العراق: هيكلة جديدة لـ"الحشد الشعبي"… وجدل حول دور أبو مهدي المهندس

23 سبتمبر 2019
الفصائل الموالية لإيران تبقى العقدة الأصعب (أحمد الربيع/فرانس برس)
+ الخط -
ينشغل قادة وأفراد "الحشد الشعبي" في العراق بقرار الهيكلة الجديدة التي صادق عليها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، السبت الماضي، في الوقت الذي يزداد التوتر بين قطبي "الحشد"، وهما رئيسه فالح الفياض، ونائبه جمال جعفر، ووصل الأمر إلى التبرؤ من تصريحات الأخير وبياناته، واعتبارها لا تمثل "الحشد"، بعد سلسلة تجاوزات طرحها في بيانات رسمية باسم "الحشد"، بينها تهديد ووعيد للقوات الأميركية في العراق.

التنظيم الجديد لـ"الحشد الشعبي"، وهي المظلة الجامعة لسبعين فصيلا عراقيا مسلحا بقوة قوامها 116 ألف شخص مسجلين كقوات ثابتة، يضاف إليهم نحو 30 ألفاً آخرين ما زال أمرهم لم يحسم حتى الآن لأسباب مالية وتنظيمية، والذي صدر رسميا هذا الأسبوع، تضمن استحداث تشكيلات جديدة، وإلغاء أخرى قديمة داخل هيئة "الحشد الشعبي"، لعل من أبرزها حصر المهام العسكرية الرئيسة لـ"الحشد"، بموافقة رئيس الوزراء نفسه، الذي يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة، بحسب الدستور العراقي الجديد النافذ في البلاد، وهو الذي يتولى تسمية رئيس "هيئة الحشد".

كما يجب أن تختفي بعد تنفيذ هذا القرار تسميات كل الفصائل الحالية، مثل العصائب والعباس والطفوف وعاشوراء وجند المرجعية، وغيرها من التسميات، وسط غموض يلف مصير فصائل أخرى أعلنت صراحة أنها لا تخضع لقانون "الحشد"، كونها مقاومة إسلامية، ولها وجود في سورية، وستقاتل في لبنان إن تطلب الأمر، مثل كتائب حزب الله العراقية والنجباء، والخراساني والمختار الثقفي، والبدلاء وسرايا الشهداء، وفصائل أخرى ما زالت حتى الآن لم تنسحب من مناطق تسيطر عليها في العراق، وترفض دخول الجيش العراقي، مثل جرف الصخر والعويسات والعوجة، ومناطق قرب الحدود مع السعودية.

وتضم الهيكلية الجديدة 5 أقسام رئيسية، من بينها معاونية العمليات العسكرية، ومعاونية الاستخبارات، بالإضافة إلى 25 مديرية، و7 قيادات عمليات في مدن شمال وغرب ووسط العراق فقط، وخلت المنطقة الجنوبية منها، مع إلغاء منصب نائب رئيس الهيئة، الذي شغله أبو مهدي المهندس منذ بداية تأسيس "الحشد" قبل 5 سنوات، كما تم استحداث منصب أمين سر عام لـ"الحشد الشعبي"، إضافة إلى استحداث مديريات منفصلة، مثل التوجيه المعنوي، والعلاقات، والإعلام، والحرب النفسية.

في المقابل، ألغى التنظيم الجديد لـ"الحشد" مديرية التعبئة الشعبية، وهي تشكيل دارت حوله شبهات بأنه يضم عدداً كبيراً من الموظفين الذين يتلقون رواتب وأسلحة.

وجاء ذلك كله بعد ترجيحات كثيرة، ظهرت من الداخل عبر أحزاب معارضة لتوسع نفوذ "الحشد الشعبي"، منها تيار الحكمة وأنصار مقتدى الصدر، باحتمالية حل "الحشد الشعبي"، ودمجه بشكل كلي بوزارة الدفاع، على اعتباره قوة قتالية.

وبحسب مصدر مقربٌ من رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض، لـ"العربي الجديد"، فإن "إسراع الفياض بالاستجابة للأمر الديواني الذي صدر عن رئيس الحكومة عادل عبد المهدي في يوليو/ تموز الماضي، جاء بسبب ضغوطات مارستها زعامات عراقية شيعية على إيران أخيرا، على اعتبار أن الأخير مرتبط بشكل وثيق بالحرس الثوري، من بينها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال زيارته الأخيرة لإيران، اشتكى فيها الصدر للمرشد الإيراني علي خامنئي من تجاوزات لـ(أبو مهدي المهندس)، وتجاوزه لتفاهمات سابقة حيال عدة ملفات داخل العراق، وتفرده في كثير من القضايا وخروجه عن إجماع القوى والقيادات السياسية"، على حد وصفه.

وأضاف المصدر أن "رئيس "الحشد" فالح الفيّاض عيّن المهندس بمنصب رئيس أركان الهيئة، وقد باشر المهندس رسمياً مهام عمله بالمنصب الجديد، وقد أوعز إلى أعضاء مكتبه بتغيير الختم الخاص به من "مكتب نائب رئيس الهيئة" إلى "مكتب رئيس الأركان"، مبيناً أن "منصب المهندس الجديد يعتبر مسؤولا عن الألوية والوحدات القتالية، أي سيكون قائدا عسكريا يتسلم الأوامر وينفذها فقط مجردا من أي صلاحيات، مع إبعاده عن مديرية الأمن والإعلام والعلاقات، مع العلم أن منصب رئيس الأركان في الحشد أقل من منصب أبو مهدي السابق، كذلك هو أقل من منصب بدرجة وكيل وزير".

ولفت إلى أن "الهدف من كل هذه الإجراءات بحق المهندس هو تقنينه وتحجيمه، ومنعه من إصدار أي قرار أو تعليقات قد تتسبب بفوضى مستقبلية، كما حصل أخيراً بشأن مهاجمة الطيران الخارجي، وإعلانه تأسيس قوة جوية تابعة لـ(الحشد)".

من جانبه، قال عضو تحالف "الفتح" الذي يشمل أجنحة سياسية عدة لفصائل داخل "الحشد الشعبي"، النائب عامر الفايز، إن "هيلكية الحشد الشعبي الجديدة، التي حظيت بمصادقة رئيس الحكومة، ستحمي الفصائل المسلحة والألوية من الاتهامات التي تستهدف قواتنا منذ سنوات"، مشيراً، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الحشد بحاجة إلى ترتيب أموره بسبب كثرة المكاتب في المحافظات، وتداخل الصلاحيات، لذلك سيساهم بتنظيم أوضاعه وتأكيد ارتباطه بالدولة، لسد الطريق أمام أي هجمات قد تستهدف الفصائل بذريعة تبعيتها لطهران أو دول أخرى".

ويأتي هذا قبل أيام من تأكيد رئيس الحكومة العراقية إطلاق سلسلة إجراءات وخطوات أساسية لوضع السلاح بيد الدولة، مبيناً، في حوار مع عدد من القنوات الفضائية، أن "القوى التي تختلف لا تعادي الدولة، للمحافظة على هيبة الدولة العراقية، وسيطرتها، مع الحفاظ على كل النظام الديمقراطي الموجود في البلاد".

أما سعران الأعاجيبي، وهو عضو في لجنة الأمن بمجلس النواب، فاعتبر قرار الهيكلية الجديدة من ضمن "ازدواجية" قرارات الحكومة في التعامل مع "الحشد"، مبيناً، في تصريح صحافي، أنه "تارة نسمع بدمجه وتارة أخرى نشاهد هيكلية ضخمة تدل عكس ذلك"، مشيراً إلى "وجود حلقات زائدة في الهيكلية كان يمكن تقليصها"، مؤكداً أنه كان من الأفضل "الاستعانة بخبراء من الجيش لإعادة تشكيل الهيئة".

وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد هاجم أكثر من مرة من سماهم بـ"المنتفعين داخل الحشد الشعبي من دماء الشهداء"، كما كشف عن "وجود عدد من الفضائيين داخل الهيئة".

في السياق، أشار الخبير بالشأن العراقي عبد الله الركابي إلى أن "أبرز ما سيُسفر عن الهيكلية الجديدة هو انضباط أكثر وصخب أقل للفصائل، فالهيكلية ستنضم الصلاحيات بين قادة هيئة الحشد، وسيعرف كل قيادي مهمته وصلاحياته، لكن أعتقد أنه سيبقى أبو مهدي المهندس هو صاحب القرار الأقوى داخل هذه المؤسسة، والمتحكم بأغلب قراراتها المصيرية"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الأيام المقبلة سوف تكشف بدقة عما إذا كان المنصب الجديد هو لتحجيم المهندس أم على العكس".

ولفت الركابي إلى أن "الفصائل الموالية لإيران تبقى العقدة الأصعب، فلم تكن الفصائل المرتبطة بالنجف في يوم ما مشكلة في العراق، بل بتلك المرتبطة بالحرس الثوري، ويتوقع أن تبقى خارج منظومة هذه الهيكلية، فهي لديها عناوينها ومكاتبها السياسية والعسكرية، وحتى الاقتصادية، ومن غير المتوقع من الحكومة العراقية أن تستطيع تحجيم هذه الفصائل، لا سيما أن المهندس سوف يعطي لهذه الفصائل في الفترة المقبلة مساحة أكبر للتحرك والعمل خارج إطار المنظومة الرسمية العراقية، وتلبية مصالح إيران".

المساهمون