العراق دولة منتجة للمخدرات

31 يوليو 2019
مهرّبون في قبضة الأمن (عصام السوداني/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تعد المخدرات في العراق محصورة بما يُهرّب عبر الحدود من الجارة إيران تحديداً، فأنواع منها صارت تُزرع محلياً، لا سيّما الحشيشة والخشخاش، في مناطق متفرقة منها بغداد. في السابق، كان توفّر المخدرات في البلاد يرتبط بما يدخله مهرّبون إيرانيون وآخرون عراقيون من محافظات الوسط والجنوب، أمّا اليوم فهي متاحة من خلال ما يُنتج ويُصنّع داخلياً، وهو الأمر الذي يجعل تكلفتها أقلّ والاتجار بها أكثر "أماناً" بعيداً عن حرس الحدود.

تفيد تقارير أمنية عراقية بأنّ المخدرات تُزرع خصوصاً في مناطق ريفية بمحافظة واسط المحاذية للحدود مع إيران، فيما تُستغلّ كذلك مناطق فارغة بمنطقة العطيشي التابعة لكربلاء (وسط) بزراعة الخشخاش. وتؤكد مصادر محلية في بغداد أنّه تمّ رصد زراعة نباتات مخدرة بمنطقة السيدية وأحياء شرق القناة، وذلك في حدائق بيوت كبيرة، فيما تُصنَّع حبوب مخدرة في الحلة وميسان، وذلك على الرغم من مراقبة الأجهزة الأمنية. أمّا في الأنبار (غرب)، فقد عثرت الشرطة على حدائق صغيرة تزرع فيها المخدرات أخيراً. وقبل أيام، أعلنت قيادة شرطة محافظة القادسية (جنوب) في بيان أنّ "القوات العراقية ضبطت أرضاً زراعية في ناحية الشافعية وتحديداً في قرية تسمى زويطة خاصة بزراعة نبات الخشخاش المحظور زراعته دولياً".

في السياق، تقول مصادر مسؤولة من محافظة البصرة (جنوب) لـ"العربي الجديد"، إنّ "معلومات وصلت إلى القيادات العسكرية ومجلس المحافظة تفيد بأنّ خبراء إيرانيين في زراعة المخدرات وتصنيعها دخلوا قبل شهرَين إلى العراق بحجّة زيارة المراقد الدينية في محافظتَي كربلاء والنجف (وسط جنوب). هم في الحقيقة دخلوا إلى البلاد من أجل البحث عن أماكن مخفيّة في أرياف المحافظات الجنوبية للاستفادة منها في زراعة المخدرات بعدما بات من الصعب إدخالها إلى العراق مع تشديد الرقابة الأمنية على الحدود". تضيف المصادر نفسها أنّ "الخبراء وبحسب المعلومات، تمكنوا من العثور على عدد من القرى في محافظات متفرقة منها الأنبار، نفّذوا فيها عدداً من التجارب الزراعية التي حققت نجاحاً"، مشيرة إلى أنّ "القوات العراقية ما زالت تفتّش تلك القرى، لكنّ المشكلة التي تواجهها تكمن في العثور على المزارع الصغيرة".




من جهته، يقول المسؤول المحلي في محافظة ذي قار (جنوب)، علي الوائلي، لـ"العربي الجديد" إنّ "المحافظة كانت في خلال الأعوام الماضية تُعَد من المحافظات العراقية التي تسجَّل فيها أقلّ نسبة تعاطي مخدرات، غير أنّها شهدت في الأشهر الأخيرة رواجاً لتلك التي تصل من إيران عبر مهرّبين. واليوم ثمّة كلام عن تصنيع حبوب مخدرة من قبيل الوردي وأبو الحاجب في داخل المدينة، بالاعتماد على خبرات إيرانية وأفغانية". يضيف أنّ "أحد المشتبه فيهم اعتقل في الأسبوع الماضي وقد اعترف بتعلّم صناعة بعض أنواع الحبوب في منزله مستعيناً بخبير إيراني عبر مواقع التواصل الاجتماعي". ويلفت الوائلي إلى أنّ "الحكومة المحلية في ذي قار والسلطات الأمنية لا تملكان الخبرة الكافية للتعامل مع قضايا المخدرات، لذلك فهي تعتمد مع المشتبه فيهم طرق البحث نفسها التي تعتمدها مع الإرهابيين، علماً أنّ الوصول إلى شبكات إنتاج المخدرات يحتاج إلى جهد استخباري عالي المستوى وشبكة علاقات مع أشخاص يتعاطونها".

بدوره يشير نائب عراقي تحفّظ عن ذكر هويته لـ"العربي الجديد" إلى "وجود خللٍ كبير في المؤسسة الاستخباراتية العسكرية، فهي خالية من الخبرات التي تستطيع مواجهة كارثة المخدرات التي تواجه العراق، بالإضافة إلى فساد مستشر في منطقة المنافذ الحدودية. فقط صار أصغر ضابط فيها من أصحاب الملايين على خلفية استفادته من الرشى وكذلك من إدخال المخدرات إلى مدن الجنوب". يضيف النائب نفسه أنّ "الأحزاب الدينية المتسلطة في الجنوب تمنع المشروبات الكحولية وتخنق الشبان وحرياتهم، ويصل الأمر إلى حدّ التدخل بملابسهم وتسريحات شعرهم. وقد أدّى ذلك إلى لجوء بعض الشبان إلى المخدرات المتوفرة بكثرة". يُذكر أنّ قائد شرطة البصرة، الفريق رشيد فليح، كان قد دعا رئيس الوزراء في وقت سابق إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في حقّ تجّار المخدرات ومهرّبيها و"ضرب الرؤوس الكبيرة بأسرع وقت ممكن".



أمّا الخبير والباحث العراقي الدكتور وليد البياتي فيوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "العراق بات مكاناً ملائماً لزراعة المخدرات في ظل ضعف الرقابة والأمن إلى جانب التنوّع المناخي الكبير من شماله إلى جنوبه والذي يسمح بزراعة أصناف مختلفة". يضيف أنّ "الأمر ما زال مقتصراً على كميات قليلة جداً ويُعنى به تجّار متوسطو القوة كما يُطلق عليهم إلى جانب إيرانيين يساعدونهم في تعلم كيفية زراعة المخدرات وجنيها"، مشيراً إلى أنّ "العراق مقبل على أن يصير دولة زراعة للمخدرات في حال لم تتحرك الحكومة وتعيد تفعيل القوانين الرادعة". ويتابع البياتي أنّ "ثمّة مناطق باتت بالفعل نقاطاً للزراعة، من بينها جنوب العراق وإقليم كردستان العراق، والخطورة تكمن في أنّ الجرائم الجنائية بمعظمها تُسجَّل في حين يكون مرتبكها تحت تأثير المخدرات. وفي عدد من التقارير الأمنية، كانت إشارة إلى أنّ انتحاريي تنظيم داعش كانوا يزوَّدون بجرعات مخدّرة قبل إقدامهم على تفجير أنفسهم حتى لا يتراجعوا وقد أصابهم الخوف من الانتحار".