العراق: صفقة سياسية برعاية طهران تُمرّر قانون العفو العام

26 اغسطس 2016
أقر القانون بأغلبية الأصوات في البرلمان العراقي(صباح آرار/فرانس برس)
+ الخط -
تمكّن البرلمان العراقي، أخيراً، من تمرير مشروع قانون العفو العام في البلاد والمركون منذ عام 2014 في خانات المجلس إثر الخلافات السياسية التي أثيرت حوله ومعارضة كتل التحالف الوطني الحاكم لتمريره، وسط إصرار كتل أخرى على إقرار القانون الذي اعتُبر ضرورة لمعالجة حقبة ما اصطلح عليه قضاء حكومة نوري المالكي. واتسمت تلك الحكومة بالطائفية، والأحكام الانتقامية، ونظام المخبر السري، واعتماد الوشايات والاعتقالات العشوائية التي طاولت عشرات آلاف العراقيين. وأقر القانون بعدما أجري عليه تعديلات جوهرية عدة اعتبر مراقبون وحقوقيون أنها أفرغت القانون من محتواه الحقيقي، وأصبح أقرب لقانون إعادة محاكمة السجناء منه إلى قانون عفو عام.

ووفقاً لما أكدته مصادر داخل البرلمان العراقي، فإن "صفقة سياسية كبيرة أسهمت في تمرير القانون الذي يحمل السقف الأدنى لطموحات ذوي المعتقلين البالغ تعدادهم في العراق نحو ربع مليون شخص، منهم 32 ألفاً تمت محاكمتهم وإدانتهم، والآخرون يقبعون في 41 سجناً تنتشر في عموم مدن العراق بدون محاكمات بعضهم أمضى سنوات". وسيكون بإمكان المحكومين أو المعتقلين في السجون ضمن فقرة التهم والجرائم الإرهابية التظلم والمطالبة بإعادة محاكمتهم في حال تم انتزاع الاعترافات منهم بالقوة أو بناء على وشاية أو نظام المخبر السري من خلال لجنة قضائية لها صلاحية قبول التظلم أو رفضه.

واستثنى قانون العفو "المدانين بجرائم غسل الأموال، والقتل العمد، والسرقة، والاختلاس، والزنا، والخطف"، مع إمكانية تظلمهم ومطالبة إعادة المحاكمة في حال ادعوا أن إدانتهم جاءت بناء على اعترافات انتزعت بالقوة أو تحت التعذيب بشكل أو بآخر أو شككوا بسير عملية المحاكمة داخل المحكمة. فيما عُرضت إمكانية دفع غرامة مالية عن مدة الحكم المتبقية لمن أمضى نصف مدة حكمه من الجرائم غير المدرجة من قائمة الاستثناء في هذا القانون.

واعتبر رئيس مركز بغداد لحقوق الإنسان مهند العيساوي القانون بأنه أفضل من عدم وجوده، على الرغم من أنه أُفرغ من محتواه، وفقاً لقوله. وأوضح العيساوي لـ"العربي الجديد" أن القانون يحمل مصطلحات فضفاضة يمكن أن تحتمل وجهين"، مبيناً أن "القانون دون الطموح، لكنه أفضل ما يُمكن انتزاعه من البرلمان وكانت صياغته سياسية وليست قانونية، وأكثر ما يمكن الاستفادة منه هو إعادة محاكمة المظلومين في السجون بتهم الإرهاب، فلعلها فرصة جديدة لهم لتبرئتهم وإطلاق سراحهم".

بدوره، اعتبر النائب في البرلمان العراقي محمد الجاف، القانون بأنه "أفضل من لا شيء"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنّه "كنا نأمل بسقف أعلى، بعفو عمن قاوم الأميركيين، فهناك مقاومة وهناك إرهاب، لكن آراء الكتل كانت متفاوتة حيال ذلك وجرت تعديلات".

من جهته، أكد القاضي والمحامي السابق، عمر خالد لـ"العربي الجديد" أنه "من غير المعروف كيف ستتم إعادة محاكمة عشرات آلاف المظلومين في السجون، ولكن من المؤكد أن القضاء سيسعى لتطبيق العدالة". وأكدت مصادر سياسية مطلعة في بغداد لـ"العربي الجديد" أن "قانون العفو أقر بناءً على صفقة سياسية تمت بين اتحاد القوى والتحالف الوطني، وجرى تتويجها بزيارة رئيس البرلمان سليم الجبوري إلى إيران التي طلبت بدورها من التحالف الوطني الموافقة على القانون بهذه الصيغة مقابل تصويت اتحاد القوى على قانون هيئة الحشد الشعبي المثير للجدل المقدّم من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي".





وينص قانون هيئة "الحشد الشعبي"، وفقاً لمسودة المشروع، على أربع مواد وهي؛ أن "الحشد جزء من القوات المسلحة العراقية وتتمتع بالشخصية المعنوية التي تتمتع بها باقي تشكيلات القوات المسلحة". أما المادة الثانية فتشير إلى أن "أفرادها ومنتسبيها يتمتعون بنفس الامتيازات التي يتمتع بها باقي أفراد ومنتسبي القوات المسلحة". والمادة الثالثة، تتعلق بخضوع الحشد الشعبي بكافة منتسبيها ووحداتها وتشكيلاتها إلى الضوابط والقوانين العسكرية العراقية. والمادة الرابعة تشير إلى أنه تحدد مهام ألوية وتشكيلات الحشد بتعليمات تصدر من القائد العام للقوات المسلحة".

وتأكيداً على كلام المصادر السياسية، قال القيادي في مليشيا "الحشد"، حسين اللامي، إن البرلمان سيصوّت الأسبوع المقبل على قانون الحشد بالأغلبية، حتى لو لم يوافق الأكراد على القانون. وبيّن في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "طالما أقر قانون مقدّم من اتحاد القوى، فإنه بالمقابل سيتم قبول القانون من التحالف الوطني"، في إشارة إلى قانون العفو وقانون الحشد المقدم من كلا الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان.

فيما اتهمت النائبة عن ائتلاف دولة القانون، فردوس العوادي، مكتب الأمم المتحدة في بغداد بعقد اجتماعات وصفتها بالسرية والمشبوهة لتمرير قانون العفو العام. وقالت العوادي في بيان لها إن "تحركات مكتب الأمم المتحدة في بغداد يدور في فضاءات مشبوهة واجتماعات سرية تدعو إلى الريبة، فمنها ما سُرب من أنباء بقيامه باجتماعات مع شخصيات سياسية وكتل لتمرير قانون العفو العام بشكل مُرضٍ للإرهابيين"، على حد تعبيرها.

وكشف مصدر في مكتب رئاسة البرلمان العراقي لـ"العربي الجديد" أن اللجنة القانونية في مجلس النواب طلبت تأجيل التصويت على مشروع قانون العفو العام لنصف ساعة من أجل التشاور بين أعضاء اللجنة على إحدى الفقرات في بداية جلسة مجلس النواب"، مضيفاً أن "رئيس البرلمان حضر لقاء اللجنة بنفسه لحسم النقطة الخلافية في قانون العفو العام".

من جهته، أكّد النائب عن الكتلة المسيحيّة في البرلمان العراقي لويس كارو، أنّ "قانون العفو العام أقر بالتوافق السياسي". وقال كارو خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إنّ "الكتل السياسية توافقت في ما بينها بشأن القانون"، مبيناً أنّ "كل الكتل السياسية صوتت على القانون وحتى تلك التي كانت تعترض عليه وهي دولة القانون"، مؤكداً أنّ "القوانين العراقية المهمة لا يمكن إقرارها من دون توافق سياسي".

بدوره، أعلن النائب زاهد الخاتوني أن "البرلمان صوّت بالأغلبية على قانون العفو بكافة بنوده المتفق عليها"، مضيفاً أن "قانون العفو بصيغته التي تم إقرارها لن يكون منفذاً لإفلات الارهابيين من العقاب".

من جانبه، قال النائب محمود الحسن إن "قانون العفو العام وضع إجراءات قانونية لحل معضلة المادة الثامنة من قانون العفو العام التي كانت محل خلاف الكتل السياسية"، مضيفاً أن "الإجراء الجديد يتيح للمدانين بالإرهاب تقديم طلب للقضاء العراقي لإعادة المحاكمة وسيكون للقضاء العراقي صلاحية الموافقة على طلب المدانين بالإرهاب من عدمه".

في المقابل، اعتبرت مليشيا العصائب الممثلة بكتلة نيابية في مجلس النواب العراقي أن "إقرار قانون العفو العام يمثل جريمة بحق الشهداء"، وذلك في إطار معارضتها المستمرة لإقرار قانون العفو إلى جانب الكتل البرلمانية التابعة للتحالف الوطني.