العراق: ضغوط لفرض محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء

13 ديسمبر 2019
أعلن المحتجون مسبقاً رفضهم ترؤس السوداني للحكومة (Getty)
+ الخط -
استبق المتظاهرون العراقيون المليونية الجديدة المقررة اليوم الجمعة، والتي ينتظر أن تشارك فيها نحو 20 مدينة وبلدة، بالاتفاق على رفع شعارات موحدة فيها لتأكيد مواصلة الاحتجاج ورفض ما وُصف بالحلول الترقيعية والمطالبة بانتخابات مبكرة في البلاد، فيما جاءت حادثة ساحة الوثبة، التي قُتل فيها 5 متظاهرين وجرح نحو 10 آخرين، بعد إطلاق نار من قبل مسلح جرى فيما بعد قتله وتعليق جثمانه على أحد الأعمدة، لتثير موجة استنكار واسعة رفضاً لما جرى.

في هذا الوقت، أكدت ثلاثة مصادر عراقية مطلعة طرح اسم عضو حزب الدعوة الإسلامية محمد شياع السوداني مرشحاً لرئاسة الحكومة، من قبل تحالفي الفتح ودولة القانون بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، فيما تحاول إيران إقناع المعارضين بتسليم السوداني مهمة رئاسة الحكومة، حتى وإن كانت مؤقتة، وسط تشكيك في نجاحها هذه المرة بفرض مرشح خلافاً لرغبة الشارع المنتفض، أو رغماً عن إرادة النجف التي تساند التظاهرات.

وعلى الرغم من ترقب القوى السياسية الشيعية الرئيسية في البلاد خطبة المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، وما ستتضمنه من طروحات كان قد أكد أنها آراء للمساعدة ولا توجد سلطة أعلى من سلطة الشعب، فإن مسؤولين وقيادات سياسية عراقية أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أن المالكي والعامري قدما، بدعم إيراني، الوزير السابق وعضو حزب الدعوة محمد شياع السوداني مرشحاً لرئاسة الحكومة، وهو ترشيح من المؤكد أن يلاقي رفضاً كبيراً من الشارع المحتج، خصوصاً بعد تعليق صورة السوداني مع مرشحين آخرين منذ أيام في ساحة التحرير ووضع عبارة "كلا لمرشحي الأحزاب الفاسدة".

وقال قيادي بارز في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، إن زعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي رشحا السوداني لرئاسة الحكومة، خلال اجتماع جرى في بغداد الأربعاء الماضي، بدعم من قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني الذي يتحرك إلى جانب السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الشيعية. وأكد أن الرئيس برهم صالح أبلغ عدة أطراف بأنه لن يقدم اسماً يسبب له مشاكل مع المتظاهرين أو مع قوى سياسية أخرى، خصوصاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرافض مسبقاً لهذا الترشيح، موضحاً أنه أبرق إلى عدة أطراف بأن عليهم اختيار شخص جديد، كاشفاً عن تعويل المالكي والعامري على الحراك الإيراني لإخضاع الكتل الأخرى لخيار ترشيح السوداني رئيساً للوزراء لفترة مؤقتة.



عضو في كتلة عطاء التي يتزعمها رئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض أكد صحة هذه المعلومات، موضحاً، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الحكومة المقبلة المؤقتة ستكون ذات خمس أو ست مهام، منها فتح ملفات الفساد منذ عام 2003، لذلك فإن من مصلحة الجميع أن يأتي رئيس وزراء قريب منه، وأبرزهم المالكي الداعم الأول لترشيح السوداني". وأكد "وجود دعم إيراني لهذا الترشيح، لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون الأخير، والدافع الرئيس لترشيح السوداني أنه مؤقت وبطاقم محدود ومهام محدودة أيضاً لحين إجراء انتخابات خلال عام".

والسوداني من قيادات "الدعوة" وعضو في ائتلاف دولة القانون، بزعامة المالكي. وتسلم وزارة حقوق الإنسان في 2010، في حكومة المالكي الثانية، ثم عُيِّن رئيساً بالوكالة للهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة (اجتثاث حزب البعث)، ثم وزيراً للزراعة بالوكالة في 2013، ثم رئيساً بالوكالة لمؤسسة السجناء السياسيين، ثم وزيراً بالوكالة للهجرة والمهجرين، فوزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، ثم وزيراً بالوكالة للمالية، ومن بعدها بالمنصب نفسه لوزارة التجارة ثم الصناعة.

وقال القيادي في تحالف القوى العراقية والنائب هيبت الحلبوسي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لم تتفق كامل القوى الشيعية حتى اللحظة بشكل نهائي على شخص رئيس الوزراء المقبل، على الرغم من أن السوداني أبرز المرشحين لديها لرئاسة الحكومة". وبين أن "الشارع العراقي، وحتى المرجعية الدينية، لا ترضى أن يكون رئيس الوزراء الجديد من داخل الكتل السياسية أو تابعاً لها، بل هم مع مرشح مستقل"، مؤكداً أن "صالح لا يستطيع تقديم أي مرشح لرئاسة الوزراء، دون اتفاق وتوافق الكتل الشيعية عليه، حتى يضمن تمريره داخل مجلس النواب". وأشار إلى أن "المرجعية تريد اختيار شخصية سياسية مستقلة لرئاسة الوزراء، وأي شخصية تابعة لأي جهة سياسية ستكون مرفوضة من قبل المرجعية والشارع المنتفض".

بدوره، أكد القيادي في تيار الحكمة محمد الحسيني، لـ"العربي الجديد"، أنه "لغاية الآن لا يوجد اتفاق نهائي على شخصية رئيس الوزراء المقبل". وحذر من أن "الإصرار على ذات الأسماء، التي جربت في المراحل السابقة والتي لديها انتماءات سياسية وحزبية واضحة، لرئاسة الوزراء أمر خطير ولن يقنع الشارع العراقي والمرجعية والقوى السياسية التي تهدف إلى إخراج العراق من الأزمة". بالمقابل، قال القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، لـ"العربي الجديد"، إن "التيار الصدري يرفض بشكل قطعي إعادة تدوير الوجوه، وتسليم رئاسة الوزراء لأي جهة كانت تحكم العراق سابقاً وكانت سبباً رئيسياً في الفساد والمحاصصة". وأكد أن "المتظاهرين يرفضون أي شخصية سياسية حزبية، تقود الحكومة في المرحلة المقبلة، وعلى صالح أن يحسم أمره خلال الأيام القليلة المقبلة من أجل ترشيح شخصية مهنية مستقلة".

وأعلن الناشط في التظاهرات في بغداد جواد التميمي، لـ"العربي الجديد"، أنهم لم يكونوا يتوقعون منهم "ترشيح شخصية جديدة ونظيفة، لأنه سيكون عليها فتح جميع ملفات ما قبل انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من فساد وانتهاكات وتلاعب بمقدرات البلاد. لذلك هناك تحضيرات من قبل المتظاهرين للتصعيد في حال اختيار السوداني أو شخص على شاكلته". وكشف عن أن تظاهرات اليوم الجمعة ستشهد "انتقادات كبيرة للسوداني وأسماء أخرى لتأكيد رفضها" لترؤس الحكومة، مرجحاً، في الوقت ذاته، أن ترفض المرجعية الدينية في النجف أي شخصية لا يوافق عليها المتظاهرون، خصوصاً إذا كانت من أحزاب متورطة بالفساد ومعروفة بارتباطاتها بإيران.

في هذه الأثناء، فرضت حادثة ساحة الوثبة، رابعة ساحات التظاهر في بغداد، نفسها على المشهد الميداني أمس في العراق. وبدأت التطورات عندما تعرض المتظاهرون في ساحة الوثبة لإطلاق نار كثيف من أحد المنازل القريبة، أدى إلى مقتل خمسة متظاهرين وجرح نحو 10 آخرين، واستمر ذلك دون أي تدخل لقوات الأمن العراقية التي تحيط بالساحة، وهو ما دفع جموعاً كبيرة من المتظاهرين إلى اقتحام المنزل الذي صدر عنه إطلاق النار وملاحقة المسلح الذي قتل فيما بعد. ويؤكد متظاهرون تحدثوا مع "العربي الجديد"، أنهم لا يعرفون من قام بقتله ولا من علّق جثته على أحد الأعمدة. وسارعت تنسيقيات التظاهرات للتبرؤ من الحادثة، معتبرة أنه محاولة جديدة لتشويه الاحتجاجات. وقال بيان لمتظاهري بغداد: "خرجنا سلميين من أجل الإصلاح وحقن الدماء ووضع المجرمين بيد القضاء، خرجنا من أجل إعادة لكل شيء وضعة الطبيعي، خرجنا من أجل أن نعيش بسلم وسلام، خرجنا ونحن رافعون شعار السلمية، وما حدث اليوم في ساحة الوثبة جريمة يدينها المتظاهرون وتدينها الإنسانية والأديان ويعاقب عليها القانون". وختم البيان بالقول: "لا يمكن أن نسمح بتشويه صورة ثورتنا البيضاء، لذا نعلن براءتنا نحن المتظاهرين السلميين مما حدث اليوم صباحاً في ساحة الوثبة، ونعلن براءتنا أيضاً من أي سلوك خارج نطاق السلمية التي بدأنا بها وسنحافظ عليها إلى تحقيق آخر مطالبنا الحقة".