بعد نحو عام على احتدام صراع "المليشيات" لفرض إرادتها على بلدة المخيسة شمال شرقي محافظة ديالى، شرقي العراق، والذي تسبب بموجات نزوح متتالية، انتهت اليوم معاناة الأهالي بهجرة جماعية منها، هربا من أعمال العنف والقصف الذي يطاولهم بشكل مستمر.
وطوال عام كامل لم تهدأ أوضاع البلدة أمنيا، بسبب الهجمات المستمرة التي تتعرض لها، بواسطة قذائف الهاون وعمليات الخطف والدهم الذي طاول محيطها أيضاَ، في وقت لم تقدم الحكومة أي دعم أو توجيه لحمايتها من تلك المليشيات التي أفرغتها من أهلها.
وأكد مسؤول محلي في محافظة ديالى استغلال المليشيات انقطاع الإنترنت، لتنفيذ سلسلة هجمات واعتداءات واسعة أجبرت العشرات من الأسر على النزوح.
وبيّن في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن قوات الأمن تتهم مسلحي تنظيم "داعش"، غير أن الواقع يؤكد أنهم عصابات تنتمي لمليشيات مسلحة معروفة تتمكن من عبور الأطواق الأمنية واستهداف البلدة بسهولة، مجتازة حواجز التفتيش أيضاً، وهو ما لا يمكن لإرهابيي "داعش" فعله. وكشف عن إرسال طلب لوزير الدفاع ورئاسة أركان الجيش العراقي بمعالجة ملف البلدة التي تشهد انتهاكات إنسانية خطيرة.
وبحسب أهالي البلدة، فإن "الحياة شلت بالكامل في المخيسة خلال الأيام الأخيرة، ما دفع الأهالي إلى الهجرة الجماعية عنها هرباً من أعمال العنف". وقال أبو عبد الله، وهو أحد أهالي البلدة لـ"العربي الجديد"، إن "أعمال العنف واستهداف البلدة بالقذائف وعمليات الاغتيال والتضييق على السكان، تسببت بإخلائها بشكل كامل، فقد اضطررنا نحن الأهالي على تركها بشكل جماعي هربا من تلك الأعمال".
وأكد "اليوم لم تتبق أي عائلة في البلدة، تركنا منازلنا وبساتيننا وكل ما نملك، بعدما أصبحت الحياة فيها مرعبة جدا"، مشيرا إلى أن "الجهات الأمنية والحكومتين المحلية والمركزية تجاهلت مطالبنا ومناشداتنا بإنقاذنا من سطوة المليشيات التي تريد أن تجري تغييرا ديموغرافيا في البلدة وتسيطر عليها". وحمّل الحكومتين "مسؤولية هذه المعاناة وهذا الصراع مع الأهالي للاستحواذ على أملاكهم ومناطقهم".
سياسيون محليون أكدوا أن ما جرى في بلدة المخيسة، قد ينسحب على بلدات أخرى في حال لم تتخذ الحكومة إجراءات رادعة لحفظ أمنها وإعادة أهالها.
وقال عضو تحالف "ديالى هويتنا"، هاشم الكروي، إنّ "هجرة أهالي المخيسة قد تتكرر في بلدات أخرى ومنها بهرز التي تشهد أيضا تدهورا أمنيا منذ فترة"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "البلدة اليوم خالية من أي عائلة بعدما انهار أمنها واستهدفت من قبل المليشيات وعلى مرأى ومسمع من الحكومتين المحلية والمركزية".
وقال: "إذا لم تتدخل الحكومة المركزية وتدفع بقوات أمنية لتأمين البلدة وتعيد الأهالي، فإن أحداث المخيسة قد تشمل مناطق أخرى واقعة تحت تهديد المليشيات، وقد تتكرر فيها نفس المأساة، الأمر الذي يحتم على الحكومة إيجاد حل عاجل".
وطوال تلك الفترة، منعت المليشيات، القوات الأمنية من التدخل بملف البلدة، وانفردت هي بإدارة ملفها والتحكم به.
وقال ضابط في قيادة شرطة ديالى إن "بعض الملفات الأمنية في المحافظة لا تستطيع الجهات الأمنية التدخل بها، وإن المليشيات تتحكم بإدارتها أمنيا وسياسيا، ومنها بلدة المخيسة"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "بلدة المخيسة شهدت على مدى عام كامل استهدافا وتحكما من قبل المليشيات التي سعت للسيطرة عليها وقصفها من القرى القريبة بحجة وجود عناصر داعش".
وأضاف أن "المعلومات الأمنية المتوفرة لدينا تؤكد عدم وجود أي عنصر من داعش في البلدة، وأن الاعتداءات عليها تمت من قبل المليشيات"، مبينا أن "المليشيات رفضت التعاون معنا لتوفير الحماية للبلدة، وانفردت بتنفيذ أجندتها، والتي تحاول من خلالها إحداث تغيير ديموغرافي في البلدة".
بالمقابل، نقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن مختار قرية "أبو كرمة"، المجاورة، جمعة الربيعي، إن" بلدة المخيسة المجاورة خلت من أهاليها، بعدما نزحوا خلال الأيام الماضية، بسبب أعمال العنف التي تتعرض لها وتغلغل العصابات في بساتينها".
وأضاف الربيعي إن العوائل التي نزحت خلال الـ 20 يوما الماضية يقدر عددها بـ 140 عائلة، وآخر أربع عائلات خرجت صباح الخميس الماضي، مبيناً أن "المدرسة والمركز الصحي أغلقا في القرية، والعائلات المتبقية فيها الآن أربع عائلات فقط".
وحالت المليشيات خلال الفترة السابقة دون بذل أي جهود لإجراء مصالحة في البلدة، ولم يستطع وجهاء وشيوخ المحافظة التدخل بالملف.