواء. وبات تحقيق الاستقرار أمراً صعباً حتى في ظل رسوخ الاستبداد وسيطرته القمعية. ولم يعد يقتصر الأمر على الصراعات الإيديولوجية، كما كانت الحال إبّان الخمسينيات والستينيات، وإنما دخلنا مرحلة الانقسامات الطائفية، والحروب الأهلية، والصراعات المذهبية. وكأن شعوبنا ومجتمعاتنا اكتشفت فجأة أنها مجتمعاتٌ متنوعةٌ ومتعدّدة، سواء دينياً أو مذهبياً أو عرقياً. بحيث باتت مصطلحاتٌ مثل التسامح والعيش المشترك غريبةً على قاموس المنطقة، وهي التي تحتفظ ذاكرتها بعقود طويلة، كانت هذه المصطلحات واقعاً معاشاً، وليست مجرد شعارات.
بهاتين الأزمتين، أصبح العرب ضد التاريخ وصيرورته، وربما خارج منطقه. وهم مسؤولون قبل غيرهم عن هذه الحال المأساوية التي وصلوا إليها. فقد ضيعوا الفرصة أكثر من مرة، من أجل إقامة دول ديمقراطية عادلة منذ الاستقلال، ولكنهم أصرّوا على تضييعها. حدث ذلك بعد الاستقلال من الاستعمار، وحدث بعد نكسة 1967، وبعد الغزو الأميركي للعراق، وكانت الفرصة السلمية، الأخيرة ربما، مع موجة الربيع العربي التي خرجت فيها الشعوب بسلميةٍ للمطالبة بالديمقراطية والحرية.
ويزداد الألم، حين تطالعنا الأخبار بمفاجآت مدوّية على المستوى الدولي، مثل انتهاء الصراع بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، وذلك بعد حوالي ستة عقود من العداء والصدام، أو حين نسمع خبراً عن إنهاء القطيعة بين إثيوبيا وإريتريا، في الوقت الذي تشن فيه دول عربية حملاتٍ لمقاطعة دول أخرى شقيقة، بينها من روابط الدم والتاريخ والإرث المشترك ما قد لا يوجد في مناطق أخرى من العالم.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".