لعلّ الالتفاف على القوانين والبرامج الحكومية، هو السمة الأبرز بعراق ما بعد الاحتلال الأميركي (2003)، فتشريع القوانين أو حتى البدء بتنفيذها لا يعني بالضرورة حلّ أي مشكلة في العراق، فقانون العفو على سبيل المثال والذي بدأ العراق تطبيقه العام الماضي شمل حتى الآن أكثر من 4 آلاف سجين، من بينهم أكثر من 70 في المائة مُدانون بجرائم قتل واغتصاب وسرقة وسطو مسلح وتشكيل عصابات، وكذلك من بينهم أفراد من مليشيا "جيش المهدي" ممن اعتقلهم الجيش الأميركي وسُلّموا فيما بعد للجانب العراقي بعد عام 2011، إثر الانسحاب الأميركي من العراق، بينما أُبقي على الذين أُعدّ القانون خصيصاً لأجلهم ضمن مشروع المصالحة الوطنية بالعراق برعاية الأمم المتحدة، وهم ضحايا "المخبر السري" إبان حكومة نوري المالكي، والتي زُجّ بسببها نحو 80 ألف معتقل، انتُزعت منهم اعترافات تحت التعذيب ودينوا بأحكام متفاوتة بين السجن والإعدام ضمن قانون "مكافحة الإرهاب" في العراق.
في هذا السياق، كشف مسؤول عراقي رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن "موافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي، أخيراً على إشراك مليشيات الحشد الشعبي بخطة الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة ومنع انتشاره في المدن وذلك بناءً على ضغط منها". ولفت إلى أن "دور فصائل الحشد سيكون مع قوات الشرطة والجيش في تنفيذ حملات الدهم والتفتيش للمنازل والمباني بحثاً عن الأسلحة والمواد المتفجرة". وأضاف أن "مشاركة الحشد في المهمة من شأنها تعزيز مكانة الجيش والشرطة، اللذين يشكيان من عدم احترام العشائر العربية جنوب البلاد لأوامرهما. وسُجّلت أخيراً مواجهات بين القوات العراقية وعدد من العشائر التي حاولت قوات الأمن دخول مضاربها بحثاً عن السلاح أو لوقف نزاعات لها مع عشائر أخرى، خصوصاً في ميسان والقادسية وذي قار وبابل والبصرة وكربلاء".
في هذه الأثناء عقدت هيئة "الحشد الشعبي"، اجتماعاً في بغداد ضمّ للمرة الأولى ومنذ إجراء الانتخابات بالعراق في 12 مايو/أيار الماضي زعامات أغلب تلك الفصائل بحضور عدد من المستشارين الإيرانيين. وبحسب مصادر مقرّبة من المليشيا فإن الاجتماع تركز على ملف نشر عناصر "الحشد الشعبي" على الحدود مع سورية والضربة الجوية الأخيرة، التي استهدفت أحد فصائل "الحشد" داخل سورية قرب الحدود مع العراق الشهر الماضي.
وبحسب المصادر ذاتها فإن "مشاركة المليشيا في خطة الحكومة لنزع السلاح ستكون من محافظة ميسان جنوب العراق لتشمل المحافظات الأخرى، وسترتكز على سحب السلاح المتوسط غير المرخّص بالمرحلة الأولى وتستهدف نحو 40 قبيلة وعشيرة عربية بتفرعاتها وبطونها، تنتشر في بابل والقادسية وذي قار والمثنى وميسان والبصرة ومدن أخرى وسط العراق وجنوبه، يليها في ما بعد حزام بغداد ومناطق شرق العراق".
ولفتت إلى أن "مدن شمال العراق وغربه (المحررة من داعش) عملياً باتت منطقة منزوعة السلاح ولا يسمح للمواطنين باقتناء أي قطعة سلاح، حتى لو كانت مسدسا شخصيا، ويتم التعامل مع الموضوع ضمن خطط مكافحة الإرهاب". وحول ذلك قال أحمد عباس الخزعلي، أحد مسؤولي هيئة "الحشد الشعبي" المرتبطة بأمانة مجلس الوزراء العراقي لـ"العربي الجديد"، إن "الحشد الشعبي مؤسسة أمنية مثل الجيش والشرطة، ولا تختلف عنهما بشيء بحسب القانون المشرّع بالبرلمان، وللحشد عمق كبير جداً بجنوب العراق وسيكون لمشاركته في نزع السلاح أثر إيجابي". وبيّن أن "بعض العشائر قد تصطدم بالقوات العراقية، لكنها تخشى ذلك حين يتعلق الأمر بالحشد الشعبي".
وتابع أن "كثيرا من الجرائم التي تتم في المحافظات الجنوبية تجري تحت عنوان الحشد الشعبي، ولا بدّ من القيام بإجراءات مناسبة لتوضيح ذلك"، لافتاً إلى أن "المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الإجراءات باتجاه حصر السلاح بيد الدولة".
إلا أن عضو التيار المدني في بغداد وليد عباس، وصف مشاركة المليشيات بخطة الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة بـ"النكتة"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "80 في المائة من السلاح والذخيرة الموجودة خارج سلطة الدولة تمتلكها المليشيات العراقية، وبينها أسلحة ثقيلة أيضاً. وكان عليهم أولاً نقل مخازن سلاحهم من الأحياء السكنية والمدن، بدلاً من الإصرار على المشاركة في مسرحية حصر السلاح بيد الدولة، لأننا نعلم أن سلاح المليشيات هو المهدد الأول لاستقرار العراق بعد هزيمة تنظيم داعش". واعتبر أن "الموضوع يشبه حديث إيران عن ضرورة مغادرة القوات الأجنبية للعراق وسورية ولا ندري بماذا تصف وجودها في البلدين".
في المقابل، اعتبر أحد شيوخ عشائر محافظة ذي قار (جنوب العراق)، الزعيم القبلي حمدان الجوراني، أن "سكان المحافظات الجنوبية لا يختلفون على كون مليشيا الحشد الشعبي مؤسسة ساهمت في قتال تنظيم داعش"، مستدركاً "إلا أن هذا الأمر لا يمنحها الحق في أن تنصب نفسها وصية على سلاح المحافظات الجنوبية".
وأضاف أنه "توجد مخاوف شعبية من احتمال استغلال بعض الأحزاب التي لديها فصائل مسلحة لهذه المسألة"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ضبط السلاح المنفلت مسألة متعلقة بالقوات العراقية الرسمية من الجيش والشرطة، ولا يمكن للعشائر أن تتعامل مع هذين التشكيلين في موضوع نزع السلاح".
وفي السياق، قال عضو تحالف سائرون في محافظة البصرة (590 كيلومتراً جنوب بغداد) أحمد الصالحي إن "أية دعوة لنزع السلاح سيكون مشكوكاً بها ما لم تنفذ من قبل الحكومة العراقية ومؤسساتها الأمنية"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "دعوات حصر السلاح التي تطلق من قبل جماعات مسلحة قد تتسبب بخلق مزيد من الاضطرابات في المدن الجنوبية".
وفي شأن متصل، عبر عراقيون من محافظة البصرة عن رفضهم لدعوات نزع السلاح من قبل مليشيا "الحشد الشعبي". وقال المحامي محمود إياد إن "على المليشيات أن تبدأ بنزع سلاحها قبل أن تتحدث عن الآخرين"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "سكان محافظات الجنوب بانتظار حملات حكومية منظمة لنزع السلاح المنفلت".