العراق .. حوار أم عقد إذعان؟

17 يونيو 2020
+ الخط -
عدت الى الدبلوماسي الغربي الخبير بأوضاع العراق، وقد عمل هناك سنوات عدة قبل الاحتلال وبعده، أسأله عن رؤيته لنتائج جولة ما سمي "الحوار الاستراتيجي" بين واشنطن وبغداد، وتأثير ذلك على مستقبل العلاقة بين البلدين، أجاب: دعني أقول لك إن ما تسمونه "حوارا استراتيجيا" هو أقرب ما يكون إلى "عقد إذعان"، لك أن تقبله أو ترفضه، ولكنك ستقبله في كل الأحوال. هل تتذكر حكاية الاختيار بين الغزال والأرنب، إذا اخترت الأرنب فخذ الأرنب، وإذا اخترت الغزال فسأعطيك الأرنب".
وشرع يوضح: بغض النظر عن خطيئة شن الحرب على العراق التي ارتكبها الأميركيون في عهد إدارة الرئيس جورج بوش، فإنهم لن ينسوا أنهم جاءوا إلى بغداد، بعدما قطعوا عشرة آلاف كيلومتر، وقد خسروا في حربهم تلك أكثر من تريليوني دولار وآلاف الجنود بين قتلى أو معوّقين ومعتلين. هل تُراهم جاءوا لأجل عيون من يحكمونكم اليوم؟ ومن طلب منهم غزو العراق غير هذا النفر من أبنائه الذين وضعتهم واشنطن على قمة السلطة، وأعطتهم مفاتيح المال والقرار، وهم اليوم يريدون منها الرحيل، بعد أن وضعوا أنفسهم في أحضان إيران، وجندوا أنفسهم لخدمة مشروعها في المنطقة؟
أعتقد أن واشنطن لن تقبل بهذا أبدا، وقد كانت واضحة في ما تسمونه "الحوار الاستراتيجي"، ففي الدقائق الأولى طرح المفاوض الأميركي حزمة "الإملاءات" التي تنطلق من استراتيجية
 واشنطن في هذه المنطقة الحيوية في العالم: الحضور الأميركي في العراق مهم لأمن الولايات المتحدة. يمكن أن يأخذ "الحضور" هذا الشكل أو ذاك، لكن الجانب العسكري فيه أساسي وفاعل. المشروع الإيراني في خضم إقليم الشرق الأوسط الملتهب يثير مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ولا يمكن لبغداد أن تكون طرفا فيه. وضع المليشيات الإيرانية في العراق وجه من وجوه هذا المشروع. وعلى العراقيين التعامل معه بصرامةٍ ووضوح. واشنطن تريد من العراق أن يكون أرضا آمنة لها ولجنودها ودبلوماسييها العاملين هناك، ومهمة بغداد توفير متطلبات الأمن والحماية. لموضوعة الطاقة أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة، وهي تستطيع أن تتعاون مع بغداد على التعامل في هذا الملف، بما يضمن مصلحة الطرفين، استقرار الوضع في العراق يتطلب الاستجابة لمطالب المتظاهرين، والاقتصاص من قتلتهم، وفي مقدمتها الانتخابات، ومواجهة الفساد، والإصلاح الاقتصادي.
أضاف: أظن أنه بعد مقدمة "الإملاءات" الأميركية هذه، تذكر المفاوضون العراقيون تهديد الرئيس دونالد ترامب أنه إذا لم تنصع بغداد لما تريده واشنطن منها فعليها أن تواجه النتائج التي تترتب عليها، ملمّحا إلى تجفيف كل المنابع المالية للعراق، كي يعوّض عن تكاليف الحرب. هنا يكون المفاوضون قد كفّوا عن المناقشة، وداروا أنفسهم بالحديث عن إعادة آثار عراقية مسروقة وأرشيف النظام السابق، ومكرهٌ أخاك لا بطل.
سألته: ما ترى موقف إيران من هذا كله، وهي التي تعتبر أن العراق يجب أن يكون من حصتها وحدها؟
أجاب: فقدت إيران أوراقا كثيرة كانت تلعب بها في السابق، وغياب رجلها القوي، قاسم سليماني، انعكس على مجمل خططها في المنطقة. أما خليفته في قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري اسماعيل قاآني، وحتى المكلف بالملف العراقي، محمد كوثراني، ليس لديهما ذاك الوهج الذي كان لسليماني، ولا يمتلكان نظرته الإستراتيجية العريضة. ثم إن إيران اليوم واقعة تحت ضغوط أزمات حادّة: محاصرة الأميركيين لها، وأوضاعها الاقتصادية الصعبة، والانقسامات داخل مؤسستها الحاكمة. وأخيرا توغل جائحة كورونا فيها. هذا كله جعلها تميل إلى التهدئة، وتسعى إلى إبراز الوجه الآخر المغاير لها. ولا تنس أن الإيرانيين يمارسون "التقية"، وقد تعلموا الصبر على ما يكرهونه. هل تعرف أنهم يقضون عشرين عاما في حياكة سجادة واحدة؟
ـ وكيف سيداري رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أمره، وهو الواقف على خط الاشتباك بين واشنطن وطهران؟
ـ للكاظمي ما يميزه عمن سبقه، فهو يحظى من الأميركيين ليس بالرضا فحسب، إنما بالدعم الكامل أيضا، وهذا ما أفصح عنه ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية الذي وصفه بأنه "قائد وطني". ولذلك، شوف يعتبر الكاظمي هذا الدعم أساسا في عمله. ثم لا تنس أنه لا يريد لأصابعه أن تحترق، ولذلك تراه يتحرّك بحذر، ويسعى إلى الإبقاء على الإمساك بشعرة معاوية بينه وبين خصومه، وهو في هذه الحال ربما يستطيع أن يقدّم شيئا لمواطنيه، وهم ينتظرون منه ذلك من غير شك.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"