يعقد البرلمان العراقي، اليوم الثلاثاء، جلسة جديدة، في محاولة أخرى منه لاستكمال الحكومة التي تنتظر ثمانية وزراء يعرضهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، للتصويت عليهم في مجلس النواب، بعد فشل تمريرها لأكثر من ثلاث مرات بسبب خلافات حادة بين المعسكرين الشيعيين الرئيسين في بغداد وهما تحالف البناء (هادي العامري ونوري المالكي) وتحالف الإصلاح الذي يمثله مقتدى الصدر وعمار الحكيم ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وباتت مفاوضات الأحزاب لتمرير ما تبقى من وزراء في مرحلة عسيرة، في ظلّ عدم الانسجام الذي أدى إلى تأخر عبد المهدي أكثر من شهر ونصف الشهر. ولا تزال محاولته جارية لإقناع الأطراف المتصارعة بشأن حصصها من الحقائب الوزارية لتسهيل العملية السياسية، وعدم تأزم الوضع، تجنباً لاستقالته التي هدد بها طيلة الأسابيع الماضية. ومع ذلك، تغيب ملامح الاتفاق السياسي، إذ يتمسك كل حزب بحصته عبر "العرف السياسي" الساري في العراق منذ غزوه عام 2003، بأن "لكل طرف مناصب بما يتناسب مع نتيجته بالانتخابات".
ولم تفض جلسة البرلمان الأخيرة، الأسبوع الماضي، إلى أي نتيجة بما يتعلق باستكمال الحكومة، بعد اعتراض كتلة "سائرون"، أكبر كتلة سياسية في البرلمان، التي يرعاها ويشرف على تحركها زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، على مرشحي وزارة الثقافة التي تطالب بها "كتلة العصائب"، ضمن تحالف "الفتح" وهو الممثل السياسي لمليشيات الحشد الشعبي. كما اعترض الصدر على مرشح وزارة الداخلية فالح الفياض المقرّب من إيران والنظام السوري، مبدياً ممانعته عملية اختيار مرشح وزارة الدفاع، التي يتمسك بها "ائتلاف الوطنية" التابع لإياد علاوي. ويتفق مع الصدر، كل من الحزب الشيوعي العراقي وتيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم.
وعلى الرغم من الاتفاق السياسي بين هادي العامري (زعيم الفتح) والصدر، في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن الخلافات بدت واضحة خلال الأيام الماضية، بسبب تمسك الأول بمرشحه لوزارة الداخلية فالح الفياض، وهو الملف الأعقد حالياً. الأمر الذي يهدد أبرز علاقة حالية بين طرفين حصلا على أكبر عدد من المقاعد داخل مجلس النواب، بالتفكك والانهيار، وهو ما ينذر بكارثة سياسية قد تُسقط التشكيلة الحكومية الجديدة، لا سيما أنها لم ترتكز في بنائها على الدستور، الذي فرض وجود "كتلة كبرى" لاختيار الحكومة، فغاب مفهوم الكتلة الكبرى عن أذهان المواطنين بسبب انشغال الأحزاب بتقسيم "كعكتها".
وقال مصدر مقرّب من زعيم تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، إن "التيار يتعرض لانهيار، بسبب تهديد أحد أعضائه بالانشقاق مع أعضاء آخرين، والالتحاق بمعسكر تحالف الفتح والتصويت لصالح فالح الفياض وترشيحه لوزارة الداخلية، في جلسة اليوم". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مسؤول مكتب هيئة الحشد الشعبي في بابل، حسن فدعم، وهو نائب في البرلمان عن تيار الحكمة، لكنه مقرّب من فالح الفياض، سيأخذ مجموعة من نواب الحكمة وسيصوّتون لصالح الفياض، على عكس قرار التيار الذي يعارض الأخير، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تشتّت الحكمة".
ولفت إلى أن "تحالف البناء يعرف تماماً أن فالح الفياض سيمرّ عبر التصويت بأغلبية النواب، ما عدا "سائرون" ونصف عدد نواب تيار الحكيم، وهذا ما تم إعلانه لعادل عبد المهدي خلال اجتماع سري، جمع قادة الفتح بالأخير، ولكن عبد المهدي متخوف حالياً من رد فعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي قد يدفع بمواليه لتظاهرات عارمة في الشوارع ويُسقط الحكومة". وأشار إلى أن "الصدر يدرك، إن تمكن تحالف البناء (الفتح) من إيصال الفياض إلى كرسي وزير الداخلية، فهذا يعني أن إيران استكملت السيطرة على حلقات المناصب المهمة بالكامل في العراق للسنوات الأربع المقبلة، وهذا ما يخشاه وسيعارضه".
من جانبه، اعتبر القيادي في تحالف "القرار" أثيل النجيفي، أن "عقدة جلسة البرلمان اليوم، هي الداخلية وليست الدفاع، وأن حسم ملف الوزارة الأولى يعني حسم أمر الثانية، وهذا هو عرف العملية السياسية في العراق"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "عبد المهدي في النهاية سيضطر إلى إعلان ما تبقى من وزاراته الشاغرة بالاعتماد على طرف واحد من الأطراف الموجودة. وهو الأمر الذي قد يهدد العلاقات والاتفاقات بين الأحزاب، فإن اختيار الفياض والتصويت عليه في البرلمان قد يُغضبان الصدر، وبالعكس إذا اختار عبد المهدي شخصية يرضى بها الصدر، فسيُغضب تحالف الفتح وهادي العامري، لذا فإن موقف الرئيس الحالي أكثر صعوبة مما سبق".
وبحسب القيادي في "ائتلاف الوطنية" حامد المطلك، فإن "الخلافات السياسية لا تزال مستمرة، والتشنج أصبح على مستوى عالٍ، بسبب تشبث كل طرف وحزب بما يريده من مناصب ووزارات، وهو خلاف ما اتفقت عليه الأحزاب، في مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية التي أُجرِيت في مايو/ أيار الماضي، والذي نصّ على نبذ المحاصصة وتقاسم المناصب بين الأحزاب"، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه "لا يمكن التكهّن بجلسة البرلمان اليوم، ولكن المعروف هو أن الخلاف على حقيبتي الداخلية والدفاع لا يزال مستمراً ولم ينتهِ حتى الآن. وهو الأمر الذي يهدد بتأجيل التصويت على المرشحين للوزارتين، وقد يؤدي إلى تأجيل الجلسة بأكملها".
وتابع قائلاً إن "عبد المهدي لديه رغبة في إنهاء ملف عدد وزراء حكومته، ولكن موضوع الداخلية والدفاع قد لا يحسم في جلسة اليوم، ولا تزال الأحزاب السياسية وتحديداً المختلفة بشأن حصصها من الوزارات، بحاجة إلى جولات جديدة من الحوارات بشأن المرشحين للوزارات العالقة ومن ثم الوصول إلى التصويت على المرشحين، أو استبدالهم بمرشحين آخرين".
بدورها علّقت ندى شاكر، عضو مجلس النواب عن "ائتلاف النصر" التابع لرئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، بالقول إنه "بالاعتماد على السير الذاتية للوزراء الثمانية، والاطلاع عليها وإمكانياتها يمكن أن يُحدد اختيارهم". وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "البرلمانيين سيطلعون على السير الذاتية للوزراء الذين سيتمكن عبد المهدي من عرضهم على مجلس النواب، وعبر القراءة سيتمكن النواب المستقلون من اختيار الأجدر بينهم، ولكن مع هذا فإن الخلافات لا تزال مشتعلة على منصبي وزيري الدفاع والداخلية، وقد تعطل هذه الخلافات التصويت على باقي الوزارات الست".
من جانبه، رأى المحلل واثق الهاشمي، أن "جلسة اليوم ستتضمن أكثر من سيناريو، وأبرز هذه السيناريوهات، أن عبد المهدي سيطرح كل الأسماء المرشحة للوزارات الشاغرة ضمن حكومته، وهو السيناريو الأكثر منطقية في ظل الأجواء السياسية الحالية. وهو الأمر الذي سيتناسب مع تطلعات تحالف البناء المتمسك بفالح الفياض، الذي سيُمرر عبر التصويت بالأغلبية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "أما السيناريو الثاني، الأضعف، فيقضي بإرسال ستة أسماء مع الإبقاء على وزارتي الدفاع والداخلية شاغرتين".
ولفت إلى أن "عادل عبد المهدي أمام تحديات خطيرة مقبلة في ظل عدم وجود سند يدعمه كحزب أو كتلة برلمانية، ولا حتى تأييد الشيعة في الحكومة، وقد تنقلب عليه الكتل السياسية، وقد لا تستمر الحكومة لأكثر من سنة، لا سيما أن الحكومة لم تستند إلى الدستور في ما يتعلق بالكتلة الكبرى (عدداً) المرتبطة بتشكيل الحكومة".