المنطقة الخضراء في بغداد تتمدّد: سياسيون يبتلعون "الأميرات"

04 يناير 2018
تقع منطقة الأميرات في حي المنصور الراقي (Getty)
+ الخط -
سرعان ما غصت المنطقة الخضراء في بغداد بالسياسيين والمسؤولين، الذين تضخم عددهم أخيراً إلى الآلاف، بشكل أدى إلى أزمة سكن حقيقية فيها، ما يؤدي إلى توسيع ضمني لحدود هذه المنطقة التي استحدثها الاحتلال الأميركي لسكن حكام هذا البلد وسفارات الدول فيه.
وتجاوز عدد من يقيم في المنطقة الخضراء من السياسيين البارزين ورؤساء الأحزاب ووزراء ووكلائهم وكبار قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات ورؤساء الهيئات المستقلة أكثر من 3 آلاف شخصية نافذة مع عائلاتهم. ويعود ذلك إلى أن المسؤول في الحكومة لا يترك منزله داخل المنطقة الخضراء حتى بعد مغادرته المنصب، كرئاسة البرلمان والنواب والوزراء والمسؤولين في رئاسة الجمهورية، الذين يقيمون مجاناً فيها، وسط حماية أمنية لا تتوفر لباقي العراقيين، فضلاً عن النوادي والمسابح والجوانب الترفيهية الأخرى، كالحدائق ومدن الترفيه والألعاب واستراحات بين المنازل والشقق.

ولم يعرف العراقيون المنطقة الخضراء قبل الاحتلال الأميركي للبلاد في العام 2003، إذ استحدثت القوات الأميركية المنطقة عبر اقتطاع نحو 10 كيلومترات مربعة من ثلاثة أحياء سكنية مطلة على نهر دجلة، تسكنها غالبية من العراقيين المسيحيين بعد إجلائهم منها قسراً وإحاطتها بسور إسمنتي وأسلاك شائكة. وجاء اختيار المنطقة لوقوعها في قلب العاصمة، وأنها تحوي عدداً كبيراً من القصور الرئاسية التي يعود عمر بعضها إلى حقبة الدولة العثمانية. وصارت المنطقة تضم قرابة 3 آلاف منزل وعدداً كبيراً من الشقق السكنية التي تم إجلاء أهلها منها ومنحها لكبار السياسيين العراقيين الذين قدموا مع الاحتلال الأميركي، فضلاً عن قادة الجيش الأميركي والدبلوماسيين، فيما تحولت القصور الرئاسية إلى مقرات للحكومات والوزارات في ما بعد. وتأتي أزمة السكن داخل المنطقة الخضراء بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السياسيين والأحزاب، فضلاً عن المسؤولين في الحكومات المتعاقبة، والذين بالعادة لا يخرجون من المنازل التي يشغلونها بل يتمسكون بها، ما فتح الباب أمام ما يمكن اعتباره ولادة مناطق خضراء جديدة بشكل آخر على مسافة قريبة.

فبعد عام واحد من تحول حي الحارثية الراقي إلى ثكنة عسكرية مغلقة، بسبب سكن وزراء ومسؤولين فيه، وتحديد نقطة تفتيش واحدة للدخول والخروج من الحي، يأتي الدور اليوم على منطقة الأميرات الواقعة في حي المنصور الراقي، وسط بغداد، إذ تؤكد مصادر في وزارة الداخلية العراقية وجود أكثر من 70 مسؤولاً قاموا بشراء أو استئجار منازل في المنطقة وطالبوا بتوفير الحماية لهم. وقال مسؤول في الوزارة، لـ"العربي الجديد"، إن "منطقة الأميرات تحولت إلى منطقة خضراء هي الأخرى يخنق فيها السكان الذين بدأ بعضهم يفكر بمغادرتها خوفاً من الاستهدافات بالقذائف التي تطاول المنطقة الخضراء الأصلية بين فترة وأخرى، أو بسبب التضييق على حرية خروجهم ودخولهم إلى منازلهم". وبين أنه "تم خلال الأسبوع الماضي نصب نقاط تفتيش وتحديد مدخل ومخرج واحد للمنطقة، وذلك بسبب هجرة السياسيين والمسؤولين من المنطقة الخضراء إليها، أو لأنهم لم يجدوا سكناً هناك". ولفت إلى أن "التفتيش يطاول حتى أطفال المدارس داخل باصات المدرسة، وفي حال اكتشف السياسي أو المسؤول أن عناصر الأمن لا يفتشون جيداً، تتم معاقبتهم أو حتى نقلهم".


وتقول المعلمة سندس طارق، التي تسكن حي دراغ في منطقة المنصور، إنها تعاني كثيراً عند التفكير بزيارة منزل شقيقتها الواقع في منطقة الأميرات، موضحة، لـ"العربي الجديد"، أن نقاط التفتيش هناك منعتها أكثر من مرة من الدخول إلا بعد حضور أختها. وأضافت أن "الدخول إلى هذه المنطقة يتطلب حمل بطاقة سكن خاصة، أو شارة تعريفية تشير إلى الصلة بأحد السياسيين الذين يفرضون سيطرتهم على الأميرات"، مشيرة إلى تعرض النساء اللاتي يدخلن إليها لكثير من المضايقات اللفظية أو إطلاق منبهات السيارات التابعة لعناصر حماية المسؤولين الذين يفوق عددهم عدد سكان المنطقة، بحسب قولها.

ويتحدث علي التميمي، وهو صاحب محل مغلق لتوزيع الأدوية في شارع الأميرات، عن تفاصيل أكثر عما يحدث هناك. وقال "على الرغم من دفعي مبلغاً مالياً كبيراً لشراء المحل قبل الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، إلا أنه من سوء حظي أنه أصبح يقع بجانب أحد المسؤولين الكبار في الدولة العراقية الذي أغلق مدخله وجزءاً كبيراً من شارع منزله بالكتل الكونكريتية"، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "السكن أو العمل في الأميرات أصبح أمراً لا يطاق بسبب قدوم من هب ودب، وتحكم بعض السياسيين وحماياتهم بزمام الأمور". وأشار إلى أن منطقة الأميرات مقسمة إلى أربعة أجزاء، الأول وهو الأكبر يتبع لـ"حزب المؤتمر الوطني العراقي" الذي استولى على عدد من بنايات المؤسسات الحكومية فضلاً عن منازل المسؤولين السابقين التي حولها إلى مقر كبير له وللمركز البحثي والملتقى والمصارف التابعة له، ومنازل أخرى تم استئجارها أخيراً، موضحاً أن الجزء الثاني هو جامع الرحمن، المطل على شارع الأميرات الذي استولى عليه "حزب الفضيلة" ومليشيا "رساليون" التابعة له. وأضاف "أما الجزء الثالث للأميرات، والمجاور لشارع 14 رمضان، فيحتوي على أغلب سياسيي محافظة الأنبار الذين فروا من مناطقهم بعد سقوطها بيد تنظيم داعش في العام 2014 ورفضوا العودة بعد التحرير بسبب خلافات سياسية". وبين أن الجزء الرابع يضم مقرات لأحزاب أخرى، مثل "الوفاء" الذي يتزعمه وزير الكهرباء العراقي، قاسم الفهداوي، و"الأغلبية" وأحزاب أخرى. يشار إلى أن تسمية "الأميرات" تطلق على المناطق المحيطة بشارع الأميرات الذي يتوسط حي المنصور في جانب الكرخ من بغداد، والذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى أميرات الأسرة الملكية الحاكمة مطلع القرن الماضي. وتحيط بالمنطقة معالم بغداد، مثل برج المأمون (صدام سابقاً)، ونادي الصيد العراقي، وأسواق سيد الحليب الشهيرة، وشارع 14 رمضان. كما تضم المنطقة المؤمنة عدداً من سفارات الدول الأجنبية.