في هذا السياق، يشير أحد الزعماء القبليين في محافظة الأنبار حامد فرج الحلبوسي، إلى تقطّع سبل الهروب أمام الأسر المتواجدة في مدينتي الفلوجة والرمادي، مع اشتداد القتال في عدد من مناطق العمليات. ويبيّن في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المدنيين وقعوا في فخ الأسر بسبب تأخرهم بالخروج من المدن التي احتلها داعش".
وينتقد الحلبوسي الإجراءات الحكومية غير المدروسة التي أدت إلى إغلاق جميع المنافذ المؤدية للمدينة، من دون مراعاة وجود آلاف الأسر التي تحتاج للغذاء والدواء، مؤكداً أن "قطع منفذ العبرة، شمالي المدينة، حوّل الفلوجة إلى منطقة معزولة بشكل كامل عن العالم". ويُحذّر من "حدوث كارثة انسانية غير مسبوقة، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، واختفاء حليب الأطفال من الأسواق، وخلو المستشفى الوحيد في الفلوجة من الأدوية والمستلزمات الطبية".
ويلفت الحلبوسي إلى أن "التنظيم فرض عقوبات جسدية ومالية مشددة على كل من يحاول الهرب من المدن التي يسيطر عليها". ويستدرك قائلاً إن "بعض الأفراد تمكنوا من تجاوز حواجز داعش الأمنية، بعد دفعهم مبالغ مالية تتجاوز الـ 5000 دولار للمهربين".
ويُقدّر عدد الذين أُعدموا من المدنيين على يد "داعش" بأكثر من 1800 شخص في غضون شهرين، وتفاوتت أسباب إعدامهم بين محاولة الهرب من المدن التي يسيطر عليها، والعمالة والتجسس والانتماء لـ"الإخوان المسلمين"، أو "مناوئة مشروع الخلافة".
اقرأ أيضاً: مسؤول أميركي يؤكد معلومات "العربي الجديد" حول نفط "داعش"
ووفقاً لعضو أمناء "هيئة حقوق الانسان" العراقية محمد الجبوري، فإن "غالبية الضحايا الذين قتلهم التنظيم هم من الرجال. كما قُتل ضعف هذا العدد بواسطة القصف الجوي والصاروخي، الذي تشنه قوات الجيش والحشد الشعبي والتحالف الدولي بشكل عشوائي". ويصف الجبوري وضع المدنيين في مناطق "داعش" بأنهم "بين سندان الإرهاب ومطرقة القصف الذي يطاولهم". في هذا الإطار شهدت مدينة الفلوجة، يوم السبت، مقتل 30 شخصاً من ثلاث أُسَر، بينهم نساء وأطفال بقصف صاروخي استهدف منازلهم، غربي الفلوجة.
من جهته، يكشف رئيس "مجلس محافظة الأنبار" صباح كرحوت، أن "بعض المدنيين اضطروا لدفع مبالغ تصل إلى نحو 6000 دولار لتهريبهم من مدينة الفلوجة"، رافضاً في بيانٍ القصف العشوائي الذي تتعرّض له المدينة، الذي تسبب بمقتل وإصابة عشرات المدنيين. ويدعو كرحوت إلى "فتح ممرات آمنة لخروج السكان المحليين خشية استخدامهم كدروع بشرية من قبل داعش".
في سياق متصل، يُحذّر عضو منظمة "عراق السلام لحقوق الانسان" حسين الشاوي، من "حدوث عمليات إبادة جماعية بحقّ مئات الآلاف من المدنيين الموجودين في محافظتي الموصل والأنبار". ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "آخر الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من مليون مدني في محافظة الموصل، ومئة ألف مدني في الفلوجة، وأكثر من خمسين ألف مدني في الرمادي، التي تشهد عمليات عسكرية منذ أيام عدة، فضلاً عن وجود مدنيين في مناطق أخرى متفرقة".
ويردف أن "الحروب التي شهدها العالم، غالباً ما تستثني السكان المحليين، وتدفع لجعل صراعاتها بعيداً عن المناطق التي يتواجد فيها المدنيون"، مبيّناً أن "ما يحدث في العراق هو العكس، إذ يقصد داعش والقوات الحكومية ومليشيا الحشد الشعبي، المناطق المأهولة بالسكان للاحتماء بالمدنيين وتحويلهم إلى سلاح للمساومة".
ويدعو الشاوي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، لـ"التدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى من سكان الموصل والأنبار، بسبب وقوعهم بين مطرقة القصف الحكومي المتواصل، تحديداً في الأنبار، وسندان أسرهم من قبل داعش". ويتوقع "حدوث كارثة انسانية كبيرة في هذه المناطق إذا لم يتم تلافي الموقف".
وكانت "هيئة علماء المسلمين" في العراق قد استنكرت "الجرائم الوحشية التي ترتكبها القوات الحكومية والمليشيات ضد السكان المحليين في مدينة الفلوجة"، موضحة في بيانٍ أن "جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب في المدينة تُنذر بكارثة خطيرة". وكشفت عن "سقوط نحو 9000 مدني بين قتيل وجريح جرّاء القصف الذي بدأ مطلع عام 2014".
من جهتها، عبّرت "لجنة التنسيق العليا" التي تشكّلت أخيراً، عن "قلقها على أوضاع المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها داعش". وذكر المتحدث باسم اللجنة خالد المفرجي، في بيانٍ أن "المرحلة المقبلة ستتضمن العمل لتخليص الأسرى الذين يحتجزهم التنظيم في مناطق نفوذه"، داعياً المراجع الدينية المختلفة إلى "دعم وتأييد جهود اللجنة للتخلص من تراكمات الأداء السلبي للمرحلة الماضية".
في السياق، دعا ممثل المرجع الديني علي السيستاني في كربلاء أحمد الصافي، إلى "منح السكان المحليين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم فرصة أكبر لتحرير مناطقهم وإعمارها"، مطالباً الجميع بـ"التكاتف وتجاوز الخلافات للقضاء على التنظيم".
اقرأ أيضاً بروباغندا "داعش": التنظيم يتجمّل في مناطقه