وظهر التغيير في مواقف العبادي الأخيرة بشكل بارز، من خلال تصعيده ضد تركيا بسبب وجود قوات تدريب تركية في مدينة بعشيقة شمال غربي الموصل، مقابل سكوته عن خمسة آلاف عنصر من الحرس الثوري موجودين في العراق، إضافة إلى تنصّله من وعود قطعها قبل تسلمه الحكومة، وأبرزها تنظيم قانون النفط والغاز، وعلاقة كردستان النفطية مع بغداد، وتحديد موازنة الإقليم المالية، ودفع مرتبات موظفي الإقليم بمن فيهم قوات البشمركة، وتوزيع عادل لمساعدات السلاح التي تحصل عليها بغداد بين الجيش العراقي والبشمركة، فضلاً عن ملفات المنافذ الحدودية والتوازن داخل مؤسسات الدولة.
وعلى الرغم من أن العملية السياسية في العراق لا تزال تجري بشكل بعيد عن التفكك على غرار ما حدث في حكومة نوري المالكي الثانية مطلع العام 2011 وما تلاها من انسحابات للوزراء والكتل السياسية، إلا إن ذلك قد لا يدوم طويلاً مع سياسة العبادي الجديدة.
وتكشف مصادر سياسية عراقية لـ"العربي الجديد"، أن مواقف العبادي الأخيرة من تركيا وتقاربه مع روسيا واحتواء المواقف الإيرانية كوجهة نظر عراقية فضلاً عن الملفات الداخلية الكثيرة، جاءت على خلفية تعرّضه للابتزاز، من خلال تهديده بالإقالة من منصبه كرئيس للوزراء إذا لم يوافق على الشروط والإملاءات الإيرانية، وسط تهديد بفتح قضية "هدية" الخمسة ملايين دولار المتهم بتسلّمها عندما كان وزيراً للاتصالات في عام 2004 من إحدى شركات الاتصالات العربية، لقاء منحه رخصة تشغيل شبكة هاتف نقال في العراق. وهو ما بدأت فعلاً مواقع إلكترونية بإعادة طرحه علناً من خلال استجلاب وثائق قديمة تدين العبادي، تعود لحكومة إياد علاوي (أول حكومة معينة بعد الاحتلال)، تؤكد علاقة العبادي مع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس والصفقة المشبوهة.
اقرأ أيضاً: مليشيات تتظاهر في بغداد للمطالبة بإخراج القوات التركية
ويقول برلماني عراقي ضمن الكتلة المدنية المستقلة إن العبادي تم تهديده أكثر من مرة بالإقالة من منصبه، وخوفاً من عدم اكتراثه بالإقالة، جرى تهديده أيضاً بفتح ملف فساد وزارة الاتصالات عندما كان وزيراً لها. ويضيف البرلماني، لـ"العربي الجديد"، أن "العبادي واقع تحت ضغوط المليشيات ورجال الدين والتحالف الوطني داخلياً، وتحت ضغط إيراني مستمر وابتزاز موسكو من خلال تمويل العراق بالذخيرة اللازمة، إذ إن السلاح الروسي يشكل نحو 60 في المائة من ترسانة الجيش والشرطة والحشد الشعبي، وروسيا تدفع بسخاء له وضمن أسعار مخفضة ودفع آجل".
وفي وقت يستمر موضوع القوات التركية في العراق محور نقاش مع انتقاله إلى مجلس النواب أمس، ينقسم سياسيون وبرلمانيون عراقيون حول الأسباب التي تقف وراء التحوّل الكبير في سياسة العبادي، بين كونه ناجم عن ضغوط وابتزاز يتعرض لها الأخير، أو أنها بداية مغادرته مرحلة المناورة والمجاملة السياسية.
ويقول القيادي في تحالف القوى محمد العبيدي، إنّ "مواقف العبادي بشأن الأزمة الأخيرة مع تركيا تؤشّر على مدى التوافق بين موقفه والمواقف الإيرانية والروسية". ويشير العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الموقف العراقي الرسمي يجب أن يكون وفقاً لما تقتضيه مصلحة العراق، وما تمليه الحاجة العراقيّة الفعلية"، معتبراً "تناغم هذا الموقف مع دول أخرى يجعل من الحكومة في محل شبهة، لتقديمها مصالح دول خارجيّة على مصلحة العراق". ويدعو الحكومة إلى "تبني خطاب سياسي يمثّل العراق ومصلحته، وعدم الانجرار وراء الأجندات الخارجيّة التي لا تراعي مصلحة العراق، وقد تجرّه إلى ما لا تحمد عقباه".
من جهته، يدعو النائب في "التحالف الكردستاني" محسن السعدون، الحكومة العراقيّة إلى أنّ "تتحرك تحرّكاً وطنياً يمثّل سيادة العراق كدولة ذات سيادة ولا تأثيرات خارجيّة عليها". ويشير السعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "روسيا بدأت بمبادرة طرحتها في مجلس الأمن الدولي، بحكم الأزمة التي بينها وبين تركيا، وأنّ تحرّك العراق وتقديمه طلباً رسمياً إلى مجلس الأمن يجب أن يكون توجّهاً وطنياً يمثّل سيادة العراق فقط". ويطالب بأن "يتعامل العراق مع الأزمة التركيّة كدولة عراقيّة لا علاقة لها بأي تأثيرات أخرى".
فيما يرى القيادي في جبهة "الحراك الشعبي" محمد عبدالله، أن "إعلان حكومة العبادي دخول مليون زائر إيراني، نصفهم من دون تأشيرة، إلى بغداد وسامراء وكربلاء والنجف، وامتناعها عن إدخال 10 آلاف عراقي سنّي يمضون عاماً كاملاً على حدود بغداد في معسكرات وخيم بظروف إنسانية مزرية، أمر يختصر الكثير للمراقبين وللعراقيين أنفسهم". ويعتبر أن "مواقف العبادي تغيّرت، ونكث بوعود قطعها لشركائه السياسيين وهذا أمر يجعلنا نشعر بقلق كبير في ظل استمرار انحدار الوضع أمنياً وسياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً".
اقرأ أيضاً: العراق يدعو مجلس الأمن إلى مطالبة تركيا بسحب قواتها