العراق: سباق تسلح بين فصائل "الحشد"

07 مايو 2020
تطورت ترسانة الصواريخ لدى الفصائل العراقية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد ملف "حصر السلاح بيد الدولة"، الذي ظل كأحد أبرز الملفات في عراق ما بعد 2003، مطروحاً بشكله السابق، إلا من خلال وسائل الإعلام الحكومية أو تصريحات أحزاب ومسؤولين في الدولة. فتصاعد سباق التسلح بين الفصائل المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، لا سيما ما يتعلق بترسانة الصواريخ متوسطة المدى منذ مطلع العام الحالي، نقل الحديث فعلياً من حصر السلاح، أو تنظيمه، إلى ضرورة وقف سباق التسلح، ومعالجة حمى الفصائل في الحصول على أسلحة نوعية يجب ألا يمتلكها إلا الجيش العراقي.

وفي هذا السياق، تحدث ضابط عراقي ونائبان في البرلمان، لـ"العربي الجديد"، عن عمليات تسليح وتنافس على اقتناء أفضل الأسلحة وأكثرها تأثيراً بين عدة فصائل تُصنف عادة على أنها مرتبطة بإيران، خصوصاً ما يتعلق بالصواريخ والطائرات المسيرة ثابتة الجناح، ليصبح الحديث عن ملف حصر السلاح بيد الدولة خارج التداول، وبات المطروح حالياً ضرورة وقف سباق التسلح الحالي الذي أخذ شكلاً تنافسياً بين الفصائل المختلفة، من خلال تطوير وتحوير أسلحة، أو تهريب أخرى من سورية، أو الحصول عليها من إيران، ضمن أجواء الاحتكاك الحالي بين تلك الفصائل والقوات الأميركية.

وقال جنرال بارز في مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن بعض الفصائل حصلت على صواريخ يصل مداها إلى نحو 40 كيلومتراً، للمرة الأولى على مستوى الفصائل المسلحة في العراق. وأكد أن مليشيات مثل "كتائب حزب الله"، و"العصائب"، و"بدر"، أبرز من يمتلك الصواريخ المؤثرة، مثل "زلزال 1" و"زلزال 2 " و"فجر 1" و"فجر 5"، وكلها حصلت عليها من إيران، واستخدمت قسماً منها في قصف بلدة البعاج، وخلال معركة الحضر (محافظة نينوى) في العام 2017. واستمرت بعمليات تطوير تلك الصواريخ من خلال الاستعانة بخبراء لبنانيين من "حزب الله" وآخرين من هيئة التصنيع العسكري المنحلة، عدا عن الخبراء الإيرانيين.

وأضاف أن ترسانة الصواريخ لدى الفصائل الثلاثة منذ العام 2017 تطورت كثيراً في الوقت الحالي، وهو ما دفع فصائل أخرى، مثل "كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب الإمام علي"، و"الخراساني"، و"الطفوف"، "والبدلاء"، للدخول بهذا التنافس، من خلال إيران أو عبر تطوير صواريخ لديها من خلال زيادة مداها. وأشار إلى تصريحات سابقة أطلقها القيادي في مليشيا "النجباء" حيدر اللامي، عندما تنصل من هجمات الكاتيوشا، ووصف هذا النوع من الصواريخ بأنه بات قديماً بالنسبة لهم، كتأكيد على عدم وقوف فصيله وراء قصف السفارة الأميركية في بغداد. وأكد أن هذا الكلام كان صحيحاً، إذ إن بعض الفصائل المسلحة المقربة من إيران باتت تمتلك ما هو أعلى كفاءة من صواريخ الكاتيوشا حالياً، وهو ما يعني أن قاعدة عين الأسد يمكن استهدافها بتلك الصواريخ، بغض النظر عن وجود منظومة أميركية للتعامل مع تلك الصواريخ، كما أنها قد تشكل قلقاً لعدد من دول جوار العراق، مثل السعودية. وتحدث الضابط عن معسكرات تقع في مناطق منصورية الجبل وآمرلي والزعفرانية وجرف الصخر والطوز والمسيب، تتبع عدة فصائل مرتبطة بإيران، تعتبر أبرز مقرات التسلح بالعراق، وتجري فيها عمليات تطوير مستمرة لطائرات مسيرة.



من جهته، أقر نائب في البرلمان العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، بوجود ما وصفه "سعي تسلح وتعزيز نفوذ لفصائل كثيرة في الحشد الشعبي"، مؤكداً، في حديث هاتفي مع "العربي الجديد"، أن السباق يشارك فيه الجميع، لكن تُستثنى منه فصائل العتبات الدينية التابعة للنجف وكربلاء، فهي تحافظ على ما لديها من تسليح من دون السعي لامتلاك سلاح ثقيل أو نوعي، معتبراً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي مسؤول عن تنامي نفوذ المليشيات أمام إضعاف هيبة الدولة، لا سيما الجيش العراقي.

في المقابل، أكدت مصادر مقربة من هيئة "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، أن أحد أسباب خروج الفصائل المسلحة التابعة للعتبات الدينية بالنجف وكربلاء من الهيئة، "هو التمييز بين الفصائل المسلحة المنضوية ضمن الحشد، إذ يتم منح فصائل مسلحة مخصصات مالية ضخمة من موازنة المالية السنوية المخصصة للحشد الشعبي تحت خانة تطوير وتعزيز قدرات الحشد، وهو ما يذهب إلى شراء وتطوير السلاح، مقابل الاكتفاء بمنح الفصائل عراقية المرجع مبالغ تكفي مرتبات عناصرها وصرفيات الوقود والصيانة وغيرها". وأكدت أن 9 فصائل مسلحة تمتلك دبابات ومدرعات، من المفترض أنها تعود لوزارة الدفاع، لكنها لم تقم بتسليمها، وباتت في واقع الحال ملك تلك الفصائل.

من جهته، قال نائب الأمين العام لحركة "الأبدال"، وهي إحدى الفصائل العراقية المدعومة من إيران، كمال الحسناوي، لـ"العربي الجديد"، حول سباق التسلح الحالي بين الفصائل المسلحة، إنه "من "أجل حفظ وحدة العراق وسيادته، ولردع أي تمادٍ أو اعتداء من قبل المحتل الأميركي على العراق والعراقيين، وهذا السلاح لن يُستخدم ضد العراقيين". وأضاف "الأسلحة الموجودة لدى أي فصيل مسلح بالنهاية تابعة لهيئة الحشد الشعبي، أي أن السلاح موجود في النهاية بحوزة هيئة الحشد، التي هي مؤسسة عسكرية رسمية". ولفت الحسناوي إلى أن "سلاح الفصائل ربما يشابه سلاح الشرطة العراقية، وهدفه الدفاع ليس إلا، لكن في حال تمادى الاحتلال الأميركي في العراق فيمكن تطوير أسلحة للرد. فكل فصيل لديه مختصون في تطوير الأسلحة"، مؤكداً أن "هناك تنسيقاً عالياً جداً بين الفصائل المسلحة، بشأن سلاح المقاومة، لمواجهة المحتل الأميركي حصراً".

أما الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني، فوصف الحديث عن سباق التسلح بأنه "متأخر جداً"، في إشارة إلى أن الظاهرة قديمة، وليست بعد اغتيال زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني. وأضاف الحمداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك جانباً شخصياً يتعلق بزعماء الفصائل، وسعي كل واحد منهم لإظهار نفسه بأنه الأقوى أو الأفضل. فكلما كانت المليشيا كبيرة العدد، وذات ترسانة قوية، كلما كانت الحكومة أكثر تجاوباً معها، وهذا أحد آثار أو مخلفات حكومة عادل عبد المهدي". ولفت إلى أن "الصواريخ التي يتجاوز مداها الأربعين كيلومتراً ما تزال قليلة العدد، ولدى عدد محدود من الفصائل المسلحة فقط، وهي نفسها التي تمتلك أجنحة في سورية مع قوات النظام هناك".