العراق: مرشحون علمانيون ينسحبون من الانتخابات بسبب حملات تشويه

12 ابريل 2018
يُشكّل الحضور القوي للمدنيين والعلمانيين تهديداً للأحزاب(Getty)
+ الخط -
رغم اجتيازهم حاجز القضاء وهيئة المساءلة والعدالة وتحقيقهم قبولاً جيّداً في دوائرهم الانتخابية وفقاً لاستطلاعات سابقة أجروها، إلّا أنّ عدداً من المرشحين المدنيين لم يصمدوا أمام حملات التسقيط التي واجهوها في الأسابيع الماضية، ما اضطرهم إلى الانسحاب من الماراثون الانتخابي حفاظاً على أنفسهم وكذلك سمعتهم. ولم يستطع عدد من المرشحين المدنيين أو ما بات يطلق عليهم اليوم غير الإسلاميين، الصمود، فقد شهدت الأيام الأخيرة انسحاب أكثر من عشرة مرشحين بعد حملات نفذتها بحقهم جيوش إلكترونية تابعة لأحزاب إسلامية وفصائل مسلحة في بغداد وعدد من مدن العراق، وشملت اتهامات مختلفة وصلت إلى حدّ فبركة صور ومقاطع فيديو فاضحة لعدد منهم، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ونسبت زوراً لمرشحات.

ويُشكّل الحضور القوي للمدنيين والعلمانيين في الانتخابات العراقية المقبلة، تهديداً للأحزاب النافذة في البلاد، من التي ظهرت عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. وتعاظم وجود المدنيين وارتفاع أصواتهم بعد تظاهراتهم الأولى التي أطلقوها عام 2014 والتي طالبوا فيها الحكومة بتحسين الوضع المعيشي وإصلاح الخدمات، حتى جاءت الصدمة التي ضربت الأحزاب الإسلامية العراقية المسيطرة على الحكم في البلاد، بعد رفع شعار يعدّ الأول من نوعه، وهو "باسم الدين سرقونا"، في إشارة إلى الأحزاب الشيعية والسنية.

وفي هذا الإطار، قال عضو في مفوضية الانتخابات العراقية لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من المرشحين ضعفوا وانسحبوا وأبلغونا بذلك عبر رسائل رسمية"، مضيفاً بشيء من التهكّم: "من غير المعقول أن الأحزاب الإسلامية تواجه تهم الفساد وسوء إدارة البلاد، بينما المدنيون والعلمانيون يكتسحون الساحة. الحملة متوقعة ضدهم، لكن أن تطاول الأعراض، فهذا سيئ للغاية وغير متوقّع من مجتمع محافظ مثل العراق". وأكّد أنّ الهجوم "مصدره الأحزاب التي تسيطر على حكم البلد منذ سنوات، عبر أذرعها الإعلامية، والتي باتت تروّج من خلال جيوشها تهماً عديدة تعلم جيداً أن الشارع العراقي يتحسّس منها".


واتهم عمر زياد سامي، وهو مرشّح للانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة عن تحالف "تمدّن"، "أحزاباً إسلامية بقيادة هجمة شرسة ضد المدنيين والعلمانيين"، قائلاً "هم يمارسون الابتزاز والتسقيط معنا، لأنهم يعتقدون أننا أعداء لهم، ويعتبروننا كفاراً". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب الشيعية والسنية فشلت في إدارة البلد وقادته إلى حروب وخسائر، وبمحاولة لركوب الموجة، سعت خلال الفترة الماضية إلى تبديل أسمائها إلى تكتلات مدنية، في محاولة للضحك على العراقيين مرة أخرى بشكل جديد مزيّف". وأضاف أن "فيسبوك في العراق ليس له شغل ولا عمل هذه الأيام غير التسقيط بالمرشحين المدنيين، كذلك شاشات التلفاز العراقية، لأن الإعلام بمجمله في العراق بيد النافذين من الإسلاميين"، لافتاً إلى أن "الأخيرين سيبقون جزءاً من الحكم في المرحلة المقبلة، ولكنهم لن يتمكنوا من مسك الحكم بكامله، كما حصل في الحكومات السابقة".

وأكد المرشح الجديد أنّ "حملات التشويه التي يقودها الإسلاميون ضدنا، تسببت بانسحاب 12 مرشحاً مدنياً من الانتخابات، وذلك لأنهم أدركوا أن الهجمة كبيرة عليهم، ولا تستهدفهم لوحدهم، إنّما تطاول أيضاً أسرهم، ويتم التركيز على الجانب الحساس من العلاقات الأسرية، لا سيما المتعلّقة بالحياة الزوجية، ونشر صور وفيديوهات لفضح أعراض المرشحين".

وتصاعدت حدة الهجمات الإعلامية على العلمانيين بالتزامن مع التصريحات التي أطلقها مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، في مؤتمر عقد في بغداد، ونقلته وسائل الإعلام العراقية، في 18 من فبراير/ شباط الماضي، والذي قال خلاله إنه "لا يمكن السماح بعودة الليبراليين والشيوعيين والعلمانيين لحكم العراق".

من جهته، قال النائب في البرلمان العراقي عن "التحالف الوطني"، رزاق الحيدري، إن "العلمانيين كانوا قد تجنوا كثيراً على الإسلاميين في الأوقات التي خرجوا فيها بتظاهرات واحتجاجات، إذ إنهم لم يشخّصوا الفشل السياسي الحاصل في البلد، فقد رفعوا شعارات وهتفوا بكلام فارغ، وأشاروا إلى الإسلاميين كلهم بالفشل وسرقة المال العام وسوء الإدارة"، مبدياً في الوقت ذاته استنكاره لحملات التشويه والتسقيط التي يتعرّض لها المرشحون العلمانيون.

وأضاف الحيدري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب الشيعية لا تقبل بأي تهجم على أي جهة سياسية أو تكتلٍ حزبي يسعى للدخول ضمن العملية السياسية والمشاركة في الحكم"، مبيناً أن "نشر الأخبار الكاذبة عن المرشحين الجدد، تقوده شخصيات مناهضة للعملية السياسية، وتهدف إلى تخريب الانتخابات والآلية الديمقراطية المعمول بها في العراق".

وتعمل الأحزاب الإسلامية على اعتماد "الجيوش الإلكترونية" لتصفية خصومها من العلمانيين وغيرهم، بحسب الصحافي محمد عماد، وهو مراقب للشأن العراقي المحلي، الذي قال إن "حملات إعلامية تشنها جيوش إلكترونية تابعة لجهات اسلامية، وخصوصاً الشيعية منها، تهدف إلى تسقيط الخصوم، لا سيما القوى المدنية والعلمانية، فمواقع التواصل الاجتماعي غرقت بهذه الحملات، وهو ما توقعناه خلال الأشهر الماضية، إلا أن حجم التسقيط الذي يستهدف المرشحين الجدد فاق توقعاتنا".

وأضاف عماد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض الحملات وصلت حدّ الخسة، فبعضها اتخذ من التهجّم على أعراض وشرف المرشحين أو المرشحات أسلوباً لها، وهذا أمر يرفضه القانون والشرع والمجتمع"، مشيراً إلى أنّ "الأمر يقع أيضاً على بعض الإسلاميين، فمن هؤلاء أيضاً من تأثر بحملات تسقيطية بحجة فضح السياسيين... والكل يسعى للحصول على الحصة الأكبر من الكعكة العراقية اللذيذة". ويشارك في الانتخابات المقبلة التي سينتج عنها برلمان وحكومة جديدين، 206 أحزاب وكيانات سياسية، بأكثر من 7 آلاف مرشح، يتنافسون على 329 مقعداً في مجلس النواب.