العراق: طيران التحالف لا ينثر الورود في الشمال

18 مايو 2016
جنود عراقيون بالقرب من الموصل (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
"بعيداً عن التصريحات الإعلامية والبيانات الرسمية التي تصدرها القوات العسكرية العراقية، وقوات التحالف، وما يتناقلونه، إلا أن للحرب وجها آخر، يتمثل بضياع الإنسانية". ذلك ما قاله الصحافي قيس عبد الوهاب، وهو يتلقّى تعازي أصدقائه بمقتل شقيقه، الذي قضي في قصف للطيران الأميركي، على مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الموصل، شمال العراق.

عبد الوهاب الذي هرب من مدينته، الموصل، بعد سيطرة "داعش" عليها صيف 2014، لم ينقطع عن الاتصال بشقيقه الذي كان ينقل له حال المدينة وسكانها وأصدقائه وأقاربه الذين قتلوا في قصف أو على يد "داعش"، حتى جاء الدور عليه، وقُتل أثناء وجوده في محل عمله، القريب من مقرّ للتنظيم استهدفه الطيران الأميركي. عبد الوهاب لا يبكي شقيقه، بل هو متأكد أنه "ارتاح أخيراً من داعش والقصف والموت وهَمّ توفير لقمة العيش لأسرته، لكن ما يبكيني ويؤلمني أن شقيقي ترك زوجة وثلاثة أطفال، لم يكن لهم من معيل سواه".

وأقرّت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، في أبريل/نيسان الماضي، بأن "تسع ضربات جوية أميركية منفصلة في العراق وسورية تسبّبت، على الأرجح، بمقتل 20 مدنياً وإصابة 11 آخرين، بين 10 سبتمبر/ أيلول 2015 و2 فبراير/ شباط 2016". لكن منظمات غير حكومية، تؤكد أن "عدد الضحايا المدنيين أكبر بكثير نتيجة حوالي 12 ألف ضربة جوية، شنّها الائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن في العراق وسورية، خلال 20 شهراً". وكان مسؤول في بنتاغون قد كشف أن "الجيش الأميركي استخدم، للمرة الأولى، صاروخاً تحذيرياً قبل قصف مخبأ أموال لتنظيم داعش، في 5 إبريل/ نيسان الحالي، في مدينة الموصل، إذ تمّ تفجير صاروخ هيلفاير فوق المبنى المستهدف، لتنبيه المدنيين فيه، ولتجنيبهم الغارة".

وتُعتبر هذه العملية الأولى من نوعها التي تستخدم فيها وزارة الدفاع الأميركية، في غاراتها ضد تنظيم "داعش" في العراق وسورية، وهي الوسيلة التحذيرية المعروفة بـ"عملية الدق على السطح"، حسبما ذكر الجنرال الأميركي بيتر غيرستن، المتواجد في بغداد، خلال لقاء بالصحافيين.



وتجري منذ شهر مارس/آذار الماضي استعدادات عسكرية كبيرة، لشن عمليات ضد مقاتلي تنظيم "داعش" في مناطق محافظة الموصل، لطردهم منها. وتمّت الاستعانة بما يزيد عن خمسة آلاف من جنود الجيش العراقي، إضافة إلى مئات المقاتلين من "الحشد الوطني" (قوات من أبناء عشائر الموصل)، وقوات "البشمركة". وقد سيطرت هذه القوات، منذ ذلك الحين، على بعض المواقع، إلا أنها لا تزال تقف على بعد نحو 100 كيلومتر عن مدينة الموصل في منطقة مخمور، وعلى مسافة أقرب في مواقع أخرى مثل الخازر، وبعشيقة. وعلى الرغم من الضربات الجوية المستمرة، إلا أن القوات البرية لم تستطع التقدم أكثر، فيما تفتك تلك الضربات بالمدنيين، خاصة حين توجه ضرباتها لمواقع وسط المدن والقرى، تعود لتنظيم "داعش".

أما في مدينة الفلوجة، التابعة لمحافظة الأنبار، غرب البلاد، فإن الوضع الإنساني يزداد سوءاً إذ تُعتبر الفلوجة، البقعة الأكثر ضرراً داخل الرقعة الجغرافية للعراق. وبالإضافة إلى ما تشنه الطائرات العسكرية، سواء التابعة للتحالف الدولي، أو للقوات العراقية، من قصف مستمر على المدينة بحجة استهداف "داعش" الذي يسيطر عليها، تتلقّى المدينة يومياً أطناناً من القذائف والصواريخ، التي تطلقها قوات الجيش العراقي، والمليشيات المتآلفة معها، التي تفرض حصاراً على المدينة.

بذلك تعيش الفلوجة حصارين، داخلي من قبل تنظيم "داعش" الذي يمنع خروج سكانها للخلاص بحياتهم من بطشه والقصف من البر والجو، وآخر خارجي من قبل القوات العراقية والمليشيات. وهو ما أدى إلى حصول كارثة إنسانية كبيرة مخيفة، مع تعرّض السكان لأمراض قاتلة نتيجة الجوع، ووفاة أعداد كبيرة، جلّهم من الأطفال والمرضى وكبار السن.



أما مناطق هيت والبغدادي وحديثة والقائم وأقضية داخل الأنبار، فتشهد هي الأخرى عمليات قصف صاروخي من الجو والبر، تستهدف التنظيم لكن تلك الضربات "دائماً ما تكون من نصيب المدنيين سكان تلك المناطق" وفقاً لأحد مقاتلي "أبناء العشائر" (قوات عشائرية تقاتل ضد داعش، في الأنبار)، خالد حسين. ويضيف حسين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مقتل مدنيين أمر بديهي، فنحن نخوض حرب شوارع ومدن، والعدو يتحصّن داخلها، وداخلها أيضاً هناك السكان الأبرياء".

لكن الناشط المدني رياض الحديثي، يلفت إلى أن "القصف العشوائي للقوات البرية أكثر ما فعل هو قتل مدنيين، وذلك ما سجلناه في زياراتنا للمناطق التي تم تحريرها في الأنبار"، حسبما يقول لـ"العربي الجديد". ويضيف أن "شواخص لقبور حديثة العهد، شاهدناها في مناطق بالأنبار، تشير لحصول مجازر، فالموتى على ما يبدو أطفال ونساء في غالبيتهم، وبعض الموتى من عائلة واحدة. وقد تبيّن أنهم قتلوا في أثناء عمليات قصف جوي، وآخرون بقصف مدفعي وصواريخ للقوات العراقية".

من جهته، يلفت النائب عن "تحالف القوى العراقية"، عضو في لجنة الأمن البرلمانية، محمد الكربولي، إلى أن "المشكلة في قصف أهداف داعش في الموصل وغير الموصل تكمن في أنّ التنظيم يتحصّن بين المدنيين، الأمر الذي يتسبب في سقوط قتلى من المدنيين خلال عمليات القصف التي ينفذها طيران التحالف الدولي".

ويؤكد الكربولي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تكرار المطالبة من التحالف الدولي بأن يكون أكثر دقة في تنفيذ القصف"، لافتاً إلى أن "التحالف وعدنا بالحرص أكثر في تنفيذ العمليات، على الرغم من صعوبة الأهداف التي تنفّذ في الموصل بشكل خاص، والتي تضم ملايين المدنيين".

في سياق متصل، خصصت عدد من مواقع التواصل الاجتماعي صفحاتها، لنقل أخبار قريبة من وقت وقوع الحدث، بالاعتماد على ناشطين من سكان المناطق التي تعتبر ساخنة بالأحداث، لا سيما الفلوجة ومدن الأنبار الأخرى، بالإضافة إلى الموصل وصلاح الدين، التي يتواجد فيها تنظيم "داعش".

كما تنشر تلك المواقع مقاطع فيديو مسجلة، أو أحداثا مصورة، في بعضها مناشدات إنسانية من سكان مدنيين يتعرضون للقصف، وأخرى من داخل مستشفيات في تلك المدن، تنقل تعرّض أطفال وكبار سن ونساء لجروح بعضها خطيرة. كما تنقل حتى مشاهد قتل مروعة، لأطفال ونساء ومدنيين آخرين بأعمار مختلفة، تعرّضوا لقصف جوي بالقنابل والصواريخ من قبل طيران التحالف، أو طيران القوات العراقية، أو قد يكون عبر صواريخ وإطلاقات مدفعية من قبل القوات العسكرية.

كل تلك صور لا تنقلها وسائل الإعلام الرسمية، حيث تكتفي بنقل بيانات وتقارير الجهات الرسمية، التي تتطرق فيها إلى عدد الطلعات الجوية، أو عدد الهجمات البرية وأرقام عن قتلى من "داعش"، فيما تبقى ترتفع أعداد القبور في مقابر بعضها استحدثت قريباً، لتعذر السكان دفن موتاهم في المقابر المعروفة، لوجودها داخل منطقة خطرة.
المساهمون