لم يستطع الربيع العربي أن يشرق في بلاد النهرين، رغم الأرض الخصبة التي كان بإمكانه أن يزدهر فيها، فقد استطاع الحاكم أن يفت من عضد الشعب مستخدماً كل الوسائل "غير الشرعية" لديمومة بقائه في سدّة الحكم.
بعد أن بدأ الربيع العربي يتقدم من تونس باتجاه مصر ليشمل عدداً من الدول العربية، وليحدث تغييراً في الحكومات المتسلطة، ويكون التغيير على يد أبناء الوطن، تأمل العراقيون خيراً وتوقعوا أن تتغلب إرادة الشعوب على الإرادات الخارجية.
تحرك العراقيون ممن عانوا الظلم والتهميش والتعذيب ومصادرة حقوق المواطنة، ليقولوا كلمتهم وليرفعوا شعار التغيير والرفض لسياسة الديكتاتور، ولحكم الطاغية، رفعوا الشعارات واللافتات وصمّموا على البقاء في ساحة التحرير حتى يزرعوا ربيعاً عراقياً ينعم فيه كل أبناء العراق.
أربك الربيع العراقي حصون المالكي المنيعة، فتحرّك باتجاهها محاولاً كسب الشعب من خلال تكرار الوعود التي يأس الشعب من تنفيذها، واستمروا بتظاهراتهم التي بدأت تعم كل المحافظات، وانتشرت الأصوات المطالبة بإزاحة المالكي عن الحكم في أرجاء البلاد.
استنجد المالكي بحليفته القريبة (إيران) ليفتت الربيع الوليد، وباشر سياسته المعهودة (القمع، والتنكيل، والسجن، والقتل)، وسيطر على ساحات الاعتصام في بغداد والمحافظات الأخرى، وانتشرت فرقه فيها مستخدمين وسائلهم القمعية لمنع أي تظاهرة تندد بالمالكي، فيما بدأت مليشياته اختطاف الناشطين ممن يقودون التظاهرات وقتلهم، كما قتلت الفرق القذرة العشرات من المتظاهرين ليضيع الحق والحقوق.
استطاع المالكي قمع المتظاهرين وقطع الطريق أمامهم وأمام كل صوت قد يخرج للمطالبة بالحقوق، وهو يقول "بعد ما ننطيهه"، حتى أصبحت جملته هذه قمة في الدكتاتورية التي أطيح بها لاحقاً.
لم ينته دور المالكي بوأد محاولات زرع الربيع في العراق فقط، بل حرّك أنصاره ليقودوا تظاهرات مؤيّدة، لتصبح ساحة التحرير العراقية "ساحة للنفاق" يتجمع فيها عشرات ممن اشترى المالكي ذممهم ليهتفوا بدعمه ويرفعو صوره.
وقرب المالكي المليشيات الطائفية، ومنها "عصائب أهل الحق" "وكتائب حزب الله" وغيرها من المليشيات التي حصّنها من المساءلة القانونية، وزرعها في أرض العراق لتكون عيونه فيها، مقدماً لها كافة وسائل الدعم والحماية.
بدأت المليشيات تشق طريقها في البلاد، وتنمو وتنتشر شيئاً فشيئاً حتى قطعت كل صوت مناهض للمالكي.
هكذا تمكن أن يحيل الربيع العراقي إلى خريف تأتي عواصفه على كل من حاول أن يطالب بحق مسلوب.
وقال الناشط العراقي، عبد الله الشيخلي لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق بلد يختلف عن باقي البلدان العربية، بسبب قربه من إيران وارتباط حكومته بها، الأمر الذي جعل البلاد مسرحاً لها ولمليشياتها، التي تراقب كل صوت يصدح بالحق لتغيّبه".
وأضاف "محاولاتنا لزرع الربيع العربي في البلاد لم تبصر النور، بل أخمدت بظلم وبطش من قبل المالكي وإيران خصوصاً في بغداد"، مستدركاً "لكنّ جذوة الحق لن تموت فينا وسيأتي الوقت المناسب لإطلاقها مرة أخرى" على حد قوله.
ورأى المواطن سلمان الجبوري، أنّ "الربيع لن يبصر نوره في العراق، لأنّ تركيبته السكانية، وزرع الطائفية بين مواطنيه، ستحول أيّ ثورة ضد الحاكم إلى فتنة بين المكونات".
وأضاف الجبوري لـ"العربي الجديد"، أنّ الثورة على الحكومة الشيعية، حتى وإن قام بها خليط من مكونات الشعب، ستستغل من قبل الحاكم وإيران لتتحوّل إلى ثورة طائفية، لتدخل البلاد في صراع طائفي لا تحمد عواقبه".
الربيع العربي بذرة قطفت ثمارها بعض الدول العربية، لكنّه في العراق وجارته سورية تحول إلى خريف قُمعت به أصوات الشعب بإرادات إقليمية.